منير الربيع
المراد من مشهد ليل الأحد – الإثنين على جسر الرينغ أن يكون نموذجاً، أو “بروفا” لما ينتظر اللبنانيين والمتظاهرين في حال استمرت التظاهرات، ولم يخرجوا من الشارع سريعاً. المشهد يندرج أيضاً ضمن الضغط السياسي والأمني الذي يمارسه حزب الله على القوى السياسية للقبول بشروطه لتشكيل الحكومة. وهذا ما بدأ يتحقق، وعلى نحو بعيد كل البعد عن مسار الانتفاضة الشعبية، التي لا تبدو حتى الآن في وارد التراجع أو التنازل أو الخوف.
الاختراق والسيطرة
لم يكن هؤلاء الذين اعتدوا على المتظاهرين ليتحركوا من دون قرار أو ضوء أخضر، وبغطاء تام، إذ لم يتم توقيف أحد منهم. في الاعتداءات السابقة التي نفذها هؤلاء، كانوا يقفون عند حدود جسر الرينغ لجهة الخندق الغميق، ويصلون إلى ساحتي الشهداء ورياض الصلح. ما حدث ليل الأحد، أنهم اجتاحوا شارع مونو والأشرفية والصيفي، في مؤشر سياسي أيضاً على أن استمرار التظاهرات والاعتصامات على حالها، سيقابلها اجتياحات مماثلة. ويبدو أن الحزب ومناصريه سيردون على المنتفضين بالتصعيد المتدرج.
ويأتي الاعتداء ضمن المحاولات المستمرة لاختراق الثورة، وتحويل وجهتها بما يتلاءم مع مصالح الحزب. وهو ترافق مع عمل الحزب على اختراق ساحات الاعتصام في وسط بيروت عبر عدد من الخيم لموالين له، لتقديم رؤيتهم حول “الحراك” وأهدافه وحدوده، والتحريض بالاتهامات على خصوم الحزب في الداخل والخارج، وتنزيه نفسه من كل قضايا الفساد وتعطيل الدولة والأزمة الاقتصادية. ولتحقيق ذلك، يسعى الحزب إلى إحياء الاصطفاف القديم بين 8 و14 آذار، عبر الإيحاء بأن المتظاهرين يتبعون لأطراف سياسية (القوات، المستقبل، الاشتراكي). لكن، مع فشل هذه المحاولات، يبدو أنه اضطر إلى استخدام العنف ليل الأحد، مرفقاً بالمزيد من حملات الاستفزاز التي أشاعها المعتدون، الذين هتفوا “شيعة..شيعة”، في مناطق الأشرفية والصيفي، وكأنهم يبتغون رداً مشابهاً من أبناء الطوائف الأخرى.
الابتزاز المتبادل
سياسياً، لا تزال الاتصالات جارية بهدف البحث عن تسوية تتلاءم مع حسابات الحزب، وفق شروطه الواضحة، أي تشكيل حكومة تكنو سياسية. وحسب المعلومات، فإن الحريري أصبح يؤيد لهذه الحكومة، وإن كان أبلغ الحزب برفض ترؤسها. الأمر الذي دفع المعنيين إلى إجراء جولة مشاورات للبحث عن شخصية يوافق عليها الحريري، ويمنحها الغطاء.
هنا تختلط التقديرات، فحزب الله والتيار الوطني الحرّ يعتبران أن الحريري يناور ويستثمر بالوقت ليعود هو رئيساً لحكومة بشروطه وإن اتصفت بالتوافقية. وتكشف مصادر متابعة أن عون كان قد حسم أمره قبل أيام بتكليف فؤاد مخزومي، رافضاً مناورات الحريري، وما وصفه رئيس الجمهورية “عمليات الابتزاز”. لكنّ الحزب فضّل التريث. وتؤكد مصادر أخرى أن الحريري لن يكون رئيساً للحكومة، والجميع أصبح على يقين من ذلك. وكانت هناك مفاوضات حول تكليف بهيج طبارة لتشكيل الحكومة، بالتفاهم مع الحريري، لكن المساعي فشلت، بسبب خلافات على الحصص (كالعادة). وتقول مصادر متابعة أن “بروفا” ليل الأحد قابلة للتجديد إذا ما استدعت الحاجة، كوسيلة لحزب الله في وجه كل القوى السياسية التي لا تزال تعارض توجهاته، وفي وجه المجتمع الدولي أيضاً. والحزب لن يتنازل، وقد يتدهور الوضع أمنياً إذا استمرت الاحتجاجات مترافقة مع الأزمة الاقتصادية والمالية. ويعتبر خصوم الحزب أن هذه الخطوات تهدف إلى تخويف اللبنانيين والمجتمع الدولي على مصير لبنان، فيجبرهم على البحث معه عن مخرج وتسوية. والحزب أصبح شبه متأكد من أن أي حكومة ستتشكل ستكون حكومة تكنوسياسية.
الاعتبارات الدولية وحسابات الناس
يستخدم حزب الله أوراقه بعد استحصاله على موقف أوروبي رافض لإخراجه من الحكومة، بخلاف الموقف الأميركي الذي يبدو متشدداً في تشكيل حكومة تكنوقراط لا يكون حزب الله شريكاً فيها. ولذلك يلجأ الحزب إلى تثبيت موقفه على الأرض وبالقوة، لتأكيد وجهة النظر التي يسوق لها الأوروبيون، لا سيما الفرنسيون والبريطانيون، وفحواها أن أي محاولة لاستبعاد الحزب من المعادلة الحكومية، ستؤدي إلى فوضى أمنية. وهذا الموقف عبّر عنه الموفد البريطاني ريتشارد مور خلال لقاءاته مع المسؤولين.
صحيح أن لا مبادرة دولية واضحة المعالم لحلّ الأزمة اللبنانية. ما يعني أن الجميع يراها معها أزمة مديدة. مع ذلك، تبقى هناك رهانات لدى القوى السياسية اللبنانية على أي خرق يمكن أن يتحقق من خلال المساعي الفرنسية والبريطانية، قد يدفع الأميركيين إلى التراجع عن شروطهم، ما يفتح الباب أمام تشكيل حكومة ترضي مختلف القوى وتتبنى ورقة إصلاحية.
يبقى أن حسابات الناس أصبحت مختلفة جذرياً، ولم تعد مقتصرة على شكل الحكومة، خصوصاً أن القوى السياسية لا تتعاطى بجدية مع مطالب الشارع، ولا شيء يضمن أن تلتزم الحكومة بتطبيق الخطوات الإصلاحية التي يطالب بها المتظاهرون، وسط نقاشات متطورة تدور بين المجموعات الفاعلة، حول وضع برنامج واضح المعالم، لا يقتصر فقط على تشكيل الحكومة، بل تشكيل مجلس رديف يشبه المجالس الانتقالية لمراقبة عمل هذه الحكومة وسائر المؤسسات، يضم اختصاصيين في الاقتصاد والإدارة والمال والأمن والقضاء.
المصدر: المدن