بسام شلبي
في عصر يوم من أيام عام ١٩٨٨ دخل بيتي الصديق صبحي خبية برفقة شخص لم أكن أعرفه آنذاك ولم يكن ذلك مفاجئًا بل كان بموعد مرتب مسبقًا ولكن المفاجئ أن صبحي قال بصراحة: نحن جائعان.. ومنذ الصباح لم نتناول شيئًا.
تجلت علامات الحرج الشديد على وجه الرجل الخجول الذي برفقته وكانت أول مرة يدخل فيها بيتي وحاول بأسلوب دمث أن يعتذر. لكن أبا ماجد كان زعيم تحطيم الحواجز.
وعلى مائدة ذاك الغداء المفاجئ تعرفت على ذلك الرجل بالاسم الحركي (أبو محمد) وتبادلنا الأحاديث. شعرت أني أعرفه منذ عشر سنوات على الأقل، فقد تبين لي أننا قرأنا نفس الكتب تقريبًا، ونتابع نفس الجرائد والمجلات ونفس الكتاب. ولدينا الكثير من الآراء المشتركة. وكان لدينا نفس الطموح للعمل في الصحافة والاعلام. منذ ذلك اليوم وحتى خروجي من سورية عام ٢٠٠٣ كنا نلتقي مرارًا كل شهر نتبادل الأفكار والآراء والمقالات التي أعجبتنا. ونقاشتنا لم تكن لتنتهي. ولم أعرف اسمه الحقيقي إلا بعد سنوات عندما بدأ فعليًا بالعمل الاعلامي والصحفي، فعرفت أنه الأستاذ أحمد مظهر سعدو. وقد حاول جري كثيرًا إلى ميدان الصحافة لكن وقتها كانت قد تشكلت لدي قناعة أن الانغماس في الصحافة يقتل الأديب وأنا فضلت الأدب وقتها.
وأنا أعترف وأنا ممتن لأخي أحمد بمساعدتي كثيرًا في نشر الكثير من القصص التي كنت أكتبها في أكثر من موقع صحفي، بالأخص في جريدة المجد، التي أصبح مراسلها في سورية. كما أجرى معي أكثر من ثلاث مقابلات صحفية، نشرت وقتها بصفتي كاتب قصصي وسياسي. كما أنا ممتن له أنه كتب تعريفًا أدبيًا رفيعًا بمجموعتي القصصيتين اللتان كنت نشرتهما مطلع القرن الواحد والعشرين، وقد نشر في عدة مواقع أيضًا.
لقد عشنا معًا خريف دمشق في الثمانينات. وعشنا نبض الحياة التي انبثقت بعد سقوط (تشاوشيسكو) في مطلع التسعينات، وعشنا ربيع دمشق أواخر التسعينات. حضرنا معًا المنتديات والمحاضرات. وجنازة نزار قباني، ومظاهرات الاحتجاج على ثعلب الصحراء. واعتصامات الاحتجاج على حصار غزة. سرنا معًا. هتفنا معًا. حلمنا معًا. بيوم يتحرك فيه الشارع. ولكن عندما جاء هذا اليوم لم يقدر لي أن أكون معه لأني كنت خارج سورية، وفي هذه الفترة فقط، انقطع التواصل بيننا مؤقتًا بسبب الظروف الأمنية التي أحاطت بالثوار السلميين، وهو كان منهم، حتى خرج إلى تركيا حيث أعدنا التواصل مرة أخرى.
وبالآخر ومن يومين بيتفلسف عليِّ حضرة الفيسبوك المحترم ويقول لي بإمكانك تحتفل بمرور أربع سنوات على صداقتك مع أحمد مظهر سعدو.
أنت يا حضرة الفيسبوك شو بتعرف عن صداقتي مع أحمد. أنت بس عم تحاول توحي لنا أنك بتعرف عنا كل شيء، والحقيقة أنك ما بتعرف عنا شيء. أنت عم تحاول توحي لنا أننا لا نستطيع أن نتواصل بدونك. ونحن كنا قبلك ورح نضل بعدك. أنت عم توحي لنا أنه عندك قدرات أسطورية بالتواصل لكن هذا غير حقيقي. أنت بتقدر تساوي تواصل بين شخصين واحد منهم ما عنده كمبيوتر أو هاتف ذكي!! أنت تعرف أنه أنا مازلت أتواصل مع (أبو فاروق) رغم أنه استشهد من سنوات. أنت بتعرف أنه أنا مازلت أتواصل مع صديقي سامر الأحمر رغم أنه معتقل منذ سنوات. أنت بتعرف أنه عندي صديق حقيقي لكنه يكتب على الفيس بأسماء مستعارة بسبب الضغوط وكل مرة يغير اسمه أقدر أعرفه من أول بوست بيكتبه. لأنه في فرق كبير بين الأصدقاء الحقيقيين وأصدقاء مفترضين.
مستر زكوربرغ وقِّف عند حدك، أنت والفيس بوك تبعك، أنت مجرد وسيلة للتواصل.. وليس التواصل.. أنت اختراع رائع في الحياة، ولكنك لست الحياة الحقيقية. ولا تحاول أنك تهيمن على حياتنا، لأن العواقب سوف تكون وخيمة عليك وعلى الجميع. نحن أحببناك لأنك سهلت التواصل، وسهلت حياتنا، ولكننا سنكرهك وسنهزمك، إذا حاولت أن تهيمن على حياتنا.