الوليد يحيى
بعد سبع سنوات على التهجير من مخيم اليرموك، يعيش فلسطينيو سوريا اليوم، أوضاعاً صعبة مركّبة، فإضافة إلى كونهم لاجئين في التصنيف الاعتباري والقانوني لهم منذ تهجيرهم عن فلسطين سنة 1948، بات معظمهم اليوم إمّا لاجئين نازحين داخل الأراضي السوريّة، أو لاجئين مهجّرين إما قسريّاً بشكل مباشر كحال من هجّروا بالقوافل إلى الشمال السوري بموجب فروض التسويات بين النظام السوري والمعارضة المسلحّة التي شهدتها كثير من المناطق، أو بفعل ظروف الحرب من قصف وحصار لبعض المخيّمات، والتجنيد الإجباري والملاحقات الأمنية من قبل النظام، والتي دفعتهم مكرهين لخيار الهجرة إلى دول الجوار ودول اللجوء الأوروبي.
داخل سوريا يعيش اليوم وفق أرقام تقريبية غير رسمية نحو 440 ألف لاجئ فلسطيني من أصل 560 ألفاً مسجّلين لدى الوكالة قبل العام 2011، فيما تعرّض نحو 120 ألفاً للتهجير خارج البلاد.
تصنف وكالة ” أونروا” نحو 126 ألفاً من اللاجئين الفلسطينيين داخل سوريا على أنّهم “ضعفاء للغاية” فيما تعرّض قرابة 60% من إجمالي عددهم إلى النزوح الداخلي لأكثر من مرّة وفق أرقام صادرة عن الوكالة التي تشير أيضاً إلى حاجة 95% من عموم اللاجئين إلى مساعدات مستمّرة.
وضمن دائرة الأكثر ضعفاً، يتموضع بشكل خاص أبناء مخيّمات اليرموك بجنوب دمشق، ودرعا، وحندرات في حلب، وفق ما تشير متابعاتنا الصحفيّة لأحوالهم، وذلك لكونهم قد فقدوا جلّ ما أسسوه طوال عقود لجوئهم داخل مخيّماتهم من منازل ومصادر رزق، وكافة مقومات حياتهم الماديّة والمعنويّة، جراء التدمير الذي تعرّضت له مخيّماتهم بفعل القصف الجوي والصاروخي من قبل النظام السوري، فألحق نسب دمار راوحت بين 70% و90%، ما حوّلهم إلى نازحين مضطّرين لدفع إيجارات منازل في ظل شحّ الموارد الماليّة، وتفشي البطالة وغلاء الأسعار.
مخيمات جديدة في شمال سوريا
في الشمال السوري، تشير متابعاتنا إلى قرابة 1400 عائلة هجّرت قسريّاً من مخيمات اليرموك وخان الشيح وحندرات ودرعا، تعيش في مخيّمات التهجير في مناطق ” دير بلّوط- أعزاز- عفرين وسواها” في الشمال السوري، يعانون كسواهم من المهجّرين أوضاعاً إنسانيّة وإيوائيّة مزريّة، ويعتمدون في معيشتهم على معونات شحيحة تقدّمها الهيئات الإغاثية العاملة في الشمال، في حين لا يتلقّون أي مساعدات من وكالة “أونروا” المسؤولة عن غوث اللاجئين الفلسطينيين، كما أنّهم محرومون من خدماتها التعليمية والصحيّة.
وتشير متابعاتنا، إلى أنّ معظم الأطفال من أبناء اللاجئين المهجّرين في الشمال السوري، محرومون من التعليم، حيث لا يتوفر أمامهم سوى بعض المبادرات التعليمية في مخيم دير بلّوط، والتي لا يتلقى فيها التلميذ سوى التعليم الابتدائي داخل خيام خصصت لهذا الأمر، وتفتقر لمقومات العملية التعليمية ومستلزماتها، بينما يعجز معظم التلاميذ والطلّاب عن إكمال مسيرتهم التعليمية، نظراً لبعد المدارس عن مخيّمات التهجير وانعدام المواصلات، وضعف القدرة الماديّة عن نقل أماكن السكن إلى المدن والبلدات القريبة.
أوضاع صعبة معقدة في بلدان الجوار
قصد آلاف من فلسطينيي سوريا منذ عام 2011، دول الجوار بطرق شرعية وغير شرعيّة، إلّا أنّ الوضع القانوني والاعتباري لكونهم لاجئين يحملون وثيقة سفر، جعل أوضاع المهجّرين خارج سوريا شديدة التعقيد، نظراً لعدم اعتراف معظم الدول بوثيقة السفر، ما أغلق أمامهم كافة الخيارات، وجعلهم يرضخون لأمر واقع في دول تمكّنوا من الوصول إليها، أو باحثين عن هجرة غير شرعية إلى أوروبا، وما يترتب عليها من مخاطر وموت، كما حرمهم وضعهم المركّب كلاجئين مهجّرين، من الإقامات القانونية في دول الجوار “لبنان والأردن وتركيا” الأمر الذي حرمهم من حقوقهم في الطبابة والتعليم والعمل، ويعرّضهم بشكل يومي لمخاطر الإعادة القسريّة إلى سوريا.
في لبنان، قصد نحو 35 ألف لاجئ فلسطيني مهجّر من سوريا لبنان، منذ عام 2011، وتناقصت أعدادهم لسلوك كثيرين منهم طرق الهجرة نحو أوروبا، وصدور تعليمات من قبل الأمن العام اللبناني تمنع إصدار تأشيرات دخول لحملة وثيقة السفر، ليستقر عددهم اليوم على نحو 27 ألف، يعيشون أوضاعاً قانونية هشّة، ومعيشيّة شبه معدمة، لا سيما في ظل حرمانهم من حق العمل وفق القوانين اللبنانية، ما جعل جلّ اعتمادهم على المعونات المالية التي تقدمها وكالة “أونروا” شهريّاً، والتي تبلغ 100 دولار كبدل إيجار لكل عائلة 27 دولارا كبدل طعام، وهي مبالغ ذات قيمة متدنيّة مقارنة بغلاء المعيشة في لبنان وارتفاع ايجارات المنازل، كما يعانون غياب التغطيّة الصحيّة وأي نوع من أنواع الضمان الاجتماعي.
وتعاني شريحة منهم أوضاعاً قانونية هشّة، جرّاء اضطرارهم للدخول إلى لبنان خلسة، بعد صدور قرارات عام 2013 تمنع دخول اللاجئين الفلسطينيين الذين يحملون وثائق سفر إلى لبنان، ما يجعل هذه الشريحة تتوخّى الحذر في تحرّكاتها أو يبقيها حبيسة في مخيّمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان التي لها وضع خاصّ من حيث عدم خضوعها لسلطة الأمن اللبناني، وسجّلت العديد من حالات الاعتقال للاجئين فلسطينيين مهجّرين من سوريا على أبواب تلك المخيّمات خصوصاً مخيّم عين الحلوة، لعدم حيازتهم أوراقاً قانونية، كما يعيش أولئك اللاجئين حالة قلق مزمنة، من مغبّة إعادتهم القسريّة إلى سوريا، نظراً لكون معظمهم قد فقدوا منازلهم ومصادر رزقهم في مخيّمات اليرموك وسواها، كما أنّ معظمهم شبّان مطلوبون للخدمة العسكريّة الإجباريّة في صفوف “جيش التحرير الفلسطيني”.
وكذلك الحال بالنسبة للاجئين الفلسطينيين الذين قصدوا المملكة الأردنيّة، حيث تمكّن منذ عام 2011، نحو 18 ألف لاجئ فلسطيني سوري من دخول الأردن بشكل غير شرعي، نظراً لمنع السلطات الأردنية دخول حملة وثيقة السفر بشكل قانوني، يعيش معظمهم على معونات وكالة أونروا، كما يعانون رفض السلطات الأردنية تسوية أوضاعهم القانونية ومنحهم الإقامات، ما يحرمهم من العمل وتلقي الخدمات الصحيّة والتعليمية.
أمّا في تركيا، فيبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين السوريين هناك، حوالي 2400 عائلة فلسطينية مسجلة، وموزعة على كل الأراضي التركية في الوسط والجنوب، يعاني أكثر من نصفهم جرّاء عدم منحهم وثيقة الإقامة ” الكملك” لدخولهم البلاد بطريقة غير شرعيّة، ما يحرمهم من أبسط حقوقهم كتسجيل أبنائهم في المدارس أو الحصول على الاستشفاء الحكومي، كما يعرّضهم إلى مخاطر الترحيل القسري إلى الشمال السوري.
وتشكل تركيّا اليوم، المقصد الأبرز للاجئين الفلسطينيين سواء المهجّرين في الشمال السوري والباحثين عن مهرب من حياة الخيام وبؤسها، أم النازحين داخل الأراضي السوريّة الذين يكابدون فقراً وحرماناً ومخاطر أمنيّة واحتمالات السوق إلى الخدمة الإلزاميّة، في وقت تواصل تركيا منع دخول حملة وثيقة السفر الخاصة باللاجئين إلى أراضيها بشكل نظامي، ما يدفعهم لسلك طرق التهريب الخطرة، والتي سجّلت العديد من حالات الوفيات على دروبها، كما يعاني من يصل إلى تركيا حرمانا من الإقامة كما ذكرنا، ويتعرّض إلى احتمالات إلقاء القبض والإعادة القسرية إلى مناطق سيطرة المعارضة المسلّحة في الشمال السوري، وقد سجّلت في هذا الإطار عشرات من عمليات الترحيل طالت لاجئين فلسطينيين في تركيا إلى جانب لاجئين سوريين.
دمار واسع ولا إعادة إعمار
وتعد مخيّمات اليرموك ودرعا وحندرات، مخيّمات مدمّرة ومنكوبة، بنسب دمار راوحت بين 70% و90%، ومنذ انتهاء العمليات العسكريّة في تلك المخيّمات ومحيطها، لم تشهد أي تحرّك باتجاه إعادة إعمارها.
فمخّيّم حندرات على سبيل المثال، انتهت العمليات العسكرية في قلبه ومحيطه في سبتمبر 2016، ومضت نحو 4 سنوات، ولم يشهد أي عمليّة إعادة تأهيل لأي من مبانيه أو بناه الخدميّة، حتّى وكالة ” أونروا” لم تقم بأي عمليّة ترميم لمدارسها ومنشآتها، لاعتباره منطقة غير آمنة لا تخلوا من مخلّفات الحرب، وفق ما أفادت الوكالة، في حين يواصل معظم سكّانه البالغ عددهم 8 آلاف نسمة، حياة النزوح، بينما من عادوا إليه لا تتجاوز أعدادهم 70 عائلة ما تزال منازلهم صالحة للعيش نوعا ما، وسط فقدان كامل للخدمات من ماء وكهرباء.
حال مخّيّم حندرات، بات يعطي نموذجاً واضحاً لأبناء المخيّمات الأخرى المنكوبة، عن عدم مصداقيّة وعود إعادة الإعمار التي أطلقتها جهات رسميّة في النظام السوري وفصائلية فلسطينية، حول إعادة إعمار المخيّمات المدمّرة كمخيّم اليرموك ودرعا، ما بات يشكّل بالنسبة لهم قلقا وجوديا حول مصير مخيّماتهم، بما تمثّله بالنسبة لهم إلى جانب كونها مواطن مقتضيات عيشهم التي أسسوها منذ تهجيرهم من فلسطين، أيضاً هي شواهد ماديّة على نكبتهم، ورمز لحالتهم كلاجئين مُعرّفين وفق القانون الدولي، ومراكز لحفظ هويتهم وقيمهم الوطنية الفلسطينية المطلوب حفظها كجزء من حفظ القضيّة وحق العودة.
عاصمة الشتات المدمرة
وفي هذا الإطار، يعتبر مخيّم اليرموك الحالة الأكثر وضوحاً بالنسبة للمعاني التي جرى ذكرها، إذ يعتبره اللاجئون الفلسطينيون، عاصمة للشتات الفلسطيني، وهو الأكبر من حيث المساحة وعدد السكّان، وهو من المخيّمات التي دمّرت بشكل كامل، ويعتبر اليوم منطقة عسكريّة مغلقة، يُمنع دخولها إلّا وفق تصريح من قبل فرع فلسطين، محدود بمدّة زمنية لا تتجاوز الساعة، لغرض تفقّد المنازل المدمّرة بغالبيتها، أمّا التي لم يطلها الدمار بشكل كامل، فيمنع على أصحابها العودة إليها وترميمها ولو على نفقتهم الخاصة.
وما يثير قلق أهالي مخيّم اليرموك حول مخيّمهم، هو ما يجري الحديث عنه حول مخطط تنظيمي، يُسقط عن المخيّم اسم مخيّم، ويعتبره حيّاً من أحياء العاصمة سيجري دمجه ضمن مشاريع تنظيمية جديدة، لحد الآن هي ضبابية من حيث حفظ ملكيات اللاجئين الفلسطينيين، وحفظ حالة المخيّم كمخيّم للاجئين الفلسطينيين، وما عزز القلق في هذا السياق، حل اللجنة المحليّة لمخيّم اليرموك وإحالة صلاحياته إلى محافظة دمشق في ديسمبر 2018.
النزوح والتهجير وحق العودة
يعتبر السؤال حول الحقوق الوطنية الفلسطينية وفي مقدّمتها حق العودة، من أكثر الأسئلة إثارة للجدل اليوم، وهي من الهواجس الكبيرة التي يهجس بها فلسطينيو سوريا، فتدمير مخيّمات كبرى في سوريا، والضبابية حول مصيرها كما توضّح حول مخيّم اليرموك وسواه، وفقدان اللاجئين الفلسطينيين ما راكموه طوال عقود لجوئهم في سوريا في إطار تعزيز حالة التكتّل الفلسطيني وحفظ الهوية الوطنيّة، وإبراز حالة مخيّماتهم كنماذج مصغّرة عن فلسطين في أسماء الأزقة والحارات، والأنشطة والفعاليات والمراكز الثقافية التي عجّت بها، وتعزيزها كشواهد على النكبة الفلسطينية، بات مبعث قلق شديد حول مصير هذه الكتلة الكبيرة من فلسطينيي الشتات.
فواقع التهجير والنزوح، أذاب الخصوصية الفلسطينية، ودمّر البنية المعنوية لمجتمع اللاجئين، وحوّلها إلى بنية مفككة، يبحث عناصرها عن الهجرة ومقتضيات الأمان المعيشي سواء داخل البلاد أم خارجها.
ولعلّ الشريحة التي تمكّنت من الوصول إلى أوروبا، ويقدّر عددها بين 70 و80 ألف لاجئ، تتعرض لأكبر حجم من الاستلاب الهوياتي، نظراً لاعتبارها في وثائق اللجوء الأوروبيّة ” بلا وطن” وبالتالي يسلبها تعريفها الجديد هويتها الفلسطينية.
المصدر: بروكار برس