أمين العاصي
لم تتقدّم قوات النظام السوري والمليشيات التي تساندها في عمق محافظة إدلب، خصوصاً باتجاه مدينة معرة النعمان كبرى مدن ريف المحافظة الجنوبي، إذ حال سوء الأحوال الجوية دون ذلك، إضافة إلى استمرار المفاوضات الروسية التركية في العاصمة الروسية موسكو منذ أيام، حول ملفات عدة، منها حسم مصير محافظة إدلب. وبعد الهدوء النسبي الذي ساد في نهاية الأسبوع الماضي، خصوصاً على صعيد الغارات الجوية، عاد الطيران الروسي، أمس الاثنين، ونفّذ غارات على مناطق في ريف حلب الجنوبي الذي يشهد استقدام تعزيزات من قبل قوات النظام، مع ترجيحات بقيامها بعمل عسكري واسع النطاق خلال الأيام المقبلة.
وكانت الأمطار الغزيرة التي هطلت في الشمال الغربي من سورية فرضت هدوءاً نسبياً على صعيد الأعمال القتالية، تخلله قصف مدفعي من قبل قوات النظام على مدن وبلدات في محافظة إدلب ومحيطها، الأمر الذي تغيّر أمس. ونقل موقع “بلدي نيوز” الإخباري المعارض عن مصدر في غرفة عمليات “وحرض المؤمنين”، تأكيده صدّ هجوم لقوات النظام على محور بلدة زمار في ريف حلب الجنوبي، مشيراً إلى أن الاشتباكات دارت على مسافات قريبة ومتوسطة.
من جهتها، أفادت صحيفة “الوطن” التابعة للنظام، أن قوات الأخير قصفت يوم الأحد مواقع لـ”هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً)، كي لا تسمح لهذه التنظيمات بالتقاط أنفاسها، وفق تعبير الصحيفة. بدوره، أكد مصدر مطلع مقتل 5 من الفصائل خلال الاشتباكات على محور زمار بريف حلب الجنوبي، كما قُتل عنصران من قوات النظام وجرح آخرون نتيجة استهدافهم بصاروخ موجه على محور بلدة جرجناز بريف إدلب الشرقي. وأشار إلى أن قوات النظام قصفت قريتي جزرايا وزمار بريف حلب الجنوبي، وذلك عقب الاشتباكات التي اندلعت أمس إثر محاولة تسلل لقوات النظام على المحور، مؤكداً أن “الفصائل ” أحبطت عملية التسلل.
وشنّت الطائرات الروسية نحو 19 غارة استهدفت خلالها أماكن في الايكاردا وأم عتبة والشيخ أحمد وتل حدية وزمار بريف حلب الجنوبي، ومعرشورين ومحيط الغدفة بريف معرة النعمان، وكل المناطق المستهدفة محيطة بالطريق الدولي. وأكدت مصادر محلية أن مقاتلات روسية قصفت أمس محيط قرية الشيخ أحمد بريف حلب الجنوبي. ولا تزال فصائل مقاتلة تحتفظ بوجود لها في ريف حلب الجنوبي الذي يشهد عمليات قصف جوي ومحاولات تسلل من قبل قوات النظام، التي تضع في مقدمة أهدافها السيطرة بشكل على هذا الريف لفرض السيطرة الكاملة على الطرق الدولية، خصوصاً طريق حلب كبرى مدن الشمال السوري باتجاه مدينة حماة في وسط البلاد.
كما استهدفت طائرات النظام الحربية أماكن في بلدة تلمنس بريف إدلب الجنوبي الشرقي، في ظلّ مواصلتها استقدام التعزيزات العسكرية إلى الريف الحلبي، إذ وصلت يومي السبت والأحد الماضيين، عشرات الآليات العسكرية المحملة بالعناصر والأسلحة والذخائر إلى الريف الجنوبي لحلب وضواحي المدينة الغربية. كما شنّت طائرات حربية تابعة للنظام غارات على محيط مدينة معرة النعمان، وعلى بلدة خان السبل في ريف إدلب الجنوبي الشرقي.
وعممت “الجبهة الوطنية للتحرير” أكبر تجمع لفصائل المعارضة في شمالي غرب سورية، على معرفاتها الرسمية في وسائل التواصل الاجتماعي، إحصائية للآليات والعربات المجنزرة التي دمرتها بصواريخ “التاو” والقصف المدفعي خلال المعارك الأخيرة، وبلغت “6 رشاشات ثقيلة وعربة شيلكا ومدفعا ثقيلا ودبابتين وخمس قواعد أم دي وسيارة زيل وعربة نقل جنود”، بالإضافة إلى تدمير غرفة العمليات للمليشيات واستهداف 8 تجمعات لها. وتحاول فصائل المعارضة السورية تكبيد قوات النظام والمليشيات التابعة خسائر فادحة بالأرواح لوضع حد لهجومها على محافظة إدلب.
في السياق، ذكرت مصادر في “الجيش الوطني السوري” أن “هيئة تحرير الشام” وافقت أخيراً على دخول “الفيلق الثاني” التابع لـ”الجيش الوطني” إلى محافظة إدلب للمشاركة في التصدي لقوات النظام السوري والمليشيات التابعة لها. وأشارت المصادر إلى أن مقاتلي الفيلق سيتمركزون على خطوط التماس مع قوات النظام السوري والمليشيات المساندة لها في منطقتي معرة النعمان وخان شيخون في ريف إدلب الجنوبي والجنوبي الشرقي. وكانت “الهيئة” ترفض دخول مقاتلي المعارضة المنضوين في “الجيش الوطني” والمدعوم من تركيا، في خشية واضحة من محاولة هذا الجيش تحجيم دورها في المنطقة في حال توقف المعارك مع قوات النظام.
وكان من المتوقع أن تواصل قوات النظام تقدمها باتجاه مدينة معرة النعمان في ريف إدلب الجنوبي، ومدينة سراقب في ريفها الشرقي كونهما يقعان على الطريقين الدوليين “أم 4” و”أم 5″، إلا أن أسباباً عدة حالت دون ذلك، منها سوء الأحوال الجوية، والمفاوضات التركية الروسية الدائرة منذ أيام في موسكو حول جملة ملفات منها محافظة إدلب ومحيطها.
ومن المرجح انزلاق الشمال الغربي من سورية إلى مواجهة مفتوحة على كل الاحتمالات في حال عدم توصل أنقرة وموسكو إلى تفاهمات راسخة حول هذه المنطقة وريف حلب الشمالي والشمالي الشرقي، الذي لا يزال قسم منه يقع تحت سيطرة الوحدات الكردية في مدينة تل رفعت ومحيطها ومدينة منبج ومحيطها.
ومن الواضح أن قوات النظام تحاذر من التوغل أكثر في عمق محافظة إدلب خشية استنزافها من قبل فصائل المعارضة السورية و”هيئة تحرير الشام” ومجموعات تدور في فلكها. وعلى الرغم من أن النظام يعلن أنه سيستعيد السيطرة على محافظة إدلب سلماً أو حرباً، إلا أن الوقائع تؤكد أنه يفضل توصل الأتراك والروس إلى اتفاق يعيد حركة السير والترانزيت على الطرق الدولية، وفق اتفاق سوتشي المبرم بين موسكو وأنقرة في سبتمبر/أيلول 2018، وهو ما يريده النظام والروس على الأقل في المدى المنظور.
المصدر: العربي الجديد