أحمد مظهر سعدو
انطلقت حملة (الأمعاء الخاوية) السورية، في 7 حزيران/ يونيو 2019 من خلال إضراب فردي واعتصام قام به المهندس بريتا حاجي حسن، في محاولة جادة لتحريك الرأي العام العالمي، الذي بات غارقًا في حالات التخلي عن الواقع والمأساة السورية، خاصة ما يجري منذ ما يقرب ثلاثة أشهر، من قصف همجي على إدلب وما حولها. لكن هذه الانطلاقة الفردية ما برحت أن توسعت اضطرادًا، لتشمل العشرات من شعب سورية الحالم بالحرية، والمتطلع إلى حالة انعتاق كلي من إجرام آل الأسد، ومن يساند الطغمة الحاكمة في دمشق، من إيرانيين وروس. ويبدو أن هذا الحراك الشعبي السوري المدني، في الكثير من دول العالم، ومنها بلاد اللجوء قاطبة، قد أعاد الأمل من جديد لروح الثورة، وإمكانية عودة الحراك الثوري، إلى مآلاته المدنية التي انطلق منها وعبرها، وهو ما ساهم في لفت الأنظار العالمية الإنسانية إلى قضية شعب خرج يوم 15 آذار/ مارس 2011 ينادي بالحرية والكرامة، ودولة سيادة القانون، نابذًا الطائفية والقمع والاستبداد المشرقي، وكل أنواع هدر الإنسان السوري، عبر عقود خمسة خلت، من عمر سرقة الوطن، عندما انقلب الأسد/ الأب على رفاقه في الحكم، واختطف الدولة والسلطة والوطن، في 16 تشرين ثاني / نوفمبر 1970ليمسك بدور وظيفي أضحى واضحًا ومعروفًا للجميع.
في سياق متابعة حملة (الأمعاء الخاوية) السورية التقت صحيفة إشراق بعض السياسيين والنشطاء السوريين المتابعين لحملة الإضراب عن الطعام من أجل ادلب والشعب السوري المقموع، والنازل فوق رأسه القصف اليومي من طائرات الإجرام الروسي والأسدي.
الباحث الدكتور مروان الخطيب عضو الصالون السياسي في عينتاي قال: ” معركة الأمعاء الخاوية أسلوب نضالي مارسته الشعوب كنوع من النضال السلمي ضد القوى الطاغية، ونذكر هنا نضال الشعب الإيرلندي ضد المستعمر البريطاني، ونضال الشعب الفلسطيني ضد الكيان الصهيوني. وفي كلا المعركتين كانت ترفع شعارات مرحلية، وقد حققت مكاسب للثورة في كلا المنطقتين”. وأضاف الخطيب ” لا يمكن القول أن معركة الأمعاء الخاوية قد تأخرت، مع أنها تحتاج لتحقيق أهدافها للكثير من المناصرة العالمية الشعبية طبعاً بعد المناصرة من الحاضنة الشعبية للثورة، والثورة السورية لا تعيش في أفضل مراحلها من المناصرة الشعبية العالمية بعد ما عانته من داعش والنصرة ومفرزاتهما، وأعتقد أنها يجب أن تعول بداية على مناصرة الحاضنة الشعبية للثورة التي أصابها شيء من الوهن نتيجة الانتكاسات الأخيرة في جسم الثورة من الجنوب السوري إلى الشمال، مع طول أمد الثورة وتراجعها عن المكاسب التي حققتها في السنوات الثلاث الأولى من عمرها. لذلك فإننا لا يجب أن نعول كثيراً على النتائج الممكن تحقيقها نتيجة الضغط الدولي، ولكنني أرى أن استعادة الدور الفاعل للحاضنة الجماهيرية للثورة هو ما يمكن تحقيقه بداية” ثم قال ” ما يزيد من أثر هكذا معركة ويحقق مكاسب حقيقية هو انضمام رموز وطنية ثورية لها صدى ودور في المؤسسات الثورية على المستوى العالمي، إضافة لحركة إعلامية نشطة تعيد الصورة الحقيقية الناصعة لثورة الحرية والكرامة، وتبعد عنها التشوهات التي حاولت قوى الظلام إلباسها، وأن تبقى على هدف مرحلي مشروع (إيقاف القصف الهمجي على المدنيين العزل، إيقاف تدمير المنشآت الطبية). إن تحقيق الهدف المحلي من هكذا معركة وهو استعادة الحاضنة الشعبية للثورة، ولو جزئياً، يمكن البناء عليه باتجاه حراك ثوري واسع يبدأ بإعادة بناء مؤسسات الثورة وإعادة فرز ممثلين حقيقيين للثوار يستطيعون تجسيد الرؤيا والطموحات الحقيقة للثورة السورية”.
أما الناشط السوري السيد منجد الباشا فقال: ” عندما نقرأ التاريخ من خلال رؤية (تاريخانية)، ونجد أن مسار الشعوب، في تطلعها نحو الحرية والانعتاق من كل أشكال القيود التي تمنعها من التقدم، هو مسار زاخر بالانتصارات والحركة إلى الأمام، وتحقيق الأحلام في الحياة الأفضل. نوقن أنه لابد أن يحقق شعبنا السوري اهدافه التي أطلق ثورته من أجلها، إذ إنه أحد شعوب هذه الأمة العريقة التي تعتبر من صناع هذا التاريخ، ومن أوائل من ترك بصماته الحضارية الفاصلة فيه.
لم تكن الثورة السورية العظيمة كباقي الثورات المعهودة، ولم يكن مجافيًا للحقيقة من قرأ هذه الثورة مضفيًا عليها سمة حرب عالمية ثالثة، فكما هي العادة في كل الحروب، حيث تنتهي الحرب، لتفتح آفاقًا جديدة، ولتؤسس لنظام عالمي جديد بكل المستويات الاقتصادية والاجتماعية والعلمية والثقافية، هكذا هو حال الثورة السورية حيث نرى التدخلات الدولية وتقاطع مصالحها، وتفاهماتها المتعددة، لإجهاض هذه الثورة وإبعادها عن أهدافها الحقيقية وتطويعها، لإنتاج كيان دولتي ومجتمعي يتماهى مع التصورات الدولية وفق مشروع ما يسمى بالشرق الأوسط الجديد، الذي اشتُغل عليه منذ ثمانينات القرن الماضي، لتأبيد وجود الكيان الصهيوني وبالتالي تأبيد الهيمنة المطلقة لأنياب الامبريالية المافيوية المالية عليها. ” ثم أضاف ” مما تقدم، أستطيع القول. إنه بالرغم من النجاحات المزعومة التي حققتها قوى الثورة المضادة، والمتمفصلة مع مخططات الدول الاقليمية والعالمية، وبالرغم من ارهاصات الحلول السلمية المأمولة، والتي تلوح بوادر تنفيذها على الأرض وفي أروقة اللقاءات والتفاهمات الدولية الراهنة. فان ما سيتم فرضه من أطر سياسية تسووية يمكن أن تنهي عملية التدمير والقتل والإبادة الهمجية، ليس سوى وجه واحد للمسألة، حيث نجد هناك في المقابل، وبشكل واضح، لكل متابع ومراقب، كيف أن النوى والبذور والأطر الثورية الحقيقية، آخذة في الاتساع والتأطير والتنظيم، وليس أدل على ذلك من المظاهرات التي انطلقت منذ النصف الثاني من العام الماضي.. وعمليات المقاومة الشعبية الثورية. وكذلك وكما نتابع اليوم، حركة الأمعاء الخاوية.. التي تدخل في سياق تفاعل وتطوير، محور الحراك الثوري المدني السلمي ذاك الذي انطلقت الثورة على هدي شعاراته وعناوين أهدافه، حيث نجد في ذلك ما يعني الاستمرار في نهج الثورة الأول والإصرار الفولاذي على المتابعة والمثابرة حتى تحقيق أهداف الثورة كاملة. واستعادة الوطن والدولة والشعب الذي أخذ على حين غرة. من خلال الاستفادة من دروس الماضي، وانتاج قيادة ثورية موحدة، والمضي قدمًا لمواجهة كافة التحديات إذ إن انتصار الثورة السورية وتحقيق أهدافها، سيكون فاتحة تغيير لمعالم أنظمة الحكم السائدة في المنطقة العربية، وهذا ما يمكن أن ينعكس على النظام العالمي أجمع.”
فهل يمكن بالفعل الإمساك بحالة جديدة ومتجددة من عنفوان الثورة السورية؟ وهل يمكن أن تؤتي هذه الإضرابات والاعتصامات أُكلها وتوقف الحرب الممنهجة ضد أهلنا في إدلب وريف حماة الشمالي، وريف حلب الغربي؟ أسئلة ماتزال برسم العالم المتحضر الذي ما يزال يتفرج على فصول قتل الشعب السوري المتطلع للحرية.
المصدر: صحيفة اشراق