وائل عصام
مع تمرير قانون «سيزر» الذي سيمنح الإدارة الأمريكية صلاحيات لرفع وتشديد العقوبات على دمشق، أثار رفض النائبتين الأمريكيتين المسلمتين، الصومالية إلهان عمر والفلسطينية رشيدة طليب، أثار انتقادات واسعة في صفوف الناشطين والوسط السياسي العربي والسوري، وحظي تمرير القانون باهتمام وترقب المعارضة السورية، التي تنظر له فرصة لإضعاف النظام كـ»الغريق الذي يتعلق بقشة».
لكن موقف النائبتين رشيدة وإلهان ظل غامضا، خصوصا مع قلة اطلاع معظم الناشطين العرب على طبيعة نظام تمرير القوانين في الكونغرس، وبحسب عدة توضيحات حصلنا عليها من زملاء عرب مختصين بالشأن الأمريكي، وبعد متابعة المواقع المختصة التي وضحت تفاصيل التصويت الأخير، فقد تبين أن القانون تم تمريره ضمن حزمة قوانين، كما جرت العادة في الكونغرس، وكان قانون «سيزر» هامشيا في تلك الحزمة، بينما القانون الرئيسي المراد تمريره هو قانون تمويل الدفاع الوطني، الذي يقترب من التريليون دولار، وفيه تفاصيل بنحو 3000 صفحة، وهو القانون الذي دفع النائبتين المسلمتين لرفض حزمة القوانين، التي من بينها قانون «سيزر». ولعل النقطة الأخرى التي أوضحها أحد الزملاء في الولايات المتحدة، هي أن قانون «سيزر» عرض سابقا على الكونغرس، وصوتت عليه النائبتان المسلمتان، إلهان عمر ورشيدة طليب، بالموافقة، لكن لم يجر إقراره حينها، بسبب تفاصيل بيروقراطية تتعلق بوجوب تطابق نسختي البرلمان ومجلس الشيوخ الأمريكي قبل توقيعه من الرئيس، وهو ما لم يحصل في الجولة التصويتية الأولى.
ومن الملاحظ أن من ضمن الذين صوتوا ضد حزمة القوانين الاخيرة، بما فيها قانون «سيزر»، إلى جانب رشيدة وإلهان، النائب اليوت أنجل أيضا، وهو من أشد مؤيدي قانون «سيزر»، لذلك فالتصويت كان في الحقيقة يمس حزمة قوانين وليس قانونا واحدا فقط. طبعا هناك عدة ملاحظات على تصريحات النائبتين المسلمتين، خصوصا في ما يتعلق بميولهما التي توصف باليسارية حينا وبالمؤيدة لما يعرف بمعسكر «الممانعة» بقيادة إيران حاليا، فمثلا كان موقفهما في فنزويلا معارضا لسياسات ترامب بإرسال 5 آلاف جندي، ولكن في المقابل لهما تصريحات واضحة بدعم الشعب السوري، فقد غردت إلهان عمر قبل شهور بدعم «الثوار السوريين ضد نظام الأسد الديكتاتوري» داعية لتشكيل حكومة حرة في سوريا .اللافت هنا، هو التأمل غير المنقطع من قبل المعارضة السورية بقانون عقوبات أمريكي جديد ضد الأسد، يفرض عقوبات عليه لانتهاكه حياة المدنيين، على الرغم من أن عدد المدنيين الذين قتلهم الأسد حتى اليوم يتجاوز المئة ألف، وعدد المهجرين خارج سوريا يقترب من السبعة ملايين، فيكاد يسأل احدهم قائلا: وهل حمت العقوبات السابقة المدنيين في مناطق المعارضة لكي يحميهم قانون سيزر؟ فالعقوبات الأمريكية على سوريا وحليفتها إيران مضى عليها سنوات طويلة، وإضافة للعقوبات الصارمة الأمريكية ضد إيران، فإن النظام السوري تعرض لأولى العقوبات الامريكية عام 1979، حينما تم اعتبار سوريا دولة داعمة للإرهاب وفرضت عليها عقوبات بموجب قانون المساعدة الأمنية الدولية، وضبط تصدير الأسلحة، الذي تم إقراره في منتصف السبعينيات، لمنع المساعدات عن الدول الداعمة للإرهاب.
تلتها عقوبات عام 2004، عقب الاحتلال الأمريكي للعراق، حيث قانون «محاسبة سوريا وإعادة السيادة اللبنانية» ، وتم تجميد الأصول السورية الحكومية في أمريكا، ثم جاءت عقوبات 2011، بعد الثورة السورية، التي حدت من تصدير النفط السوري والفوسفات، وشملت المصرف المركزي والتجاري، كذلك فرض المجلس الأوروبي عقوبات في العام نفسه، طالت المصارف الحكومية، لكنها كانت أخف وطأة من العقوبات الأمريكية، لذلك تبقى العقوبات الأمريكية محدودة التأثير، حتى إن بعض المحللين يرون أن ضعف الاقتصاد السوري وانهيار العملة لن يهدد سطوة النظام، ويبدو هذا الرأي جدير بالتأمل، خصوصا أن حليفة النظام، إيران، تعاني أشد العقوبات منذ سنوات طويلة، وفي المقابل، كانت الملاءة المالية في أعلى درجاتها لخصومهما في الدول الغنية نفطيا، خصوصا السعودية، ومع ذلك فإن خريطة توزيع النفوذ والصراع بين محور إيران وخصومه في المشرق، لا يبدو أنها ترتبط أبدا بمدى صلابة الوضع الاقتصادي، أو الثروة المالية.
وبالنظر لمحصلة العلاقة بين أمريكا وبعض الدول التي كانت تعتمد على حمايتها، يتضح أن الرياض مثلا، لم تعد تحظى بأي مظلة حماية حقيقية من الإدارة الامريكية، رغم آلاف المليارات التي دفعتها في عقود تسليح ودعم للاقتصاد الأمريكي، وفي المقابل ورغم العقوبات الصارمة على طهران، فإن هجوما واحدا على المرافئ النفطية شرق السعودية، أعاد التذكير بالفشل أمام الحوثيين في اليمن، رغم فارق الإمكانيات الاقتصادية، وهذا ما راكم الأمثلة بأن نزاعات كهذه لا تحسمها القدرة المالية والاقتصادية، فقط، وإنما هي مجرد عامل لا تثمر وحدها، ولا يجدي نفعا مع حلفاء واشنطن الذين يصفهم ترامب بأنهم «لا يملكون سوى المال»!.
المصدر: القدس العربي