أحمد طرقجي
فقد السوريون 8 في المائة من محطات المياه الوظيفية خلال الأشهر الثلاثة الماضية في شمال غربي سوريا. وحسب آخر تحديث صدر من مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، فإن 29 شبكة مياه تعرضت للهجوم في ريف حماة الشمالي وجنوب إدلب، ما أجبر الأُسر على الاعتماد على نقل المياه بالشاحنات لتلبية احتياجاتهم اليومية.
عند توقف المعارك جنوب إدلب، ستحاول بعض العائلات العودة إلى مدنهم ومعرفة ما حدث لمنازلهم ومزارعهم. سوف يصابون بالصدمة من كمية الدمار، ولكنهم قد يجدون أيضا صعوبة في تأمين مياه للشرب.
لمدة 8 سنوات، تم استخدام المياه كأداة للحرب في سوريا وذهبت محاولات تحييد مصادر الشرب سدى. قُصفت مصادر المياه والمحطات بشكل متكرر وعُرقلت محاولات إصلاحها وتشغيلها. قُطعت الكهرباء لإيقاف محطات المياه عن العمل كتكتيك للحرب في كثير من الأحيان مما أعطى أمراء الحرب الفرصة لربح ملايين الدولارات من خلال بيع مياه الشرب في هذه البلدات المحرومة. تسبب تعطيل المحطات المائية في انتشار الأمراض التي يمكن الوقاية منها، ومنع استقرار المجتمعات المحلية بسبب قلة توافر مياه الشرب وصعوبة الحصول عليها، فقد الأهالي 8 في المائة من محطات المياه خلال الأشهر الثلاثة الماضية نتيجة للتصعيد العسكري الأخير في شمال غربي سوريا.
في عام 2011. فقدت العديد من المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة إمكانية الوصول إلى التقنيات اللازمة لمعالجة مياه الشرب وإمكانية الوصول إلى لقاح شلل الأطفال.
بعد عامين، وثقنا في حلب أول حالة لطفل مصاب بشلل حاد نتيجة إصابته بفيروس شلل الأطفال. شلل الأطفال هو فيروس ينتشر عن طريق المياه الملوثة، 5 في المائة من الأطفال المصابين بالفيروس تظهر عليهم أعراض الشلل، أما ٩٥ في المائة من الأطفال المصابين فلا تظهر عليهم أي أعراض ولكنهم يحملونه وينشرون المرض.
في غضون أشهر، تم توثيق انتشار فيروس شلل الأطفال في سوريا. تعرض ما لا يقل عن 88 طفلاً للإصابة بشلل دائم نتيجة حظر اللقاحات عن مناطقهم، وتم تهجير بعضهم عدة مرات من مدينة إلى أخرى قبل تأكيد التشخيص. وأثارت عودة ظهور الفيروس، الذي تم القضاء عليه سابقاً، قلق المجتمع الدولي وأكد على الحاجة إلى إدارة عملية إنسانية عبر الحدود وليس فقط من خلال الحكومة المركزية.
خوفاً من التفشي الواسع للفيروس في منطقة شرق المتوسط، مكّن التدخل الدولي القوي حملات التطعيم ضد شلل الأطفال من الوصول لجميع أنحاء سوريا. لسوء الحظ، لم يتم تضمين خطة موازية لتأمين مياه الشرب النظيفة، ومنع استخدام المياه كأداة للأطراف المتحاربة.
في عام 2015، أصبحت حلب مثالاً رئيسياً على تأثير النزاع على الأمن المائي. كانت المياه الموردة إلى حلب معرضة للخطر بشكل خاص لأنها تمر عبر أراضي خاضعة لسيطرة مجموعة من الأطراف المتحاربة.
سيطر «داعش» على أجزاء كثيرة من نهر الفرات بما في ذلك سيطرته على محطة المياه الرئيسية لمدينة حلب التي تسمى الخفسة. من الخفسة تتدفق المياه إلى محطة الضخ الرئيسية داخل المدينة، محطة سليمان الحلبي، التي كانت تسيطر عليها مجموعة مسلحة أخرى. من هناك، يتم نقل المياه إلى الأجزاء الشرقية والغربية من المدينة عبر المحطات الثانوية، ويتم التحكم في المحطات وخطوط الأنابيب الغربية بواسطة النظام.
قطع النظام الكهرباء عن منطقة الخفسة، ورد «داعش» بخفض تدفق المياه. في غضون أسابيع قليلة، أصابت الغارات الجوية السورية محطة الكهرباء المغذية لمحطة سليمان الحلبي مما تسبب في توقفها تماماً.
كان الوقود البديل لتشغيل محطة سليمان الحلبي باهظ التكلفة وأقل كفاءة وغير متوفر، مما أوقف قدرة المحطة على توفير المياه لعدة أسابيع. في وقت لاحق، استهدف القصف المدفعي عددا من أنابيب المياه، مما تسبب في تعطيل وتلوث المياه. سجلت «يونيسف» نحو عشرين حالة إضافية لقطع متعمد للمياه عن المدنيين في ٢٠١٥. نتيجة لذلك، فقد أكثر من مليوني حلبي إمكانية الحصول على مياه الشرب، وارتفع سعر مياه الشرب 10 أضعاف وقضت الكثير من العائلات أيامها في طوابير المياه.
لم تكن استجابة المنظمات الإنسانية قادرة على تلبية أكثر من 5 في المائة من احتياجات مياه الشرب في ذروة الأزمة. أصبحت المياه خامس أكبر فئة إنفاق من ميزانية المواطنين في شرق حلب وكانت المادة الأولى الأصعب تأمينا لثلث الأسر. أقل من ربع الحلبيين كانوا قادرين على الاستحمام أكثر من مرة واحدة في الأسبوع، ولم يكن الباقون محظوظين بنفس الدرجة. الوضع كان مشابها في الجزء الغربي من المدينة حسب روايات الأهالي الذين قضوا أياما في طوابير المياه.
تم حفر الآبار سابقاً في الجزء الشرقي من المدينة، حيث إن أكثر من 60 في المائة من السكان لم يستطيعوا الحصول على المياه البلدية بحلول منتصف عام 2014. وقد أدى الحفر غير المخطط له في الجزء الشرقي، ثم في الجزء الغربي من المدينة لاحقاً، إلى التأثير على المياه الجوفية بالمدينة وتلوث بعض مصادر المياه النظيفة. وثقت «وحدة تنسيق الدعم»، التي راقبت خدمات المياه في شمال سوريا بالتعاون مع المنظمات الدولية مستوى عاليا من النترات في المياه الجوفية، وهو مؤشر تلوث المياه، ووثقت ارتفاع عدد حالات الإسهال عند الأطفال.
لقد حاولت منظمتا «بناء» و«وحدة التنسيق» وغيرها من المنظمات غير الحكومية المعنية بهندسة المياه الاستجابة لهذه الأزمات. فقدموا الخبرة الفنية للمناطق المتأثرة وتشاركوا مع «يونيسف» وغيرها من وكالات المعونة الدولية لبناء وتشغيل محطات تنقية المياه. في عام 2016. أنشأت منظمة بناء وحدة تنقية كبيرة كانت كافية لخدمة 120.000 شخص في جنوب إدلب.
قامت المحطة بتحسين الاستفادة من 20 بئرا في تلك المنطقة وتقليل الحاجة إلى النقل بالشاحنات بالمياه.
معروف أن محطات تنقية المياه غالية الثمن وتشكل تحديا تقنيا وماليا لبنائها وتشغيلها في مناطق النزاع. لكن للمحطات قيمة كبيرة في تأمين مصادر المياه وتحقيق الاستقرار في المجتمعات المحلية، الآن ولعقود قادمة بعد انتهاء الحرب.
خلال الأشهر الثلاثة الماضية، تم رصد أكثر من 600000 حالة نزوح من ريف حماة الشمالي وجنوب إدلب. وتواجه المنظمات غير الحكومية المحلية تحديا هائلا حيث إن مصادر المياه محدودة في المنطقة بعد أن فقدت الوصول لبعض مصادر المياه في جنوب إدلب، وتوقفت ٨ في المائة من محطات المياه المحلية بسبب الاستهدافات الجوية المتكررة أو قطع مصادر التغذية. قبل بضعة أسابيع، دمرت غارة جوية محطة الضخ الرئيسية في جنوب إدلب التي تخدم أكثر من 120.000 شخص.
سيزيد الصيف الحار من شح المياه خلال الأشهر القليلة المقبلة. وعندما ستحاول بعض العائلات العودة إلى مدنهم ومعرفة ما حدث لمنازلهم ومزارعهم عند توقف المعارك، ستصاب هذه العائلات بالصدمة من كمية الدمار المُمنهج، ولكن مثل أهالي حلب، سيبحثون أولاً عن مياه للشرب.
تقع على عاتقنا مسؤولية الوقوف إلى جانب السوريين لمنع أي محاولة لاستخدام المياه كوسيلة حرب للضغط على المدنيين. ستكون المياه من أهم التحديات المستقبلية في سوريا ومن مسؤوليتنا أن نعمل الآن وفي المستقبل على تأمين مصادر المياه لأطفال سوريا.
المصدر: الشرق الاوسط