أمين العاصي
يترقب الشمال الغربي من سورية نتائج القمة التي ستجمع قادة تركيا وروسيا وإيران، في أنقرة في 16 سبتمبر/ أيلول الحالي، حيث من المرجح أن تكون القمة المنتظرة بمثابة فرصة، ربما تكون أخيرة، لتجنيب الشمال الغربي من سورية تصعيداً عسكرياً، قد يؤدي بالجانب التركي، في حال حدوثه على نطاق واسع، للعودة إلى سياسة الأبواب المفتوحة أمام تدفق اللاجئين إلى أوروبا لدفع الغرب لاتخاذ موقف ضاغط على الجانب الروسي لتثبيت الهدنة في محافظة إدلب ومحيطها.
ودخل وقف إطلاق النار يومه الثاني عشر، ولم يشهد خروقات على نطاق واسع، لكن تخللته عمليات قصف مدفعي من قبل قوات النظام. كما أن الطيران ضرب، للمرة الأولى، منذ بدء تطبيق الهدنة، منطقة في ريف إدلب الشمالي الغربي. وواصلت قوات النظام قصف مناطق في ريف إدلب بقذائف المدفعية، أمس الأربعاء، إذ استهدفت قرية الفطيرة، ومواقع في حزارين والشيخ مصطفى في ريف إدلب. وفي أول خرق من قبل القوات الروسية للهدنة التي أعلنت عنها موسكو، أواخر أغسطس/ آب الماضي، قتل مدني بقصف جوي روسي فجر الأربعاء على قرية في ريف إدلب الشمالي الغربي، في أول استهداف بالطائرات الحربية للمحافظة منذ إعلان الهدنة. وأعلن مصدر من الدفاع المدني، لـ”العربي الجديد”، أن نازحاً من بلدة أبو الضهور شرق إدلب قتل نتيجة القصف الروسي الذي استهدف بلدة الظهرة قرب مدينة دركوش شمال غربي إدلب، مشيراً إلى أن قصفاً مماثلاً طاول قرية كفرمارس قرب مدينة كفرتخاريم واقتصرت الأضرار على الماديات.
من جانبها، ذكرت صحيفة “الوطن” التابعة للنظام أن قوات الأخير لم تستخدم سلاح الجو مطلقاً في ردها على ما وصفته بـ”اعتداءات المجموعات الإرهابية” منذ السبت 31 أغسطس/ آب الماضي، التزاماً بقرار وقف إطلاق النار، مشيرة إلى أن قوات النظام “تعطي لتنظيم النصرة وحلفائه فرصة أخيرة لحل نفسه وتسليم مواقعه للجيش (قوات النظام) أو الحليف الروسي على مساري الطريقين الدوليين، حلب ــ دمشق وحلب ـ اللاذقية”. وأشارت إلى “أن وقف إطلاق النار لا يزال معمولاً به في منطقة خفض التصعيد”، لافتة إلى أنه “من المتوقع إعادة افتتاح معبر أبو الضهور في ريف إدلب الجنوبي، أمام المدنيين الراغبين في الخروج من مناطق سيطرة المجموعات الإرهابية إلى المناطق التي تقع تحت سيطرة الجيش العربي السوري”.
وفشلت كل جهود النظام في إقناع السوريين بالعودة إلى المناطق التي سيطر عليها أخيراً، إذ “يفضل النازحون المبيت في العراء وتحت أشجار الزيتون على العودة إلى مناطق النظام حيث ينتظرهم الانتقام المتوحش”، وفق نازح من ريف حماة الشمالي إلى ريف إدلب الشمالي. وأشار، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أنه “ليس من المتوقع عودة أحد إلا في حال انسحاب قوات النظام وكل من يرتبط به من المناطق التي سيطر عليها أخيراً”، مضيفاً “لا ثقة لنا بالمطلق بالنظام”. ويبدو الشمال الغربي من سورية مفتوحاً على كل الاحتمالات قبيل انعقاد القمة الثلاثية التي ستجمع رؤساء روسيا فلاديمير بوتين، وإيران حسن روحاني، وتركيا رجب طيب أردوغان، في أنقرة في 16 الشهر الحالي في إطار مسار أستانة.
ويتوقع القيادي السابق في الجيش السوري الحر المقدم سامر الصالح، في حديث مع “العربي الجديد”، قيام الروس والنظام والإيرانيين بعملية جديدة لـ”قضم المزيد من المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية وهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) في محافظة إدلب ومحيطها”. وحول أبعاد ومكان العملية المتوقعة، أشار الصالح إلى أن ريف حلب الغربي “ربما يكون مسرح العملية المقبلة للسيطرة على الطريق الدولي الذي يربط حلب بحماة”، مضيفاً أن “النظام يحشد في المنطقة، وهذا الأمر ليس خافياً (على أحد)”. كما لا يستبعد الصالح أن يضرب الروس بريف إدلب الغربي حيث لا تزال قوات النظام تحاول، منذ أكثر من 4 أشهر، السيطرة على تلة الكبينة في ريف اللاذقية الشمالي للعبور إلى مدينة جسر الشغور، لكن محاولاتها فشلت حتى اللحظة. ويتوقع الصالح بدء عمل عسكري من قبل الروس قبيل القمة الثلاثية، مضيفاً “لن يتوقف الروس عند حدّ معين”.
وقالت مصادر محلية، أمس الأربعاء، إن قوات النظام قصفت بالمدفعية الثقيلة منطقة الخضر في جبل الأكراد بريف اللاذقية. ومن دون السيطرة على الكبينة لا يمكن لقوات النظام التقدم باتجاه مدينة جسر الشغور الاستراتيجية التي لا تبعد كثيراً عن الحدود السورية التركية. وتعدّ جسر الشغور أبرز أهداف النظام لقلب معادلات الصراع لصالحه في شمال غربي سورية. وتعتبر تلة الكبينة أعلى قمة مطلة على جسر الشغور وسهل الغاب وبداما والناجية والشغر والجانودية وغيرها من المناطق، وصولاً إلى جبل الزاوية في محافظة إدلب. وسيطرة قوات النظام على التلة، وفق قيادي في الجيش السوري الحر، تعني رصد المنطقة نارياً، ومن ثم يصبح تقدّم هذه القوات إلى باقي المناطق أسهل، كونها ستقود المعارك من الأعلى إلى الأسفل. وتحوّلت تلة الكبينة إلى ثقب أسود ابتلع العشرات، وربما المئات، من عناصر قوات النظام والمليشيات المساندة لها، منذ أواخر إبريل/ نيسان الماضي، وحتى سريان الهدنة الراهنة. وجرت عادة النظام وحلفائه الروس والإيرانيين بالتصعيد العسكري قبيل أي قمة أو مفاوضات تتعلق بالملف السوري، في مسعى لرفع سقف المطالب من المعارضة السورية المسلحة، لذا من المتوقع أن يحاول النظام تحريك قواته، أو رفع وتيرة القصف الجوي أو المدفعي، قبيل القمة الثلاثية.
في هذه الأثناء، تستمر حالة النزوح من قرى ريف معرة النعمان في ريف إدلب الجنوبي، ومحيط الجبهات في ريف إدلب الشرقي باتجاه ريف حلب الغربي وريف إدلب الشمالي، تحسباً من تجدد المعارك في ظل تعثر المفاوضات التي تجرى بين روسيا وتركيا حول مصير مدينة خان شيخون وبلدات ريف حماة الشمالي، خصوصاً مورك التي أبقت تركيا فيها على نقطة المراقبة بالرغم من سيطرة قوات النظام السوري على المنطقة. إلى ذلك، وثّق فريق “منسقو استجابة سورية” مقتل أكثر من 1371 مدنياً، بينهم 371 طفلاً وطفلة، ودماراً هائلاً في البنى التحتية والأحياء السكنية قدرت بقيمة أولية بـ3.2 مليارات دولار، خلال الفترة الواقعة بين 2 فبراير/ شباط وحتى أواخر أغسطس الماضيين.
المصدر: العربي الجديد