أحمد مظهر سعدو
بينما يحتفي العالم بعد أيام قليلة بذكرى الإعلان العالمي لحقوق الانسان، الذي أعلن في باريس 10 كانون الأول/ ديسمبر 1948 بموجب القرار 217، يواصل الطاغوت الروسي ومن معه من أدوات البطش والقتل من النظام السوري والإيراني وميليشياتهما الطائفية، العدوان على المدنيين في إدلب وما حولها، في عملية انتهاك صارخ وواضح لكل ما جاء به الإعلان العالمي المشار إليه، وليبقى التغني به مجرد كذبة كبرى، لا تثمن ولا تغني من جوع.
يستمر القصف الهمجي من طائرات النظام والروس أيضًا، ليطال كل المشافي الميدانية وغير الميدانية، والمدارس ورياض الأطفال، والمساجد، وكل البنية التحتية، ومن ثم ليتم تهجير ما تبقى من سكان، يُفترض أنهم آمنين في بيوتهم ومنازلهم، من كل قرى جبل الزاوية، وكل أهالي مدينة أبي العلاء المعري، معرة النعمان هذه المدينة التاريخية، التي باتت خاوية على عروشها، بعد موجة القصف والمحرقة التي تتبعها أدوات القتل والتدمير الروسية السورية.
عمليات التهجير القسري باتت سياسة واضحة المعالم، وهوية فاضحة لآلة القتل الأسدية، لإفراغ المدن والقرى في الريف الادلبي من سكانه، وتدمير كل ما علا الأرض، وهو ما أكده فريق منسقو الاستجابة حيث يوثق نزوح 2147 عائلة “11812نسمة” خلال الأربع وعشرين ساعة الماضية من ريف إدلب الجنوبي فقط، حيث موجة التهجير متواصلة فصولًا، وتمارس بشكل يومي منذ أشهر خمسة وحتى اليوم، في وقت باتت فيه هذه الصور مجرد أخبار لا تحرك ساكنًا لدى العالم المتحضر، المدعي حمايته لحقوق الانسان، وكأن قتل السوريين وتهجيرهم، خارج نطاق البشر وحقوق الانسان، أو أن الإعلان العالمي لحقوق الانسان استثني منه السوريين.
ضمن هذه المقتلة المنفلتة من عقالها، يرى البعض أن هناك تفاهمات إقليمية ودولية، تحت الطاولة تريد تطبيق اتفاق سوتشي الخاص بإدلب، عبر العنف والقتل والقصف، وأن عدم تطبيق مسألتين مهمتين فيه، وهما فتح الطريقين الدوليين 4 m وm5 ، علاوة على بند القضاء على (الإرهاب) هو ما تريد تطبيقه روسيا اليوم، حتى لو كان على حساب آلاف المدنيين الذين يقضون موتًا تحت الدمار، والجزء الكبير منهم من الأطفال الذين ولدوا في المخيمات، التي تقصف فوق رؤوسهم، ويغادرون الحياة بلا سبب، سوى ذنبهم الوحيد وهو أنهم ولدوا ضمن الحاضنة الشعبية للثورة السورية ثورة الحرية والكرامة.
التهجير بالآلاف الذي يجري للسوريين في إدلب، أصبح مشكلة إنسانية بحق، تستحق من العرب أولًا ومن العالم الذي يدعي الاحتفاء بحقوق (الحيوان) والانسان أيضًا، الالتفات قليلاً إليه، في وقت باتت فيه أشجار الزيتون التي كان يلتحف بها السوري المهجر، لم تعد تصلح مع برد الشتاء ومطره وثلجه، وليس من مغيث، وليس من يقف معهم على الأقل من أجل تأمين خيمة، حتى أضحى السوري يُؤثر البقاء في قريته ومنزله، ليموت مع أطفاله، بدلاً من الموت في أجواء البرد القارس، حيث يهجر إلى الشمال بلا أي سقف يؤويه.
وإذا كان تفاهم (سوتشي) قد آل إلى ما نحن فيه، ولم يعد بالإمكان إيقاف الهمجية الأسدية الروسية الإيرانية، وأن الوصول إلى الطريقين الدوليين المشار اليهما، لا مناص منه، فلتتوقف الحرب، ولتحل المسألة سلميًا، بدلًا من سقوط آلاف القتلى من المدنيين الذين يُضحى بهم، عبر تفاهمات لا يعرف أحد إلى أين تسير، وضمن أية رؤيا، وأي سياق، أو نفعية براغماتية.
الشعب السوري المنكوب في إدلب ، لم يعد قادرًا على الاحتمال أكثر، والموت القادم إليه وعملية إيقافه عاجلًا غير آجل، مسؤولية الجميع من عرب ومسلمين ، من دول كانت تدعي أنها صديقة للشعب السوري، ومن الدول الفاعلة والضامنة للمسألة السورية، إذ لا يجوز وبكل المعايير الدولية التخلي عن 4 ملايين إنسان سوري مدني يعيشون في إدلب وريفها، تحت أي دعوى وضمن أية سياقات، ومن الصحيح أن الشعب السوري لا يجب أن ينتظر تلك الدول التي لا يهمها إلا مصالحها، إلا أن المسؤولية القيمية والأخلاقية مازالت تُخيم فوق رؤوس الجميع وعوا ذلك أم لم يعوه، شاءوا أم أبو.
المصدر: المدار نت