د_ طلال مصطفى / د _ حسام السعد
ملخص الدراسة
أثرت الحرب الدائرة في سورية في الحياة اليومية، بتفاصيلها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية كافة، وانقسمت سورية -تبعًا للصراع العسكري الميداني- إلى مناطق تتبع كلّ منها لسلطات “أمر واقع”، تتباين من حيث الأيديولوجيا؛ فأصبحت هناك مناطق خاضعة لسيطرة نظام الأسد، ومناطق لسيطرة المعارضة بشقيها المعتدل أو الراديكالي، وأخرى لسيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، ومناطق لسيطرة قوات حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) الكردية.
وازدادت آثار الحرب تباعًا مع السنوات، وشملت شرائح المجتمع وفئاته كافة، وفرضت واقعًا جديدًا على أفراد المجتمع رجالًا ونساء، وتغيّرت كثير من الأدوار المرتبطة بفئات المجتمع، وبرزت أدوار مختلفة للمرأة بشكل خاص في هذه الحرب؛ حيث أدّت الحرب دورًا كبيرًا في تغيير القيم والمعايير الاجتماعية السائدة في المجتمع، استنادًا إلى الوضع السياسي والعسكري والاقتصادي السائد في كل منطقة، فتغيّرت معها كثير من أدوار المرأة في تلك المناطق.
انطلقت الدراسة الحالية من ضرورة الوقوف على التغيرات الطارئة على أدوار المرأة، بغية التعرّف إلى الأدوار الأسرية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية الجديدة لها خلال الحرب، في المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام.
ونُفّذت الدراسة في المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام، وقد حددت بـ (مناطق سيطرة المعارضة الراديكالية (النصرة وغيرها)، ومناطق سيطرة المعارضة في مناطق (درع الفرات)، ومناطق سيطرة قوات (PYD)، ومناطق سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). وحُدد المجال الزمني بالفترة الواقعة بين شهري أيلول/ سبتمبر وأوائل تشرين الأول/ أكتوبر 2019.
استُخدمت في هذه الدراسة طريقتان: الأولى دراسة الحالة، وشملت 200 امرأة، توزعت بالتساوي على المناطق الأربع؛ والثانية مجموعات الجلسة المركزة “البؤرية”، حيث تمّ تنفيذ ثلاث جلسات لمجموعات بلغ عدد المشاركات والمشاركين فيها 30 شخصية، من قادة الرأي والمهتمين والمعنيين بأمور كل منطقة بعينها. وقد خلصت الدراسة إلى جملة من النتائج المرتبطة بالتغيرات المختلفة التي طرأت على أدوار المرأة السورية، خلال الحرب، في المناطق التي تناولتها الدراسة.
ويمكن إيجاز نتائج الدراسة بما يأتي:
1- لم يحدث تغيير في طريقة زواج الفتيات في المناطق الأربع، مع التنبيه إلى وجود نازحين من مناطق أخرى أيضًا، كدمشق وحلب وحمص “وأريافها”. ويبدو أن ظروف الحرب عززت الزواج التقليدي، وأفرزت أشكالًا جديدة من الزواج، كزواج الأخ من زوجة أخيه بعد استشهاده، أو زواج أحد المقاتلين زوجة مقاتل زميل قُتل في الحرب.
2- ألقت ظروف الحرب بظلالها على المرأة السورية في أدوارها الأسرية والمجتمعية، حيث أفضت الحرب السورية إلى تحمل المرأة لأدوار مختلفة، شكلت بما يشبه العبء الثقيل عليها، كونها تغيرت بسبب متغير خارجي هو طبيعة الحرب المستمرة، أي أن هذا التغيّر لم يكن نتيجة تحول واعٍ في نسق المجتمعات المحلية.
3- بقي وضع المرأة على حاله، من حيث موقعها في الأسرة، على صعيد القرارات المتعلقة بتربية الأبناء ومتابعة شؤونهم، واستمر كما كان في مرحلة ما قبل الحرب. وكانت التغيرات تتبع لطبيعة البيئة المحلية، حيث يمكن أن تسمح بتغير مواقع المرأة في الأسرة والمجتمع أو لا تسمح بذلك. فقد أثقلت الحرب كاهل المرأة بمواقع جديدة في أداء الوظائف الأسرية، من دون أن يعني ذلك بالضرورة أن التحولات في التراتب أو الهيكلية الخاصة بها، ضمن سلّم الترتيب الأسري، قد طرأ عليها تغيير واضح.
4- تحمّلت المرأة مهمات أسرية ومجتمعية جديدة عليها، تمثلت بالنساء اللواتي أصبح أزواجهن في حكم العاطلين عن العمل، بسبب مرض أو نتيجة حادث في الحرب، أو النساء اللواتي قُتل أزواجهن أو اعتُقلوا، فضلًا عن أوضاع النساء المطلقات أو الفتيات اللواتي أُجبرن على الزواج في سن مبكرة.
5- لعب متغير الاستقرار والوضع الأمني دورًا كبيرًا في حرية الحركة والتنقل، بالنسبة إلى المرأة، في المناطق المدروسة.
6- كانت خيارات التعليم أمام المرأة متاحة دون عوائق أسرية أو مجتمعية، لكن مع صعوبات فرضتها طبيعة الوضع الأمني في المناطق، مع التنبيه إلى وجود مشكلات تتعلق ببنية وهيكلية التعليم والاعتراف بالشهادات.
7- انتعش سوق العمل بالنسبة إلى المرأة، وقت الحرب (إذا ما استثنينا النساء اللواتي كنّ تحت حكم تنظيم الدولة داعش). لكن هذا العمل اكتنفته عدة معوقات، منها المحسوبيات والوساطات وصعوبات التنقل نظرًا للأوضاع الأمنية، وفي بعض المناطق كانت هناك سيطرة لأفكار تتعلق بالفصل بين الجنسين.
9- كانت هناك مشاركات فعالة، لدى كثير من النساء، في ميدان التطوع بأشكاله كافة، بحسب ما يسمح به المجتمع المحلي من جهة، وتداعيات ظروف الحرب من جهة أخرى. وشملت نشاطات التطوّع مجالات كثيرة، بحسب المنطقة التي توجد فيها المرأة، ومنها: (ميدان الدعم نفسي وأنشطة الأطفال، مشاريع خدمية في القرى، كتمهيد طرقات وترميم مدارس، تعليم المنقطعين عن الدراسة، كفالات الأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة، التعليم في المخيمات، التطوع في مشافي ميدانية).
10- شاركت النساء في التظاهرات، وفي بعض الفعاليات المرتبطة بالحراك في المناطق المدروسة؛ لكن سيدات العيّنة أشرن إلى أمرين: صعوبة مشاركة المرأة في التظاهرات إلا بموافقة أهلها أو تقبّل نمط الأسرة للمشاركة، وانكفاء كثير من النساء عن الخروج في التظاهرات بعد اشتداد العنف من قبل النظام.
11- أخيرًا، يمكن تكثيف نتائج الدراسة الميدانية (دراسة الحالة والمجموعات البؤرية) بالقول إن هناك انخراطًا أكبر للمرأة في الحياة العامة، مقارنة بمرحلة ما قبل ثورة 2011، ولو كان بحكم الضرورة (مشاركة في التظاهرات، عمل إغاثي، عمل في المشافي الميدانية، المشاركة في أعمال قتالية، العمل في مهن جديدة، تحمل مسؤولية البيت كاملًا بسبب غياب الزوج لأسباب متعددة كالقتل، المشاركة بالحرب، الاعتقال، الاختفاء، التهجير القسري.. إلخ)، ويُعدّ ذلك أمرًا إيجابيًا في نموّ دور المرأة اجتماعيًا، على الرغم من الانتكاسة التي سببتها الفصائل الراديكالية، وهو في الوقت نفسه يؤسس لدور أكبر للمرأة اجتماعيًا واقتصاديًا، ويسهم ذلك في تغيير بنية الثقافة التقليدية الناظمة لأدوار المرأة في المجتمع السوري، ويكسر تابواتها المتعددة، وبالاستناد إلى ذلك؛ ستتمسك النسوة بهذه الأدوار الجديدة مستقبلًا.
المصدر: جيرون