د- زكريا ملاحفجي
يقول المثل الفارسي: “الابن العاق كالثؤلل في وجه أبيه، إذا تركه فهو عاهة وإذا انتزعه تألم”.
هذا هو حال إيران اليوم التي تعيش بين التأثير والإرغام الدولي، وبين الثورة الشعبية التي بدأت تتحرك تصاعدياً ضدها سواء داخل إيران أو في الاقليم حولها، حيث أماكن أذرع إيران في المنطقة وهي الثؤلل في المثل الفارسي الذي يُسيئ لإيران ولا تستطع التخلص منه، فهذا منطق قادة إيران، وفكرة الثورة وتصدير الثورة ، واليوم لا مكان في العالم لتصدير ثورة لأي مكان وقد أنشأت إيران هذه الأذرع مع بداية الثورة الخمينية والأطماع التوسعية الإمبراطورية في المنطقة، وكما وصّف كسينجر بأن لإيران حالة الدولة الرسمية التي تلتزم بالبروتوكول وحالة اللا دولة عبر المليشيات التي تتبع لها بشكل مباشر أو غير مباشر لتصدير الثورة الإيرانية والسيطرة والنفوذ.
ورغم حساسية المنطقة التي تُنشئ فيها إيران حالة اللا دولة أو الحالة الميلشوية وأحياناً تكون داخل دولة لها شرعية دولية كحالة الحوثي في اليمن، وحزب الله في لبنان، وفي أكثر من منطقة حساسية في العالم وفي قلب العالم في الشرق الأوسط.
أبناء إيران من المليشيات التي أوغلت في دماء هذه الشعوب مقابل تلك الأطماع، كما هو الحال في سورية واليمن أو التهديد لمنطقة الجزيرة العربية عبر صواريخ إجرامية عبثية تطلقها تلك المليشيات التي هي في إطار اللا دولة وتتبع بشكل مباشر لإيران.
وتأتي اليوم العقوبات الدولية وعلى رأسها الأميركية والانتفاضات الشعبية لترغم إيران على الرجوع والخضوع وسحب الأذرع والتوقف عن دعمها وقد أصبح أغلبها مصنفًا على لائحة الإرهاب كالحرس الثوري الإيراني وحزب الله وغيرها.
الإرغام صورة من صور المواجهة الذكية التي تجمع بين القوى الصلبة والقوى الناعمة
لكن تتركز على العقوبات والحظر الاقتصادي والأعمال الأمنية ودعم المعارضات الإيرانية اللا عنفية لتضيق ذرعاً بهذا، وتصاعد هذا الإرغام يومًا بعد يوم للوصول إلى حافة الهاوية
وبعض الأوربيين قد لا يرغب بالتصعيد المباشر ضد إيران والحفاظ على اتفاقية لوزان وقد طلبوا أن تمتثل إيران لمجموعة العمل المالي العالمية faft، فقالت مجموعة العمل المالي “فاتف” الهيئة الرقابية العالمية لمكافحة غسل الأموال، إنها أمهلت إيران حتى فبراير(شباط) 2020 للامتثال لتشديد قوانينها لمكافحة غسل الأموال، وتمويل الإرهاب.
وهذا يعني أن أمام إيران خيارين إما أن تستمر بما هي فيه فتصل لحافة الهاوية وربما الهاوية بعدها، وذلك جراء التصاعد الشعبي المستمر داخلياً وخارجياً ضد إيران وأذرعها.
أو تقوم بمنع تمويل كل المليشيات التابعة لها من الحوثي في اليمن إلى الحرس الثوري في سورية والعراق إلى حزب الله.
زعماء إيران منقسمون حول الامتثال لقواعد “فاتف”. ويقول مؤيدون، إن الامتثال قد يسهل التجارة الخارجية مع أوروبا وآسيا، في الوقت الذي تستهدف فيه عقوبات أميركية اقتصاد البلاد لعزله. وإيران أمام إرغام لم تشهده منذ (الثورة الخمينية) والدولة التي تسعى للتدخل بدول الجوار وخلق مليشيات هنا وهناك وتصرف عليهم أرقام كبيرة على حساب التنمية المجتمعية وتطور البلاد علمياً واقتصادياً، فبدلًا من أن تشهد البلاد حالة ازدهار، فإنها تشهد حالة بطالة كبيرة وأموال الشعب وطاقته الشبابية تصرف في حروب عبثية في المنطقة لتواجه تحرر الشعوب المظلومة من قبل الأنظمة المرتبطة بإيران بشكل أو بآخر وتسعى للتحرر والنهوض.
أذرع إيران المتوحشة التي تقمع حراك الشعوب باتت مكشوفة ومفضوحة، وما أعتقده أن إيران سوف تواجه حالة إقليمية شعبية مختلفة عن السابق، وسوف تطول طويلاً طالما هذا النظام واستراتيجيته مستمرة، وفي العموم فالشعوب لا تحقد على بعضها، لكنها تحقد على أنظمتها. وفي الوقت ذاته تكسب تركيا وبعض دول المنطقة من الدول العربية احترام الشعوب لها، وذلك عبر مساندة قضايا هذه الشعوب ودعمها السياسي وتقديم العون الإنساني الذي يضمد جراح كانت قد نكأتها أذرع إيران في المنطقة، فذاكرة الشعوب ستبقى حية أمام من جرحها أو داواها، ولهذا ستبقى إيران تحت الإرغام.
المصدر: اشراق