محمد عمر كرداس
بضغط من اللوبي الصهيوني والأكراد وبخلفية قرار مجلس النواب الأميركي بشأن الأرمن، واتهام تركيا بإبادتهم، استنكر عدد من أعضاء الكونغرس الأميركي استقبال ترامب لنظيره الرئيس رجب طيب اردوغان في البيت الأبيض يوم 13 / 11 /2019، فما كان من الرئيس ترامب إلا أن دعاهم لحضور اجتماعات البيت الأبيض مع الرئيس التركي ليناقشوه في المشاكل والملفات العالقة بين البلدين.
منذ نشوء العلاقة الاستراتيجية بين أميركا وتركيا، كانت محل شد وجذب بين دوائر القرار في البلدين، ولذلك سنحاول هنا ان نضع هذه العلاقات في سياقها الصحيح لأنها تواجه تحديات ضخمة، ومع أن الرئيس ترامب وصف لقاءه بالرئيس التركي بالرائع، إلا أن وراء الأكمة ما وراءها.
الملفات الساخنة بين الادارتين تتلخص بالعناوين الرئيسية التالية، بعضها حُل، وبعضها ما زال عالقًا ويسمح للمزاودات في الظهور على السطح:
1 _ مع أن مركز خدمة أبحاث الكونغرس وهو المركز الأول البحثي المتخصص أقر أن هناك مبالغة بالتأثيرات السلبية، فأول الملفات هو حصول تركيا على النظام الدفاعي الروسي المضاد للطيران المسمى (اس 400).
2_ ملفات السنوات الثلاث الماضية كانت هي الأقسى من مطالبة تركيا بتسليم غولن المتهم بالانقلاب الفاشل عام 2016 إلى اعتقال القس الأميركي المتهم بالتجسس لصالح أميركا وإقامة علاقات ممنوعة على الأجانب مع الأكراد، والذي أدى إلى تراجع العملة التركية بشكل حاد جراء العقوبات الأميركية.
3_ كما أدى وقف تزويد تركيا بمقاتلات (اف _35) وهي التي تُصنع أجزاء منها، ووقعت عقدًا بشراء أعداد منها، وأرسلت الطيارين للتدرب عليه، أدى ذلك إلى توجه تركيا نحو روسيا للتزود بالسوخوي الحديثة ذات المواصفات العالية والسعر الرخيص.
تعود العلاقات الاستراتيجية والتحالف ( وليس التبعية كالبلدان العربية) بين تركيا والولايات المتحدة إلى عام 1946 عندما أراد الاتحاد السوفياتي أن يشارك تركيا بإدارة المضائق البحرية الواصلة بين البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط، فأرسلت أميركا سفنها الحربية لدعم تركيا بمواجهة السوفيات، ومن وقتها أصبحت تركيا دولة مستقبلة للمساعدات الأميركية في مواجهة الاتحاد السوفياتي.
في عام 1952 دخلت تركيا حلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة وأنشأت أميركا 12 قاعدة عسكرية في تركيا لتشدد حصارها على الاتحاد السوفياتي ولتكون مرتكزًا للحلف من أجل الاطلالة على المناطق المشتعلة والتدخل فيها، كما شاركت تركيا بحلف آخر هو ما سمي بحلف بغداد الذي ضم إلى جانب الولايات المتحدة وبريطانيا كل من العراق الملكي وتركيا وإيران وباكستان والذي انتهى عمليًا بانتهاء الحكم الملكي في بغداد عام 1958 والذي حاول ضم سورية إليه في مواجهة الاتحاد السوفياتي. ولكن بعد سقوط الاتحاد السوفياتي تراجعت القواعد الأميركية إلى أربع قواعد.
توترت العلاقات التركية الأميركية عام 1974 بعد دخول تركيا للشمال القبرصي وفرضت أميركا حظرًا لتوريد الأسلحة إلى تركيا استمر حتى عام1978. وعام 2003 منعت تركيا أميركا من استعمال قواعدها في تركيا لغزو العراق.
في اجتماع هذا الشهر فُتحت ملفات متعددة من قضية الأرمن إلى تسليح الأكراد في الشمال السوري من قبل أميركا مع أنهم مصنفين إرهابيين في تركيا وفي أميركا أيضًا. الإدارة التركية لا تتوقع إنهاء ملف تسليح الأكراد قريبًا، أما بالنسبة لملف الأرمن التي اقترح مجلس النواب فرض عقوبات على تركيا ورفضها مجلس الشيوخ، فقد صرح الرئيس التركي أن هذا الملف من اختصاص علماء التاريخ وليس السياسيين، وأن جميع الوثائق التركية بهذا الشأن متاحة لمن يرغب بالبحث، وخصوصًا الفرنسيين الذين يحملون الملف ويتجاهلون ملفاتهم للإبادة في مستعمراتهم في أفريقيا وآسيا، وخصوصًا الجزائر وفيتنام.
وفي نفس اجتماع 13 / 11 بشر ترامب الرئيس التركي بأنه سيعمل على رفع التبدل التجاري بين البلدين إلى أربعة أضعاف أي إلى 100 مليار دولار.
لعل موقع تركيا الجغرافي الاستراتيجي بين القارات ( آسيا الصغرى ) يجعلها ملتقى مصالح الشرق والغرب، ولو أن أهميتها اختلفت بعد زوال الاتحاد السوفياتي، إلا أنها مازالت مهمة لوقوعها بمنطقة، مشتعلة من إيران لأفغانستان والعراق وسورية وغيرها، ومنطقة تجاربة بين مجموعة الدول المستقلة عن الاتحاد السوفياتي، ولكونها تقع في جزء هام من طريق الحرير البري بين الصين وأوربا إذ عبر أول قطار من الصين إلى أوربا عبر نفق تركي تحت البحر.
تركيا نقطة مصالح مشتركة بين الشرق والغرب، لذلك رفضت أوربا العقوبات الأميركية على تركيا، وتزداد المصالح اتساعًا بين تركيا من جهة والصين وروسيا من جهة أخرى. فاقتصاد تركيا قائم على الصناعة والتجارة لفقرها في مصادر الطاقة. إنها قوة إقليمية هامة أيضًا ولها ثقلها التاريخي والسياسي، ومكانة إقليمية مرموقة، وهي قطب من أقطاب الشرق، وتربطها علاقاتها بمسلمي الصين وروسيا ورابطة الدول المسلمة، الناطقة بالتركية، وعلاقاتها التجارية المهمة هي مع أوربا وليس أميركا. وخلال العقدين الماضيين أدارت تركيا سياسات خارجية أكثر استقلالية، ظهرت خلالها خلافات وتعارضات وتجاذبات، لكن من دون قطيعة.
المصدر: اشراق