شارك إعلاميون سوريون في تركيا بجلسة حوارية يوم 12 تشرين ثاني / نوفمبر 2017، أقيمت في مدينة عينتاب، حول دراسة (الجمهور) التي تم تنفيذها في الداخل السوري، بدعم من الاتحاد الأوروبي واليونسكو، ومؤسسات أوربية أخرى، خلال الفترة بين أيلول/ سبتمبر 2015 وشباط/ فبراير 2016 حيث شملت الدراسة العديد من المحافظات السورية، سواء التي كانت تحت سيطرة النظام السوري، أو تلك التي تسيطر عليها المعارضة، وقد قامت مؤسسة Free Press Unlimited الهولندية وبالتعاون مع مؤسسات أوروبية أخرى بإجراء هذه الدراسة المسحية حول الجمهور المستمع، أو القارئ، أو المشاهد لوسائل الإعلام السوري عام 2016، وقد لاقت هذه الدراسة بعض الانتقادات والملاحظات من قبل وسائل الإعلام السورية والمؤسسات الأوروبية الداعمة، مما دعا إلى مزيد من النقاش والتقييم حولها من قبل مختصين إعلامين لتشريح الدراسة سلبًا أم إيجابًا، فكانت هذه الجلسة التي أشرنا اليها.
الدكتور فيليب مدانات أدار دفة النقاش، من خلال تنظيم هذا الاجتماع البحثي المعمّق. وقد أكد لإشراق كرأي شخصي حول الدراسة قائلًا” أعتقد أن المشهد السياسي السوري متغير بسرعة، وعليه فإن هذه الدراسات يجب أن تراعي ذلك في منهجيتها، الأمر الذي أكد عليه بعض الزملاء أيضًا. وهذا لا ينفي أهمية الدراسة ومثيلاتها نظرًا لشحها”.
والواقع أن دراسة (الجمهور) عمل بحثي ميداني، يتناول رأي الجمهور السوري وتقييمه لوسائل الاعلام التي يتابعها سواء المسموعة، أم المقروءة أم المشاهدة، خروجًا باستنتاجات وصلت إليها الدراسة، حسب الاستبيان الموزع على بعض شرائح المجتمع السوري، ضمن بعض المحافظات مشروع البحث. وثبت من خلال الدراسة أن هناك حاجة للتأكد من أن الجهود المبذولة من أجل دخول المشهد الإعلامي في سورية مركّزة في الاتجاه الصحيح حتى تحسِّن المؤسسات الإعلامية من استهداف أنشطتها وتحديد الفرص الممكنة، وحتى تحسِّن الأطراف الفاعلة من توجيه وقياس جهودها، وحتى يتاح للعاملين في المجال الإنساني الوصول إلى السكان وتمكينهم بشكل أفضل. ويشكل البحث الخطوة الأولى في هذه العملية. حتى يكون من الممكن أن يستند على الأرض فهو يهدف إلى وضع صورة يمكن الاعتماد عليها لما يحدث من تطوير وسائل الإعلام في المستقبل إلى حقائق استخدام وسائل الإعلام في سورية المستقبل، وإلى مستوى الثقة الذي يتمتع به الشعب السوري في قنواته الإعلامية، والغرض من الدراسة هو توفير الأدوات اللازمة للمشاركة المطلعة في المشهد الإعلامي السوري، وهناك دراسة أخرى أجريت حديثًا، أكدت أنه كان هناك 343 منظمة إعلامية نشطة في سورية منذ عام 2011، والكثير منها مغلق منذ ذلك الحين. وتشكل حقائق ساحة المعركة، وسحب دعم الجهات المانحة الدولية والتدهور العام في البيئة التشغيلية، جميعها، عوامل مسبّبة لحالات الإغلاق هذه، وعلى الرغم من هذه الصعوبات، بُذلت جهود كثيرة للمساهمة في تطوير وسائل إعلام حرة وهامة، والتي تمثل في صدارة هذا الدعم. GFMD وهي جهة مضادة لهيمنة قنوات الدعاية. وقد كان أعضاء المنتدى العالمي لتطوير الإعلام قد ساهم جنبًا إلى جنب مع المؤسسات الإعلامية السورية الناشئة بشكل كبير في إضفاء الطابع المهني على العاملين في مجال الإعلام وتطوير القدرات التنظيمية. ومع ذلك، تعرقلت الجهود نتيجة قلة توفر البحوث حول شرائح الجمهور السوري، والقنوات الإعلامية، وتأثير المؤسسات الإعلامية السورية. وفي حالة عدم وجود بيانات أفضل، تم تصميم التدخلات على أساس الدراسات على نطاق صغير، والعيّنات غير المكتملة،
والافتراضات على أساس الخبرات في أماكن أخرى من العالم. وقد عملت الدراسة (بين أيدينا) على اعتبار البحث الإعلامي الصحيح أساسًا جوهريًا أيضًا لتطوير أي منظمة إعلامية ترغب في الحصول على التمويل من مبيعات الإعلانات. وقد ثبت أن جذب المصادر التجارية أصبح صعبًا للغاية حتى بالنسبة إلى وسائل الإعلام الأكثر نجاحًا، وذلك بسبب عدم قدرتها على إثبات أي تأثير أو حصة في السوق السوري. وبالتالي فإن عدم وجود بحوث، يُعرقل قدرات المنظمات على أن تصبح أطرافًا فاعلة مستدامة ماليًا. ويتمتع الحصول على بيانات أبحاث موثوقة حول شرائح الجمهور السوري بتأثير محتمل يتخطّى مسألة تلبية احتياجات وسائل الإعلام والمؤسسات المعنية بالتطوير الإعلامي. كما يمكن أيضًا أن تشكل أداة استراتيجية مهمة للعاملين والمنظمات في المجال الإنساني التي تحتاج إلى تقديم معلومات هامة إلى السكان السوريين، الذين هم في حاجة كبيرة إلى التمكين والدعم. ومن خلال معرفة كل من قنوات الاتصال المتاحة، والمجتمعات التي يمكن الوصول إليها أو لا، واحتياجات هذه المجتمعات فيما خص المعلومات، يستطيع عندئذٍ المعنيون بالتطوير الإعلامي والمنظمات المتخصصة أن يتأكدوا من حسن استخدام الموارد وتوزيعها الصحيح على قنوات التواصل ووسائل الإعلام.
ويتضح أن البحث قد واجه بعض القيود، أولها كان الوضع الأمني في بعض المناطق الأكثر خطورة. والمسألة الثانية كانت التعطل الفني في تطبيق جمع البيانات. حيث الخطة الأولية استخدام تطبيق الهاتف المحمول لجمع البيانات عبر الهواتف المحمولة، والتي تقوم بالإرسال رقميًا إلى خادم آمن يمكن الوصول إليه من جانب فريق البحث المركزي. وتكمن الميزة في هذا التطبيق في القدرة على جمع البيانات دون الحاجة إلى اتصال لاسلكي في موقع المقابلة. وهذا كان من شأنه توفير وقت هائل في إدخال البيانات وإزالة الحاجة إلى حمل استبيانات ورقية، لكن هذا التطبيق تسبب في مشكلات في وقت مبكر من مرحلة العمل الميداني. في البداية كان المساحون غير قادرين على الوصول إلى حساباتهم. وبعد ذلك، توقف التطبيق عن قراءة
البيانات النصية باللغة العربية، الأمر الذي أدى إلى فقدان كبير وغير قابل للاسترجاع للعديد من الاستبيانات. ومن ثم تم الانتقال بالكامل إلى النسخ الورقية، لمنع أي فقدان إضافي محتمل للبيانات. أما المشكلة الثالثة فكانت متعلقة بالملء غير الصحيح للاستبيانات من قبل بعض الباحثين الميدانيين. حيث بلغت العينة الأصلية المستهدفة 1.500 مشارك، ومع ذلك ونظرًا إلى أن الوضع تطلب الإفراط في أخذ العينات، تم جمع حوالي 2.200 استبيان. وتم اعتبار 1.708 استبيانات موثوقة وصحيحة، بعدما تم اكتشاف أن ما يقرب من 500 استبيان قد جرى ملؤها من جانب المساحين وليس المشاركين. وكانت الاستبيانات المحذوفة من إدلب حوالي 200، ودرعا 200، ودمشق وريف دمشق 100.
ومن يتابع هذه الدراسة وعبر الاطلاع والتمحيص فيها يجد أن هناك الكثير من العثرات والهنات، ليس أولها الاعتماد على ما مجموعه 69 بالمئة من العينة تم جمعها من مناطق يسيطر عليها النظام السوري، وهو ما أنتج معطيات توحي وكأن الشعب السوري في معظمه يتابع (كمصدر معلومات إعلامية) قناة سما أو راديو شام إف م، أو تشرين والبعث والثورة، وهي نتائج طبيعية لطريقة الاعتماد على شرائح العينة المأخوذة. إضافة إلى فترة ملء الاستبيان التي تراوحت بين 10_ 30 دقيقة وهي (بكل تأكيد) غير كافية، إذا علمنا أن في الاستبيان 75 سؤالًا.
منهجية الدراسة فيها الكثير من الأخطاء، التي أوصلت النتائج إلى ما وصلت إليه، وهي عثرات في هذه الدراسة (على أهميتها) يجعل من إمكانية الاستفادة منها صعبة للغاية، بدون إجراءات التعديل في آلياتها، ومن ثم إعادة إنتاج دراسة (جمهور) سوري للإعلام أكثر موضوعية.
الاعلام السوري