بشير البكر
بات مصير مدينة إدلب رهن المجهول، بعد العملية العسكرية الكبيرة التي شنّها الروس والإيرانيون والنظام السوري على ريفي حماة وإدلب، وكانت نتيجتها تحقيق تقدم ميداني للأطراف الثلاثة حتى حدود المدينة. وتكمن عقدة إدلب في أنها آخر المدن تحت سيطرة المعارضة المسلحة، وهي تشكل الملاذ الأخير لكل رافضي النظام السوري من مدنيين وعسكريين، حيث استقبلت، على مدار خمس سنوات، حوالي ثلاثة ملايين سوري قصدوها من المحافظات السورية التي تعرّضت للتهجير بسبب العمليات العسكرية التي شنها النظام والإيرانيون والروس بعد تدخل روسيا عسكريا في سبتمبر/ أيلول 2015.
ونظرا إلى انعدام الخيارات أمام النازحين من المدن الأخرى، أصبحت المدينة الملجأ الأخير لكل من قرّر الخروج من تحت سيطرة النظام، في ظل قناعة عامة بأنها لن تتعرّض لعمليات عسكرية من النظام، سيما أنها تحت ضمانة روسيا وتركيا وإيران. وعلى الرغم من أنها استقبلت نزوحا كبيرا من ريف حماة خلال السنة الأخيرة، فإن سكان المدينة يظنون حتى اليوم أنهم في منأىً عن المعارك الدائرة عند حدودها. ولكن هذا السكون الذي تمتعت به المدينة بات اليوم معرّضا للاهتزاز بعد انسحاب فصائل المعارضة من ريف حماة الشمالي، وانتقال خطوط جبهات القتال إلى ريف إدلب الجنوبي، وما يترتب على ذلك من تحولات في حال سيطرة النظام على الطريقين الدوليين: حلب – دمشق وحلب – اللاذقية. وهذا يترجم، من ناحية أخرى، عودة النظام إلى المدن الاستراتيجية في محافظة إدلب، وخصوصا خان شيخون التي باتت في حكم الساقطة بيد النظام يوم الثلاثاء، ومعرّة النعمان وسراقب وجسر الشغور التي باتت تترقّب الهجوم عليها. وهنا يجدر التنويه إلى أن عدد سكان هذه المدن أكثر من عدد سكان إدلب المدينة نفسها، والتي سوف تصبح ساقطة من الناحية الأمنية، إذا حاصرها النظام من ريفها.
وأخطر ما في الأمر اليوم أن أهل المنطقة لا يعرفون المصير الذي يتم تقريره لهم من جهة، ومن جهة ثانية أنهم تحولوا إلى ورقة لعب بين الأطراف الثلاثة الضامنة، تتم المساومة بهم وفق مزادات المصالح بين الأطراف المتصارعة على تبادل النفوذ داخل سورية. والملاحظ من الهجوم الشرس على ريف حماة أن روسيا وإيران وضعتا ثقلهما لحسم المعركة ضد المعارضة المسلحة التي كانت تحظى بدعم تركي مباشر، في المعارك السابقة التي خاضتها. وتشكل خسارة المعارضة هذه المعركة نقلة نوعية في مسار المواجهة المسلحة في هذه المنطقة. ومن دون شك، باتت الكفّة تميل لصالح النظام، ومن غير المعروف مستقبل الفصائل المعارضة العسكرية التي لن يكون في وسعها أن تخوض مواجهة لاحقةً ذات وزن مع النظام. وعليه، يمكن أن تقود النتائج إلى تفاهمات جديدة تقود إلى تطبيق اتفاق سوتشي بوصفه أمرا واقعا، الأمر الذي يفسّر إلى حد ما عدم تقدّم قوات النظام في ريف حماة الشمالي، على الرغم من أن الفصائل انسحبت منها، وعلى نحو خاص جيش العزّة الذي يتمركز في المنطقة منذ سنوات.
خسارة ورقة إدلب ليست خسارة للمعارضة السورية المسلحة فقط، بل هي خسارة لتركيا التي تقع محافظة إدلب في مرمى أمنها القومي، وستتشارك المعارضة وتركيا هذه الخسارة في الفترة المقبلة. وفي حين تفقد المعارضة فرصة الاشتباك مع النظام، وتخسر حاضنتها الشعبية، فإن الفاتورة التركية سوف تكون باهظة لجهة العدد الكبير من النازحين الذين سيتدفقون في حال اقتراب قوات النظام من مدن ريف إدلب. ومهما حاولت أنقرة إغلاق حدودها، فإنها سوف تتأثر بنزوح حوالي ثلاثة ملايين، حتى لو مكثوا في المناطق الحدودية. وفي الأحوال كافة، ومهما تعدّدت السيناريوهات، دخلت محافظة إدلب في المجهول.
المصدر: العربي الجديد