عمار ديوب
اجتمع الرؤساء الثلاثة، الروسي بوتين والتركي أردوغان والإيراني روحاني، قبل أيام في إسطنبول، وأعلنوا، من ضمن مخرجات قمّتهم، عن تشكيل اللجنة الدستورية السورية، والتي عاد وأعلن عنها أمين عام الأمم المتحدة، وقد انتظرها السوريون نحو عامين. واللجنة هذه هي استكمال للسياسة الروسية المتهافتة، ضمن مسارات أستانة وسوتشي والمصالحات ومناطق خفض التصعيد الكاذبة؛ فوظيفة كل هذه المسارات شطب بيان جنيف1 وقرار مجلس الأمن 2254، واللذَين ينصان على تشكيل حكم انتقالي كامل الصلاحيات، من مهامه الإعلان عن تشكيل لجنة لصياغة دستور جديد للبلاد. اللجنة هذه شطبت، كما سلال دي ميستورا (المبعوث الأممي السابق) الأربع، الحكم الانتقالي والدستور والانتخابات ومكافحة الإرهاب.
علّة تأخير تشكيل اللجنة هي غياب التوافق على بعض الأسماء، وسببه الحقيقي رفض النظام لها وبغطاء روسي وإيراني، والغاية تمرير الوقت، وإنهاء المناطق الخارجة عن سيطرته، وفرض استسلام كامل على المعارضة، وهو ما حدث، مع إنهاء الغوطة ودرعا وحمص، وحصر الصراع في إدلب وشرقي الفرات. أما المعارضة فإن قبولها هذه اللجنة، ومن دون أي شروط، ومن دون أية آليات واضحة لعملها، يعني أنها وافقت على إعادة تأهيل النظام، وأن الأخير سيمحض الدستور الجديد أو المعدل، الشرعية أو يرفضه، وبذلك ينال هو الشرعية الدولية!
لم تلقَ خطوة تشكيل اللجنة أهمية كبيرة لدى السوريين بعامة، وإن خرجت مظاهرات رافضة لها، وكذلك رفضتها أغلبية المعارضة، وشكّكت في جدواها. ومصدر قوة اللجنة غياب مؤسسات للمعارضة قوية وفاعلة، وبالتالي تمثلت المعارضة في اللجنة، بضغطٍ تركي وبطموحات فردية لبعض أعضائها، بينما الموقف الصحيح للمعارضة كان رفض اللجنة أو الانسحاب منها، حيث لم نقرأ عن رؤية لها، ولا كيف ستعمل، وكيف ستقرّر مصير النظام دستورياً، وبالتالي ستعمل تحت إشراف النظام الحالي. والكلام عن رعاية الأمم المتحدة لاجتماعاتها، وأخذاً بمسبقات القرارات التي لم تنفذ “جنيف 1 و2254 وسواهما كثير” نقول إنه لا قيمة حقيقية للجنة ومخرجاتها، وهي لتمرير الوقت، ريثما تلتقي الأطراف الدولية، وتحديداً أميركا وروسيا؛ فالدولتان تسيطران على الأرض في سورية، ولا بد من تسويةٍ بينهما.
بموازاة تشكيل اللجنة، هناك تصعيد أميركي وأوروبي ضد النظام، واتهامه مجدّداً باستخدام السلاح الكيميائي ضد مدنيين، وضرورة تقديم مجرمي الحرب فيه للمحاكمة، وبالتالي وكأنّ الولايات المتحدة تردُّ على روسيا برفض مسار اللجنة، باعتبار الأخيرة هي الراعية للجنة الدستورية. إذاً لم تستفد روسيا من اللجنة كثيراً، ورفضتها أميركا وقطاعات كبرى من الشعب السوري والمعارضة كذلك، وهذا يعني أن حصر الصراع في منطقتين لا يؤدي إلى نتيجة مباشرة من أجل حل سياسي في سورية. ويمكن هنا قراءة عودة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) للظهور، ورقة جديدة لتهديد مناطق كل من روسيا وأميركا في آن، وذلك باعتبار “داعش” مخترقا من الأجهزة الاستخباراتية وتخدم أهدافها، وهذا يعني أن مساحة الخلاف بين الدولتين العظميين ما تزال كبيرة، وهي مأساة جديدة على مستقبل سورية وأهلها.
آلية التوافق على بنود الدستور إشكالية بحد ذاتها، أي يجب أن يوافق على أي بند فيه 113 عضوا أقله، حيث إن نسبة التوافق يجب أن تكون 70%، ولو أضفنا رفض النظام للجنة من أصله، فهذا يعني أنه سيُدخلها في ألف تفصيلٍ وتفصيل، ولن تُرى لها نتائج واقعية، كما فعل مع قرار مجلس الأمن 2254 أو سلال دي ميستورا وسواهما؛ ولو تفاءلنا بانعقادها، فكيف سيعثر على 113 عضوا، للموافقة على البنود المتعلقة بإلغاء صلاحيات الرئيس، أو بطبيعة نظام الحكم، وأن يصبح برلمانياً، وأن تكون الحكومة هي الأساس وليس الرئيس فيه.. هذه القضايا وغيرها تقول، بكل بساطة، لا قيمة حقيقية للجنة، وهي ورقة روسية وموجهة إلى أميركا وأوروبا.
روسيا التي تحالفت مع تركيا، وساعدتها الأخيرة في استرجاع معظم الأراضي السورية من يد المعارضة، وذلك قبالة تأييد روسيا لها في رفضها أيِّ شكلٍ من الحكم الذاتي للأكراد، أو توسيع صلاحيات إدارتهم الذاتية، وعلى الرغم من أنها تتحالف كذلك مع إيران وتنسّق مع إسرائيل، فإنها لم تستطع تمرير مسارات أستانة وسوتشي وخفض التصعيد، والآن اللجنة الدستورية، حيث يؤكد الأميركان والأوروبيون مرجعية جنيف 1 والقرار 2254؛ الكلام أعلاه، لأن إنهاء كارثية الوضع السوري لم يعد بيد السوريين، بل بيد الدول الإقليمية والدولية.
تجاهلت روسيا تفاقم الوضع السوري منذ عام 2011، حيث الثورة السورية بالنسبة لها مؤامرة أميركية وتهديد لسيادة الدولة السورية! وتصرُّ على أن الممكن هو إصلاح النظام السوري. سياساتها إزاء الوضع السوري، وكذا إشهار 12 فيتو ضد مشاريع قرارات أممية تدين النظام وتنصف الثورة نسبياً، يؤكدان أنها ضد إصلاح النظام أيضا. ولو أضيف أنها لم تعترف بأي أهدافٍ للثورة، ولا بأخطاء النظام، فإنها بذلك تعلن تمسّكها الكامل به، وعدم الموافقة على أي قرار دولي أو إقليمي يُحمّله المسؤولية الأكبر عما حدث في سورية، وبالتالي لن يكون مصير اللجنة بأكثر مما جاءت به مسارات أستانا وسوتشي وخفض التصعيد، أي محاولة تأهيل النظام مجدّداً. وتؤسس روسيا بذلك لفشل السوريين وسورية مستقبلاً، وليس، كما قيل، إنها الوحيدة التي من مصلحتها إيجاد حل للوضع السوري! حينما تَرفضُ إدانة النظام، ولا تُجبره على مسار سلال دي ميستورا ولن نتكلم عن “جنيف 1″، وحينما لا تُغلق ملف الاعتقال السياسي أو تفرض وقفاً لإطلاق النار في شمال سورية؛ هي بذلك شريك في مأساة سورية، ومقرّر تنفيذي في تدمير مستقبل هذا البلد، وليس حاضره وماضيه فقط.
تريد روسيا تأهيل النظام، ولكن ذلك لا يمكن أن يتم من دون إعادة الإعمار والتمويل الدولي والإقليمي، وهذا يدفعها إلى تشكيل اللجنة، كما ذكرت السطور السابقة، وربما دفعت النظام ذاته إلى الضغط على ناهبي الدولة وثروة السوريين أخيرا، وجمعَت منهم ملايين الدولارات، ولكن ذلك لن يساعد في تجميع أموال لإعادة الإعمار. بالكاد تكفي تلك الأموال لتسيير شؤون الدولة العامة، وإيفاء بعض الديون لروسيا المعاقَبة أوروبياً وأميركياً، هي وحليفتها إيران.
لم تنطلِ لعبة روسيا الجديدة على الأميركيين والأوروبيين، وليس من أموال أو إعادة الإعمار أو إعادة اللاجئين، والنظام السوري على حاله. إذاً لا خيار لروسيا، وقد فشلت مساراتها وستفشل اللجنة، إلّا بالعودة إلى “جنيف1” والقرار 2254، وهذا دونه ألف عقبة وعقبة. والأخطر هو غياب التوافقات الإقليمية والدولية على إيجاد تسوية للوضع السوري.
المصدر: العربي الجديد