مايكل هيرش ترجمة: علاء الدين أبو زينة
باعتباره أول رئيس رئيس أميركي يواجه إجراءات العزل قبل الانتخابات، يراهن الديمقراطيون على أن ترامب سيتضرر بما يكفي ليمنى بالهزيمة فيها -حتى لو تمت تبرئته. ويسترشد جزء من خطة العمل الجديدة للديمقراطيين، أو يتأثر على الأقل، بما حدث لكلينتون بعد إجراءات عزله في العام 1998. ففي الوقت الذي كسب فيه كلينتون ارتفاعاً في شعبيته بعد تبرئته، تسبب الانطباع السيئ المتخلف عن سوء تصرفه -وحقيقة أنه أفلت من العقاب- في مشكلة لنائبه، آل غور، في العام 2000، وكذلك لهيلاري كلينتون في العام 2008، عندما فقدت الترشيح الديمقراطي لصالح المرشح المتمرد باراك أوباما.
ما من كتاب إرشادي تمكن استشارته، بطبيعة الحال، لأن مثل هذه الحالة لم تحدث من قبل. ولكن، بعد أن أصبح دونالد ترامب يوم الأربعاء (18 كانون الأول/ ديسمبر) ثالث رئيس أميركي فقط يواجه إجراءات عزله من منصبه -والأول الذي يتجه إلى سنة انتخابات- يراهن المخططون الاستراتيجيون الديمقراطيون على أنهم سيتمكنون من تحويل هذا التوبيخ التاريخي إلى استراتيجية انتخابية كاسبة في العام 2020، حتى لو تمت تبرئة ترامب في مجلس الشيوخ، كما هو متوقع.
كيف؟ من خلال تطبيق استراتيجية تركز على استغلال انتهاكات ترامب الموثقة للسلطة -وما يُزعم أنها علاقة يعمل فيها كدمية بيد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين- والتي تعتمد على نوع الضرر الذي لحق بسمعة رئيس سابق واجه إجراءات عزل مماثلة، بيل كلينتون، وساعد في خسارة خلفه المحتمل، آل غور، انتخابات العام 2000، كما يقول الاستراتيجيون الديمقراطيون.
ومع تبرئة ترامب المؤكدة في مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون، يعتقد الديمقراطيون أنهم سيتمكنون من الفوز في نهاية المطاف من خلال بيع فكرة أن انتهاكات ترامب حقيقية وتنزع عنه الأهلية. وسوف يجادلون بأن الرئيس أفلت من الإقالة فقط بسبب التفاني الصاغر لحزبه الجمهوري، الذي يحاول، بالسير على خطى ترامب، أن يبيع مزاعم الكرملين الذي يقول أن أوكرانيا تدخلت في انتخابات الولايات المتحدة للعام 2016، على الرغم من أن المخابرات الأميركية دحضت هذه الفكرة ونزعت مصداقيتها. (قالت إحدى المشاركات على إحدى وسائل الإعلام الاجتماعية مؤخراً أن لقب الحزب الجمهوري “GOP” لم يعد يعني “الحزب القديم العظيم” وإنما “عصابة بوتين”). وسوف يضيف الديمقراطيون بلا شك أن تبرئة ترامب السريعة المتوقعة في مجلس الشيوخ لم يهندسها سوى “ميتش موسكو” مكونيل، كما وصفت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ. وقد شق هذا اللقب طريقه إلى أروقة واشنطن في وقت مبكر من العام 2019، عندما عرقل جمهوريو ماكونيل ومجلس الشيوخ طرح مشروع قانون لأمن الانتخابات بعد فترة وجيزة من الشهادة التي أدلى بها المستشار الخاص السابق، روبرت مولر، عن التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية.
بل إن بيلوسي اقترحت، في تصريحات أدلت بها للصحفيين بعد تصويت ليلة الأربعاء، أنها ستؤجل إرسال مواد المساءلة إلى ماكونيل حتى تتلقى تأكيداً على أن مجلس الشيوخ سيدير محاكمة عادلة، لأنه “حتى الآن لم نر أي شيء يبدو عادلاً لنا”، كما تقول.
تنطوي هذه الاستراتيجية الديمقراطية على مخاطر كبيرة. ففي حين أن معظم استطلاعات الرأي تظهر أن الأمة منقسمة بالتساوي بشأن المساءلة وترامب، وتظل النسبة بثبات من دون موافقة 50 في المائة من الجمهور، أظهر استطلاع أجرته صحيفة “يو إس إيه توداي” وجامعة سوفولك لآراء الناخبين المسجلين الأسبوع قبل الماضي قبل تصويت الإقالة، أن ترامب يتغلب على منافسيه الديمقراطيين البارزين. وكان هذا واحداً من أوائل الاستطلاعات التي تسجيل مثل هذه النتيجة. وفي مناظرة افتراضية، تفوق ترامب على نائب الرئيس السابق، جو بايدن، بـ3 نقاط مئوية، وعلى السيناتور بيرني ساندرز بـ5 نقاط، والسناتور إليزابيث وارين بـ8 نقاط.
يخطط الجمهوريون مسبقاً أيضاً لإطلاق حملات إعلانية تستفيد فعلياً من تصويت الإقالة -بالبناء على النقاط التي وردت في الرسالة الغاضبة التي أرسلها الرئيس إلى بيلوسي يوم الثلاثاء الذي سبق بدء إجراءات الإقالة. وفي الرسالة، عرض ترامب نظريات المؤامرة التي تم الكشف عنها بشأن بايدن، الذي قال ترامب، كذباً، إنه “استخدم منصبة ومليار دولار من أموال المساعدات الأميركية لإكراه أوكرانيا على طرد المدعي العام الذي كان يحقق في ملف الشركة التي تدفع لابنه ملايين الدولارات”. وجادل الرئيس بأن مكالمته الهاتفية التي أصبحت معروفة الآن والتي أجراها في 25 تموز (يوليو) مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وضغط خلالها على زيلينسكي لإجراء تحقيقات بشأن بايدن وابنه هنتر (الذي كان عضواً في مجلس إدارة شركة أوكرانية)، كانت مدفوعة بقلق حقيقي بشأن الفساد في أوكرانيا. وهذه المكالمة الهاتفية هي في القلب من مواد المساءلة ضد ترامب.
سوف يجادل الجمهوريون بأن التصويت على الإقالة يثبت فقط أن الحزب الديمقراطي “اختُطف من قبل اليسار الراديكالي”، على حد تعبير النائب الجمهوري جيمس سينسينبرينر من ولاية ويسكونسن خلال مناقشة الإقالة يوم الأربعاء، مردداً ما أصبح موقف الحزب. وفي أسوأ السيناريوهات بالنسبة للديمقراطيين، لن يقتصر الأمر على فوز ترمب بإعادة انتخابه فحسب، بل سيخسر الديمقراطيون أيضاً مجلس النواب، لأن ما يقرب من 30 عضواً ديمقراطياً من المناطق المعتدلة التي فاز فيها ترامب في العام 2016 صوتوا لصالح عزله.
يسترشد جزء من خطة العمل الجديدة للديمقراطيين، أو يتأثر على الأقل، بما حدث لكلينتون بعد إجراءات عزله في العام 1998. ففي الوقت الذي كسب فيه كلينتون ارتفاعاً في شعبيته بعد تبرئته، تسبب الانطباع السيئ المتخلف عن سوء تصرفه -وحقيقة أنه أفلت من العقاب- في مشكلة لنائبه، آل غور، في العام 2000، وكذلك لهيلاري كلينتون في العام 2008، عندما فقدت الترشيح الديمقراطي لصالح المرشح المتمرد باراك أوباما.
أشار ستانلي غرينبرغ، مستطلِع كلينتون السابق، إلى أنه بينما استمتع الرئيس الثاني والأربعون بمذاق استقاله خصمه رئيس مجلس النواب السابق نيوت غينغريتش، بسبب إجراءات الإقالة بعد خسارة الجمهوريين في منتصف العام 1998، فإن الضرر كان قد لحق بسمعة كلينتون وانتهى الأمر. وفي حين أن الموافقة على المنصب عادة ما ترتبط بشكل وثيق بالانتخابات الرئاسية التالية، فإنها كانت “في العام 2000 مسألة تفضيلات شخصية؛ حيث كان لكلينتون تصنيف سلبي”، كما قال غرينبرغ في تصريح لهذه المجلة. ووافق خبير استراتيجي ديموقراطي بارز آخر على أنه “كان في أفواه الناس مذاق سيئ متبقٍّ” بعد اعتراف كلينتون بأنه كذب بشأن علاقته بالمتدربة في البيت الأبيض، وقد تمكن جورج دبليو بوش من إدارة حملة ناجحة لإعادة الشرف والنزاهة إلى منصب الرئاسة.
وقال الخبير الاستراتيجي: “على الرغم من أنه أفلت من العزل، فإن الناس كانوا ما يزالون غاضبين بشكل ما وغير راضين عن أنه لم يتلق عقاباً”.
سيكون التحدي الماثل أمام الديمقراطيين هو تصوير ترامب في ضوء مماثل بمجرد أن تتم تبرئته في مجلس الشيوخ، كما هي العادة، ثم يعلن نفسه بريئاً تماماً، كما يقول الاستراتيجيون. كما سيكون التحدي إيضاً إظهار أن ترامب قد أساء استغلال سلطته بشكل خطير عندما قام باحتجاز المساعدات الخارجية الأميركية كرهينة للضغط على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من أجل إجراء تحقيق مع جو بايدن -وأن ترامب يتصرف باستمرار كما لو أنه أداة في يد بوتين، مردداً مزاعم الكرملين بأنها كانت أوكرانيا، وليس روسيا، هي التي تدخلت بشكل رئيسي في السياسة الأميركية.
ووفقاً لاستراتيجي ديمقراطي بارز آخر، هو السيدة إيلين كامارك، مديرة مركز الإدارة العامة الفعالة في معهد بروكينعز، فإنك “تواجه ادعاءات الجمهوريين من خلال تعرية ثلاث سنوات كاملة من عبوديته وتبعيته المطلقة لروسيا”.
هامش: ما هي الإقالة؟
*الإقالة (العزل) impeachment هي العملية التي تقوم من خلالها هيئة تشريعية بتوجيه اتهامات إلى مسؤول حكومي. ولا تؤدي الإقالة في حد ذاتها إلى إخراج المسؤول نهائياً من منصبه؛ إنها تشبه لائحة الاتهام في القانون الجنائي، وبذلك تكون في الأساس بيان الاتهامات ضد المسؤول. وبينما يتم في بعض البلدان إقالة المسؤول المعنيّ مؤقتاً، فإنه يمكن أن يظل في بلدان أخرى في منصبه أثناء المحاكمة. وبمجرد إقالة شخص ما، يجب أن يواجه بعد ذلك إمكانية الإدانة بالتهم بتصويت تشريعي، والذي يكون منفصلاً عن إجراءات الإقالة، ولكنه يأتي منها، ويقتضي حكم يدين المسؤول بناء على مواد الإقالة الإبعاد النهائي للمسؤول من منصبه.
نظرا لأن عزل المسؤولين وإدانتهم ينطوي على نقض الإجراءات الدستورية العادية التي يحقق الأفراد من خلالها مناصب عليا (الانتخابات أو المصادقة أو التعيين) ولأنها تتطلب عموما أغلبية كبيرة، فعادة ما يتم ادخارها لأولئك الذين يُعتقد أنهم ارتكبوا مخالفات جسيمة لمنصبهم. وفي الولايات المتحدة، على سبيل المثال، تقتصر المساءلة على المستوى الفيدرالي على أولئك الذين قد يكونون قد ارتكبوا “الخيانة أو الرشوة أو غيرها من الجرائم الكبرى والجنح”. توجد الإقالة بموجب القانون الدستوري في العديد من البلدان حول العالم، بما في ذلك البرازيل وفرنسا والهند وإيرلندا والفلبين وروسيا وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة.
المصدر: (فورين بوليسي) الغد الأردنية