منهل باريش
اتصل السيناتور الجمهوري البارز ليندسي غراهام بوزير الخارجية التركية مولود جاووش أوغلو بتكليف من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب طالباً “عدم تفعيل تركيا لنظام الدفاع الجوي الصاروخي الروسي أس-400”.
وأتى الاتصال بعد يوم من الجلسة التي عقدها الرئيس الأمريكي مع أعضاء بارزين جمهوريين في مجلس الشيوخ خلال اجتماع مغلق في البيت الأبيض، يوم الثلاثاء. وتسرب من الاجتماع عدم دعم ترامب لفرض عقوبات على تركيا لشرائها نظام الدفاع الجوي الروسي. وأعلن وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو صراحة، يوم الجمعة، أن بلاده تريد من تركيا عدم تفعيل منظومة الدفاع الجوي الروسية “أس-400” مشيراً إلى إمكانية “فرض عقوبات إضافية على أنقرة”. ويبدو أن المقترح الذي عمل عليه غراهام وبومبيو هو من أجل تجنيب فرض عقوبات على أنقرة. ودعا بومبيو أنقرة لأن تعيد التفكير بقرارها.
لاقى المقترح سخرية الخبراء والمحللين في شؤون الأمن والدفاع في واشنطن. وفسر الطلب على أنه مجرد شراء الوقت لإقناع أنقرة أن تتخلى عن المنظومة الروسية وتعيدها إلى موسكو. ونقل موقع “Defence one” استغراب أندرو هانتر الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الذي علق على طلب السيناتور غراهام: “لا أفهم، كيف يشترونها ولا يشغلونها”.
ومع توتر الأجواء بخوص شراء المنظومة الروسية، ردت وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون” على إعلان تركيا تسلم أول أجزاء منظومة أس-400 في 19 تموز (يوليو) الجاري بوقف بيع طائرات اف-35 إلى تركيا.
وانعكس قرار البنتاغون إبعاد تركيا من برنامج اف -35 على سير المفاوضات حول “المنطقة الأمنية” في شرق الفرات والتي تمتد على الحدود التركية الجنوبية داخل الأراضي السورية.
وقال الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، إن تركيا مصممة على تدمير الممر الإرهابي شرق الفرات في سوريا، مهما كانت نتيجة المحادثات مع الولايات المتحدة حول إنشاء منطقة آمنة.
وصعّد وزيرا الدفاع والخارجية في خطابهما عزم تركيا شن هجوم عسكري بري في منطقة تل أبيض السورية. وقال وزير الخارجية التركي، جاووش أوغلو، في تصريحات للصحافيين في العاصمة أنقرة، إن الاقتراحات الأمريكية المتعلقة بالمنطقة الآمنة في شمال سوريا “لا ترضي تركيا”.
وأشار إلى عدم اتفاق البلدين “على عمق المنطقة الآمنة بسوريا، ولا على الجهة التي ستسيطر عليها، أو على إخراج وحدات حماية الشعب الكردية منها” وشدد على ضرورة التوصل إلى تفاهم بشأن المنطقة الآمنة في أقرب وقت، وحذر من أن صبر تركيا قد “نفد”. واتهم جاووش أوغلو أمريكا أنها تماطل من خلال المقترحات الجديدة. مشبها ما يحصل بتكرار ما حصل في خريطة طريق مدينة منبج.
وأصدرت واشنطن بيانا عقب انتهاء اجتماعات الممثل الخاص للتواصل بشأن سوريا والمبعوث الخاص للتحالف الدولي ضد “داعش” جيمس جيفري مع المسؤولين الأتراك في أنقرة على مدى ثلاثة أيام من 22 إلى 24 تموز (يوليو) الجاري. وحضر عن الجانب التركي كل من المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالين، ووزير الدفاع خلوصي آكار، ونائب وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط سيدات أونال.
وذكر البيان أن السفير جيمس جيفري قاد يوم الإثنين “وفدا مشتركاً من دوائر حكومية أمريكية وانضم إلى نظرائه الأتراك في اجتماع لمجموعة العمل رفيعة المستوى بشأن سوريا، وهو الاجتماع الخامس للمجموعة منذ تشكيلها الصيف الماضي”. وشهد اجتماع مجموعة العمل نقاشا عاما بشأن سوريا وشمال شرق البلاد على وجه التحديد، والتزم الطرفان بتحقيق تقدم سريع وملموس بشأن خريطة طريق منبج وناقشا اقتراحات مفصلة لتعزيز أمن تركيا على طول الحدود التركية في شمال شرق سوريا”.
ووصف البيان النقاشات الحاصلة أنها “صريحة وإيجابية ومثمرة وتواصل الولايات المتحدة وتركيا تبادل وجهات النظر بشأن بواعث القلق المشتركة في سوريا ونتطلع قدما لمواصلة هذه النقاشات، بما في ذلك من خلال المشاورات العسكرية بين الطرفين”.
وعلمت “القدس العربي” من مصدر مقرب من الفريق الأمريكي المفاوض في أنقرة أن “واشنطن اعترضت على أي تواجد تركي داخل المنطقة الأمنية بغض النظر عن عمقها” وأشار المصدر أن التقنيين العسكريين من خبراء البنتاغون أصروا على عدم دخول أي قوات من غير مقاتلي أبناء المنطقة وهؤلاء من سيعهد إليهم بحماية المنطقة وضمان عدم تواجد مقاتلي قسد”. ورفض الوفد الأمريكي مقترح أن يكون عمق المنطقة الأمنية أكثر من 5 كم. واعتبر الوفد أنها كافية لضمان الأمن القومي التركي وسلامة الجنود الأتراك قرب الحدود المشتركة.
على المستوى الاستراتيجي، من الواضح أن روسيا استطاعت شق صف ناتو لأول مرة منذ تأسيسه، من خلال إبعاد ثاني أكبر الدول في عضويته عن النادي الغربي الذي انضمت إليه تركيا عام 1952. بل أن التوتر الحاصل لا يشبه أول ممانعة تركية عام 2003 وقت رفض المشاركة في غزو العراق أو السماح باستخدام قاعدة انجيرليك الجوية قرب أضنة. أما اليوم فالمسألة تتعلق بأمن “حلف شمال الأطلسي كاملاً، بعد نصب المنظومة الروسية على الأراضي التركية. وهذا سيرتب على تركيا صعوبة في القدرات التبادلية العسكرية مع دول ناتو وسيحرمها من أي تعاون في معارك مستقبلية ضمن ناتو.
ويأتي الضخ الإعلامي التركي حول بدء معركة في شرق الفرات والاستعداد لها من أجل تخفيف النتائج المرتقبة من قبل واشنطن والتي من المتوقع أن تبدأ بفرض عقوبات على أنقرة في حال استمرارها بشراء المنظومة الروسية، ومن غير المتوقع أن يحصل تغير في معادلة أس-400 /إف-35 إلا أذا استطاع ترامب حسم الأمر من خلال تزويد تركيا بمنظومة باتريوت وإعادة اشراكها ببرنامج طائرات إف-35 مقابل وقف صفقة أس-400. لكن من المرجح أن هذا الأمر أصبح من الماضي كما عبر الرئيس التركي يوماً، وهذا ما سيعزل تركيا مع الوقت من قبل دول ناتو وبكل تأكيد سيؤثر على مصالحها الاستراتيجية في شرق الفرات بشكل قاطع.
في ظل التوتر الحاصل، تغفل دول ناتو أن تركيا منذ اسقاط الطائرة الروسية فوق الأراضي السورية في تشرين الثاني (نوفمبر) 2015 وتخلي ناتو عن تركيا أمام روسيا وما حصل بعدها في محاولة الانقلاب والضلوع الأمريكي فيه، بدأت تخرج بصمت من النادي الغربي لتبحث عن تحالفات جديدة في العالم الشرقي يحفظ لها بعض مصالحها خصوصا في سوريا، ويحفظ أمنها القومي وهو ما انعكس من خلال مناطق خفض التصعيد ومعركة “غصن الزيتون” و”درع الفرات” فيما لم تعط لها الولايات المتحدة ولو مكسبا صغيرا هناك في منبج على سبيل المثال لا الحصر. وتدرك أنقرة ان أي تغير في الموقف تجاه اغضاب روسيا والتخلي عن أس-400 ستدفع ثمنه خسارة ما كسبته في الشمال السوري وبهذا تخرج خالية الوفاض من سوريا في شرقها وغربها.
المصدر: القدس العربي