أحمد طرقجي
وقّع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أخيراً، على حزمة قرارات من أكثر من 3400 صفحة، ومن ضمنها 25 صفحة متعلقة بقانون حماية المدنيين السوريين (قانون قيصر). يتركز من وجهة نظر المُشرع الأميركي على خمسة محاور: تقييم دور البنك المركزي السوري بعمليات غسل الأموال، توسيع الحظر على قطاعات التكنولوجيا والبترول ومعدّات الطيران والمعاملات مع الحكومة السورية، لمنع استخدام هذه الموارد لاستهداف المدنيين، حماية حقوق المدنيين السوريين بمنع عمليات الاستيلاء وإعادة البناء على ممتلكات المهجّرين، دعم عمل المنظمات الحقوقية العاملة على توثيق انتهاكات حقوق الإنسان في سورية، زيادة الرقابة على العمليات الإنسانية داخل سورية في ضوء تواتر التقارير عن حرف المساعدات الإغاثية عن الوصول إلى مستحقيها.
تختلف التقييمات بشأن هذه البنود وقدرتها على إنهاء الحرب وتحقيق انتقال سياسي في سورية، حيث تتفق معظم الدراسات الأكاديمية على أن العقوبات الأميركية عبر التاريخ، حققت أهدافها المعلنة في أقل من ثلث الحالات. ولكن لا شك في أن أكثر هذه البنود وقعاً وأطولها أمداً على المواطن السوري سيكون وضع البنك المركزي السوري.
تاريخياً، مولت الحكومات حروبها عن طريق البنوك الحكومية، كما نشط في ظروف الصراعات اقتصاد الحرب والاقتصاد الموازي الذي لا يتبع لأي نوع من القوانين. وعلى الرغم من قساوته على المواطنين، إلا أن اقتصاد الحرب، بحد ذاته، ينظر إليه ضمن الأعراف الدولية، على أنه جزء متوقع من منظومة الحرب، ما لم يتم إثبات دعمه انتهاكات حقوق الإنسان وانتهاك القوانين الدولية. تنشط أيضاً في هذه الظروف عمليات غسل الأموال من تجار الحروب عن طريق نشاطات مشبوهة، أو عن طريق بنوك خاصة. وقليلا ما نرى عقوبات اقتصاديه أممية، على الرغم من أنها الأكثر تأثيراً، تستهدف أمراء اقتصاد الحرب، بسبب صعوبة ضبط هذه العمليات، بينما قد تشارك دول متعدّدة، كما في حرب البوسنة، بفرض حظر اقتصادي محدود على جميع البنوك لوقف شراء الأسلحة، بهدف إيقاف آلة الحرب ودفع العملية السياسية. لا يشمل هذا النوع من الحظر عادة باقي أنواع التداولات المالية غير العسكرية.
يطالب المشرّع، في الفقرة الثانية من قانون قيصر، وزارة الخزانة الأميركية بالعمل على تقييم علني خلال ستة أشهر عن دور البنك المركزي السوري في عمليات غسل الأموال، ففي حال إثبات هذه العمليات، ستضطر الإدارة الأميركية، بموجب القانون، لاتخاذ موقفٍ علنيٍّ أكثر تشدّداً من موقفها الحالي، ما سينعكس حتماً على حركة النقد العام في سورية على المدى المتوسط، حيث ستكون جميع أجهزة البنك المركزي ضمن دائرة الاتهام. كما سيؤثر تورّط البنك المركزي السوري على قدرة ورغبة الجهات الدولية في التعامل أساساً مع البنك.
وتتفق الدراسات الأكاديمية على محدودية فعالية العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية في تحقيق أهدافها في تغيير سلوك الحكومات المستهدفة بالحظر، إذ تظهر الدراسات أن العقوبات الأممية تبطئ الناتج القومي للدول المستهدفة بمعدل 2% سنويا، ويستمر أثرها عشر سنوات، بينما تؤثر العقوبات الأميركية المنفردة على الناتج القومي بأقل من نصف بالمئه سنوياً، ويستمر أثرها أقل من سبع سنوات، إذ تنجح الحكومات المستهدفة بإيجاد طرقٍ بديلةٍ علنيةٍ أو سرّيةٍ لتجاوز هذه العقوبات. ولكن حتى ذلك الوقت، ينشط اقتصاد الحرب والاقتصاد الموازي، ما
“تتفق الدراسات الأكاديمية على محدودية فعالية العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية في تحقيق أهدافها”يعزّز سيطرة أمراء اقتصاد الحرب على المجتمع، ويُمكّنهم من تحويل الحظر الاقتصادي إلى ضغوط على المواطن الذي يعاني أصلا من وقع الحرب. تتفق هذه الخلاصة مع الدراسات السياسية، على أن العقوبات الأميركية وحيدةً قد فشلت تاريخياً في أكثر من ثلثي الحالات بتحقيق أهدافها السياسية المعلنة.
على الرغم من ذلك، تعمل إدارات حكومية مختلفة في الولايات المتحدة بشكل مستمر على وضع ضوابط لفرض مستوياتٍ مختلفةٍ من الحظر على الشخصيات والمؤسسات المنغمسة بملفات محدّدة كانتهاكات حقوق الإنسان والإرهاب وغسل الأموال وتهريب المخدرات في العالم. ولكن مدى تطبيق هذا الحظر يعتمد على تقييم الرئيس المصلحة العليا للولايات المتحدة، تماماً كما تم تضمينه أيضاً في قانون قيصر مع فارق أن المشرّعين هنا طالبوا البيت الأبيض بتوضيحات دورية علنية، ما يزيد الضغط على الدبلوماسية الأميركية ويضيق حدود مناوراتها.
ماذا عن المواطن السوري؟ لا بد من التذكير أولاً بأن التعليمات التنفيذية لقانون قيصر لم تطبق بعد، وأن سورية واقعة أساساً ضمن سلسلة من قوانين العقوبات الأميركية منذ عام 2004، تتعلق بملفات حقوق الإنسان وملفات العراق ولبنان. شملت هذه العقوبات لاحقاً قطاعات كالنفط، كما شملت، عام 2006، البنك التجاري السوري بدعوى غسل الأموال. ومع نهاية عام 2010، كان على قائمة العقوبات الأميركية حوالي عشرين شخصية سورية.
من ناحية التعاملات الاقتصادية حسب قانون قيصر، سيُمنع الشركاء التجاريون للحكومة السورية من الحصول على تأشيرة الدخول (الفيزا) الأميركية، وسيتم الحجز الاحتياطي على ممتلكاتهم في الولايات المتحدة، ما سيؤثر بشكل رئيسي على الشركات متعدّدة الجنسيات.
قبل بضعة أشهر، أعلنت الموازنة العامة السورية لعام 2020 بانكماشٍ قُدر بـ30%، مقارنةً مع عام 2019، كما خفض بند الدعم الاجتماعي بنسبة 50% عن عام 2019، وغاب الوضوح في ما يتعلق بتحديد الموارد لضبط ارتفاع الأسعار، ما سيزيد الضغط على المواطن الذي يعاني أصلا من تبعات اقتصاد الحرب واقتصاد أمراء الحرب داخل سورية وخارجها. تعكس هذه الموازنة بوضوح حالة الاقتصاد السوري والآثار المتوقعة على المواطن الُمنهك، حتى بدون أي عقوبات جديدة.
قد لا ينتهي الجدل إن كان قانون قيصر قادراً على فرض تغييراتٍ إيجابية لرفع ضغط اقتصاد الحرب عن المواطن السوري، أو أنه سيعيد تجربة العقوبات في العراق، ولكنه يضع مسؤولية تاريخية على مجموعات الضغط السورية ــ الأميركية الداعمة للقانون، ذلك أن حماية المواطن السوري، وإيجاد مستقبل وطني أفضل له، يجب أن يبقيا محور أي تحرّك سياسي، ومقياس نجاح هذا التحرّك أو فشله.
المصدر: العربي الجديد