أحمد مظهر سعدو
بعد الإعلان عن تشكيل اللجنة الدستورية، وما قيل عنها، وذاك المخاض العسير الذي رافق تشكيلها ليقرب من السنتين، ومن ثم الوقت المتوقع لوضع آلياتها الصعبة، ومن سيتخذ القرار في حال الاختلاف، علاوة على الحاجة والضرورة لإنجاز لجنة دستورية تحاول التوافق على صيغة دستور جديد لسورية، أو كما يريد النظام السوري مجرد تعديلات بسيطة لدستور وضعه هو عام 2012، كل ذلك وسواه وما يترافق مع إمكانية نجاحها في إنتاج دستور جديد لسورية؟ والاعتقاد بوجود توافق دولي لتكون اللجنة الدستورية معبرًا نحو الحل السياسي في سورية أم لا؟ وهل سيكون هذا الدستور مدخلًا جديًا للولوج في عملية الانتقال السياسي المفترضة حسب جنيف 1 والقرار الأممي رقم 2254. فقد ناقشت صحيفة (إشراق) هذه الجوانب مع بعض السوريين المختصين والمهتمين بالمسألة السورية ومآلاتها. علمًا أن غير بيدرسون نفسه وفي إحاطته الأخيرة قال ” دعوني أؤكد لكم جميعاً وللشعب السوري أنني على دراية تامة بأن اللجنة الدستورية وحدها لا يمكنها حل الأزمة. يجب أن ننظر إلى الحقائق، وأن نتعامل مع الأزمة بشكل أكثر شمولية وفقًا لما نص عليه قرار مجلس الأمن 2254. فالأزمة الإنسانية مستمرة في ادلب بوجه خاص، وفي مناطق أخرى من سورية. ادلب اليوم أكثر هدوءً مما كانت عليه قبل شهر، ولكن العنف مستمر وهناك تهديد دائم بأن تغرق إدلب أو غيرها من مناطق سورية في صراع شامل.”
يقول المحامي أمير إبراهيم تريسي لإشراق ” كتابة الدستور قرار دولي، هذا الأمر مفروغ منه لكن المشكلة تكمن في الآلية والقوانين التي سيصدر الدستور بموجبها وفي ظلها، وكذلك الجهة التي ستصدره وتلك التي ستتولى مهمة الرقابة والاشراف، وكذلك الجهة التي ستتولى مهمة البت بالطعون. والسؤال العريض الذي يطرح نفسه لجهة آلية الاستفتاء هل سيجري على الدستور جملة واحدة أم مادة مادة؟ هذه أمور جاءت مبهمة ولم يتم الاشارة إليها أو البحث فيها. الأمر الذي يشير مبدئيًا إلى أن الآليات المعتمدة في دستور ٢٠١٢ والقوانين الصادرة عن بشار الأسد هي الناظمة لعمل هذه اللجنة وإن بشار وبرلمانه وزبانيته هم المتحكمون بكل شيء وهم من يقرر أخيرًا، أي إن النظام السوري هو من سيحيل مشروع الدستور، وهو من سيجري الاستفتاء وتحت اشرافه، والحقيقة فإن إنهاء حالة التسلط والقمع هي المقدمة الحقيقية واللازمة لصياغة أي دستور. لأن الدستور الذي يكتب في ظل الاستبداد لا قيمة له”.
أما الأكاديمي الدكتور أحمد خليل الحمادي فأكد لصحيفة إشراق قائلاً ” بعد مشاورات ومفاوضات عسيرة ماراثونية طويلة وشاقة استغرقت أكثر من سنتين تم الاعلان عن تشكيل اللجنة الدستورية، وأهملت بقية السلال المعروفة بسلال ديمستورا المتفق عليها وفق مفاوضات جنيف. وتم تشكيل اللجنة الدستورية، وأصبحت أمرًا واقعًا ومشرعنة دوليًا، بغض النظر عن عدم شرعيتها الشعبية والثورية والوطنية، حيث تلوك أعضائها الألسنة بالانتقادات لعدم قناعة غالبية الحاضنة الثورية بجدواها، ولكونها نتاج نظام محاصصة مقيت، هو أبعد ما يكون عن المصلحة الوطنية الحقيقية لبناء سورية الغد، كدولة للوطن والمواطن والقانون. وعبر تشريح كيفية تكوينها نرى: أن النظام المجرم حشد واستنفر أبواقه وأذنابه بعد دراسات أمنية معمقة وانتدبهم كعسكر له لتنفيذ توجهاته ورؤاه وتطلعاته لرسمها في بنود ومواد وفصول وأبواب الدستور، بما يحافظ من خلاله على بقائه واستمراريته وكأنهم جماعة عسكرية بمرجعيته تنفذ ما تؤمر وتقوم بما يمليه عليها النظام، دون تهاون أو تقاعس. كيف لا وهم جنوده في هذه المعركة الدستورية”. وأضاف الحمادي ” أما بالنسبة لمن اختارتهم الأمم المتحدة ومبعوثها أو ما يسمى بممثلي المجتمع المدني، فلقد سقطوا علينا بالبارشوت دون أي إرادة من السوريين و لا يمتلكون أي رصيد شعبي ومرجعيتهم غير معروفة لنا، وقد يمثلون أي جهة كانت ولعلها من اختارتهم ولكنهم لا يمثلون الشعب السوري بمجموعه فهم من الرماديين غير المعروف وجههم من مؤخرتهم، وبالنسبة لحصة المعارضة ولا أقول هنا حصة الثورة فهي مهمشة ولا تمثيل لها ( وهناك فرق كبير وبون شاسع ما بين المعارضة والثورة لا مجال للخوض فيه هنا) فلقد حددت وصدرت بعد التوافق عليها ممن تسلقوا لقيادة المؤسسات والهيئات المعارضة الملصق فيها زورًا و بهتانًا تسمية الثورة، وحددت هذه الحصة (٥٠) وفقًا للمحاصصة ما بين تيارات وقوى المعارضة التي تتحكم بها مصالحها الانتهازية وتسلقها والمحسوبية والولاء للتيار والمنصة والجماعة لا للثورة ومصلحتها “. وأردف قائلًا ” لكي لا أظلم الشرفاء أقول قد توجد في اللجنة الدستورية شخصيات وازنة ومرموقة وذات كفاءة عالية من جميع الحصص، حصة النظام وحصة المعارضة حصة المجتمع المدني ولكن للأسف سيغرد كل منهم في نفس السياق العام للسرب المنتسب له وللمرجعية التي أفرزته كممثل لها ولعل أكثر حصة تعاني من الهشاشة وعدم الانضباط بمرجعية معينة هي حصة المعارضة، لكون التسلق والانتهازية والنفعية وتحقيق المصلحة الخاصة هي المتحكم بسلوكيات أفرادها، لذلك أستطيع القول بان هذه اللجنة الدستورية لا تمتلك الشرعية الشعبية والوطنية والثورية ولا تمتلك الارادة الشعبية للتغيير ولا تعبر عن إرادة الشعب السوري عمومًا بمكوناته كافة، الموالي والمعارض والثوري والرمادي، والسبب في ذلك كونها مفروضة فرضًا على الشعب السوري والحاضنة الثورية، وإذا ما سألنا أي مواطن سوري عن تمثيل اللجنة له سيجيب فورًا (لا تمثلني) وقد يسبقها بكلمة القذافي المشهورة ناعتًا اللجنة والأعضاء بها . على كل الأحوال بما أن اللجنة شكلت بصيغة فرض الأمر الواقع ودعيت للاجتماع وحدد موعد أول اجتماع أقول : سيعمل نظام الأسد على الاستمرار باستراتيجية الإغراق بالتفاصيل واستقطاع الوقت وهدره وسيعمل بغوغائييه في اللجنة على تعطيلها، وسيحاول إفشال أي كلمة أو بند أو مادة لا تتماشى مع تطلعاته وأهوائه ومصالحه، فهو لا يرضى إلا بدستور سيكون مفصلاً على مقاسه وقابل للتعديل في غضون بضع دقائق، وبالتالي لن يخرج عن هذه اللجنة ما يتوافق مع تضحيات شعبنا السوري المتعطش لحريته وكرامته والتي دفع ومازال الثمن الباهظ لتحقيقها فكان ثمنها دماء زكية لأكثر من مليون شهيد و أضعافهم جرحى وعدد هائل من المعتقلين ، فالبعض منهم يعتبرون اللجنة هي الخيار المتوفر حاليًا والأقل سوءً، ويعتبرون ذلك تجربة عليهم الخوض فيها لعلهم يقدمون شيئًا لشعبهم و وطنهم.” ثم قال ” الدستور الذي نتطلع إليه كسوريين وكشعب ساعي لبناء سورية الوطن والمواطن والقانون لا دولة المزرعة لن يتحقق ولن يكتب وإن كتب لن ينفذ ويفعل وتسير البلد وفق مفرداته وأحكامه، ما دام النظام يسيطر على القرار السياسي، ويتحكم بالحياة العامة السورية من خلال أذرعه الأمنية والعسكرية. مشكلتنا ليست في الدستور بل في نظام قاتل مجرم حول البلد لمزرعة له و لأزلامه ينهب خيراتها ويقمع شعبها وعندما تطلعنا لحريتنا وكرامتنا وعدم قبولنا استمراره على نفس النهج والتوجه المقرون بالظلم والتسلط والاستغلال والنهب لمقدرات بلدنا و ثرواته، مارس القتل الممنهج ولم يتوان عن استخدام الأسلحة المحرمة دوليًا، أسلحة الدمار الشامل ضدنا والحصار والتجويع والتدمير الممنهج والعشوائي فدمر البلد وأحالها لأطلال وقتل الشعب بكل وحشية وهجره عن وطنه، فكيف لمن مارس كل هذه الجرائم الموصوفة بالقانون الوطني والدولي أن يكون شريكًا في أي حلول تحقق أماني وأهداف الشعب السوري” . ثم انتهى إلى القول ” اللجنة الدستورية شكلت وأقرت في الأمم المتحدة والمفروض أن تكون كذلك، ولكن للأسف الشديد المجتمع الدولي لا يسعى لإيجاد أي حلول في سورية تحقن دماء الشعب السوري وتلجم القاتل المجرم عن مواصلة القتل، فلو كان هناك إرادة دولية حقيقة لكنا رأينا بشار الأسد وأعوانه في المحاكم الدولية وليس شريكًا في وضع الدساتير “.
الناشط السوري المهندس أحمد طه قال لإشراق ” انتاج دستور جديد يحتاج إلى ظروف غير متوفرة في الوقت الحالي، حيث أن القفز على تشكيل هيئة حكم انتقالي يتم كتابة الدستور بولايتها وتحت إشرافها هو أول شروط البيئة الآمنة لتشكيل الدستور، هذا من جانب، ومن جانب آخر كيف للجنة أن تتخذ قرارات وهي مكبلة بثلث معطل للنظام علاوة على ان التصويت فيها بنسبة 75% أي أن تمرير أي قرار يحتاج إلى 113 صوت أي اذا اتفقت المعارضة والمجتمع المدني، وهذا بعيد جدًا فإنهم سوف يحتاجون 13 صوت من جانب النظام، وهنا يأتي ملعب النظام الذي يتقنه جيدًا وهو اللعب على عامل الوقت والمماطلة حتى يصل إلى انتخابات 2021 حتى ولو كان هناك توافق دولي نحو حل سياسي في سورية، فإن تعنت النظام السوري ومن خلفه الاحتلال الروسي سيجعلان الحل روسيًا أكثر منه دوليًا وهذا لا يناسب تطلعات الشعب السوري ابدًا”. فهل ستعطي هذه اللجنة الدستورية أي أُكل مفيد لشعبنا السوري؟! هذه الأسئلة برسم المستقبل القادم وليس البعيد.
المصدر: صحيفة إشراق