ياسر الحسيني
كان إدراكنا منذ بداية الثورة التونسية عام 2010، أن رياح الثورة ستتمدد إلى سائر البلاد العربية، و لن تقف عند حدود (سايكس ـ بيكو) المصطنعة، و التي حاولت الأنظمة تكريسها و الدفاع عنها خدمة لمصالحها و مصالح المستعمر، الذي أوكل إليها مهمة قمع شعوبهم و نهب ثروات البلاد و نشر الجهل و الفساد، كي تبقى المنطقة العربية خارج المعادلة الدولية فاصلة لا دور لها ولا تأثير حتى في ساحتها الإقليمية.
ولم يكن ضرباً من التنجيم، أن التوقع يومها بأن ثورة الشعب التونسي ستتمدد إلى باقي الدول العربية و خاصةً (الجملكيات) منها، و ذلك وببساطةً شديدة ـ لأن كلّ عوامل الثورة كانت متوفرة و بشكلٍ فاقع في المجتمعات التي ترزح تحت سطوة أنظمة شمولية بوليسية، لم تكن متطلبات الشعوب في سلّم إهتماماتها…و هكذا توالت الثورات تباعاً من تونس إلى مصر فليبيا ثم اليمن و أخيراً و ليس آخراً في سوريا…كانت تلك هي موجة الربيع العربي الأولى التي تصدت لها قوى العالم الذي يدعي الديمقراطية.
وليس مفاجئاً أن يصاب الربيع العربي بكل هذه الإرتكاسات، التي لها أسبابها الموجبة يمكن تلخيصها بما يلي:
1ـ معظم الثورات اتسمت بالعفوية، و ضعف التنظيم.
2ـ تسلّق الأحزاب التقليدية و فرض ايديولوجياتها، مسببة بذلك تقسيم الشارع الثائر.
3ـ إختراق الثورات من قبل أجهزة الإستخبارات بغرض حرف مسارها و تشويهها.
4ـ الإنقلاب على الثورات بثورات مضادة (مصر ـ اليمن).
5ـ تدخل دول الغرب لإجهاضها (إستخباراتياً ـ عسكرياً) بشكل مباشر أو عن طريق وكلائها في المنطقة (سورية ـ اليمن).
لقد إستطاع الغرب أن يمتصّ الموجة الأولى من الربيع العربي ويوقف تمدّدها إلى باقي البلدان العربية، ولكن مؤقتاً، فإصرار وعناد الشعوب الثائرة وفي مقدمهم الشعب السوري الذي قدّم أكثر من مليون شهيد على مذبح الحرية، ومئات الآلاف من المعتقلين وملايين المهجرين (داخلاً ـ خارجاً)، ورغم ذلك لا يزال الشعب على إصراره ولم يتنازل عن مطالبه في نيل الحرية وإسقاط النظام، فكانت موضع إلهام على عكس ما أراده لها العالم المتوحش (بغربه وشرقه)، بأن تكون درساً قاسياً لباقي شعوب المنطقة.
ففي الوقت الذي بدأ فيه الحديث عن تحول الربيع العربي إلى “خريف”، بدأت الموجة الثانية منه في كلّ من السودان والجزائر، ولكن بشكل أكثر تنظيماً ووعياً، جعل الأمور تسير بشكل سلمي لإنتقال السلطة إلى الشعب ولم يتورط العسكريون في إراقة الدماء وقد شهدوا ماذا حلّ بسوريا وليبيا واليمن من دمار.
وها هي مصر اليوم تشهد بداية تحرك شعبي، ضّد حكم السيسي الذي أطاح بالديمقراطية الوليدة، وليعيد الشعب المصري ثانية تحت حكم العسكر، ولكنّه مثل كلّ الطغاة لا يقرأ حركة التاريخ جيداً، وأنّ عجلة التاريخ لا تعود إلى الوراء، وأن ما قام به شعب مصر العظيم في 25 يناير 2011، لن يدعه يذهب أدراج الرياح، وأن الموجة الثانية من الربيع العربي ستطيح بالسيسي والأسد والحوثيين.