ياسر الحسيني
قد يبدو للوهلة الأولى، أن روسيا بتدخلها العسكري في سورية منذ أربع سنوات وحتى اليوم، استطاعت أن تفرض رؤيتها في حلّ الصراع، وهو “الحسم العسكري”، بعكس تصريحات بوتين ووزير خارجيته لافروف، عن ضرورة السير في الحل السياسي، وأنهما يدفعان بهذا الاتجاه، وما تقوم به القوات الروسية من عمليات عسكرية في سورية، فهي ضد المجموعات “الإرهابية” فقط، ولكن الأمر يبدو أبعد من ذلك.
منذ البداية كانت الانتقادات الروسية موجّهة للتحالف الدولي الذي شكلته الولايات المتحدة الأميركية لمحاربة داعش، كما جاء على لسان لافرورف: “إن الولايات المتحدة لا تبدو جادة في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وإن طائرات التحالف لا تقصف المواقع الحيوية للتنظيم في كلّ من سورية والعراق، وهذا يدل على أن الأميركان لا يريدون القضاء على داعش، وأن لهم نوايا خفيّة”.
كان ذلك التصريح يمهّد لما بعده، حين خرج الرئيس الروسي معلناً أن روسيا قررت التحرك عسكرياً للقضاء على داعش وحماية النظام، وتنفيذاً لهذا القرار قامت الطائرات الروسية بتوجيه أولى ضرباتها الجوية في 30سبتمبر/ أيلول 2015، لتتحول سورية إلى ” حقل تجارب ” لكلّ أنواع الأسلحة الروسية، على حساب الدم السوري.
كانت حجة التدخل “محاربة الإرهاب “، ولكن واقع الأمر كان يكذّب ذلك، فقد جاء في تقرير لـ CNN لعام 2016 (أي بعد مرور سنة على تدخّل القوات الجوية الروسية): أكّد خبراء عسكريون أن عشرة بالمئة فقط من الغارات الجوية الروسية كانت تستهدف “داعش”، أما الغارات الرئيسية فقد كانت كلها ضد الفصائل المعارضة لنظام الأسد، وبات معروفاً للجميع أن الروس عندما كانوا يتحدثون عن الإرهاب والإرهابيين فإنهم يقصدون كلّ من يعارض النظام المجرم.
الروس يكذبون منذ البداية ولا يزالون حتى هذه اللحظة، بل وينقضون كلّ الاتفاقات والتفاهمات التي كانت تتم برعايتهم مع أطراف المعارضة المسلحة، حيث نكثوا بالمصالحات جميعها، وخرقوا وقوضوا كل الاتفاقات بما فيها اتفاق(سوتشي)، الذي تمّ مع تركيا بخصوص منطقة خفض التصعيد والمنطقة المنزوعة السلاح على أطراف إدلب وريف حماة الشمالي وريف حلب الغربي وريف اللاذقية الشرقي.
روسيا اليوم تنهي عامها الرابع بأعنف هجوم على إدلب وريف حماة الشمالي المشمولتين بالاتفاق مع الضامن التركي، مسببة نزوح مئات الآلاف من المدنيين بعد أن هدمت مدنهم وقراهم باتباع سياسة الأرض المحروقة، على غرار ما فعلته في غروزني (الشيشان).
لقد كانت “داعش” الذريعة التي اقتنصها بوتين ليُشَرْعن احتلاله لسورية، بدعوةً من بشار الأسد الذي قدم سورية جائزةً لكلّ من يساعده في القضاء على الثورة السورية، والبقاء في كرسي الحكم، مهما كانت التكلفة، وتكشفت الأطماع الاستعمارية الروسية في السنوات الأربع، من خلال العقود والاتفاقات الاقتصادية والثقافية، التي أبرمتها مع نظام بشار الأسد، وفرصة لبسط نفوذها في الشرق الأوسط، وتحقيق حلمها القديم بالوصول إلى المياه الدافئة.
لذا يتوجب على المجتمع السوري بكلّ أطيافه في الداخل والخارج، من المطالبين بإسقاط نظام الأسد، أو الموالين له، أن يَعَوا حقيقة الغزو الروسي وأبعاده، وأن التغلغل الاقتصادي والثقافي جاء مرافقاّ للتدخل العسكري والهيمنة السياسية.
في قطاع التعليم بدا واضحاّ سعي الروس إلى إدخال اللغة الروسية، والثقافة الروسية، إلى المجتمع السوري، وبإشراف بشار الأسد، الذي قدَّم قطعة أرض بدمشق كهدية للجمعية الامبراطورية الأرثوذكسية الفلسطينية، لإقامة أول مدرسة روسية في الشرق الأوسط، وسبق ذلك قيام وزارة التعليم العالي باستحداث قسم اللغة الروسية في كلية الآداب بدمشق، بالإضافة إلى إقرار اللغة الروسية في المرحلة الثانوية، كلغة اختيارية مع اللغة الفرنسية، رغم عدم توفر الكادر التدريسي لها، وهذا ما عبَّر عنه بشار الأسد، أثناء لقائه بنائب في البرلمان الروسي (ديمتري سابلين)، وطلب منه إنشاء مراكز لتعليم اللغة الروسية، لحل هذه المشكلة بحسب “سبوتنيك”.
هل تسقط مشاريع بوتين في سورية، ويسقط معها حلف ” الشرّ”؟ مثل كلّ المستعمرين الذين مرّوا على بلاد الشام، ولم يحصدوا سوى الخيبة والهزيمة، ولو بعد حين!!
المصدر: اشراق