أمين العاصي
لم تكد تمر أيام قليلة على الهدنة الروسية – التركية في الشمال الغربي من سورية، حتى بدأت بوادر انهيارها الكامل بالظهور، بعدما عاود الطيران الروسي قصف أهدافٍ في مدن وبلدات ريف محافظة إدلب الجنوبي، في مؤشرٍ على أن المفاوضات التي أُجرِيت بين تركيا وروسيا في موسكو لم تصل إلى نتائج تفضي إلى تعزيز الهدنة السورية. وفي ظلّ تجدد القصف الروسي، يروّج النظام لمعركة “حسم” في ريف حلب، ما يعني نقل الصراع في الشمال الغربي من سورية إلى مستويات أكثر خطورة، ربما لن يكون الريف الحلبي مسرحها الوحيد، في ظلّ الحشود الكبيرة من قبل قوات النظام ومليشيات إيرانية مساندةٍ لها، مقابل حشود عسكرية لفصائل المعارضة السورية و”هيئة تحرير الشام”(“جبهة النصرة” سابقاً).
ويأتي القصف الجوي الروسي وتحشيد النظام كذلك، بعد اللقاء الذي جمع في موسكو قبل أيام، رئيس الاستخبارات التركية حقان فيدان، برئيس استخبارات النظام السوري علي مملوك، والذي يبدو أنه لم يفض إلى تفاهمات واتفاقات واضحة. وأمس الأربعاء، أعاد وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، التأكيد، أن جهود أنقرة في إدلب، ترمي إلى إحلال السلام والاستقرار ووقف إراقة الدماء عبر حلّ سياسي، فيما شدد وزير الخارجية مولود جاووش أوغلو على أن بلاده “ستتخذ الخطوات اللازمة في إدلب حال تعرض أمننا للخطر”.
وفيما كان رفض أكار أول من أمس الثلاثاء، الإدلاء بتفاصيل حول لقاء فيدان- مملوك، مكتفياً بالقول إن “المسؤولين الأتراك يقومون بفعاليات متنوعة في المحافل الدولية، بهدف الحفاظ على المصالح التركية والإسهام في إحلال السلام والأمن بالمنطقة”، أفادت صحيفة “حرييت” التركية، أمس، بأن الاجتماع “تناول القضايا الأمنية فقط بدون التطرق للمواضيع السياسية”. وأشارت إلى أن اللقاء كان مفتوحاً على كافة الملفات المتعلقة بالقضايا الأمنية، خصوصاً موضوع وحدات حماية الشعب الكردية، والأولويات الأمنية التركية التي تمّ شرحها. وقالت الصحيفة إن موضوع إدلب كان من العناوين الأساسية المطروحة على الأجندة، إذ شرح الجانب التركي الصعوبات في المنطقة، خصوصاً في فصل الشتاء والمأساة التي يعاني منها السوريون في المنطقة، ولهذه الضرورات، شدد الجانب التركي على وجوب الحفاظ على نظام وقف إطلاق النار في منطقة إدلب. ولفتت الصحيفة إلى أن هذا اللقاء، لم يكن الأول بين الأجهزة الأمنية بين البلدين، وسبق أن أكدت الحكومة التركية انعقاد الاجتماعات سابقاً، لكنها المرة الأولى التي يتم الإعلان فيها عن لقاء بين مملوك وفيدان.
الغارات الروسية وتحشيد النظام
وشنّت الطائرات الحربية الروسية، أمس الأربعاء، غارات عدة على مدن وبلدات ريف إدلب الجنوبي الشرقي، حيث قصفت بالصواريخ بلدتي معرشمشة وتلمنس، بالتزامن مع قصف قوات النظام بقذائف المدفعية وراجمات الصواريخ مدينة معرة النعمان، كبرى مدن ريف إدلب الجنوبي. كما قصفت الطائرات الروسية بلدتي خان السبل ومحيط معصران، جنوب شرقي إدلب، بأكثر من 10 غارات جوية بالصواريخ الفراغية. من جهته، أكد مصدر مطلع تجدد القصف الجوي على الشمال الغربي من سورية، بعد منتصف ليل الثلاثاء – الأربعاء وصباح الأربعاء، حيث نفذت طائرات حربية روسية غارات عدة على مناطق في معرشورين ومعصران بريف معرة النعمان. وأشار “المصدر” إلى أن قوات النظام قصفت أماكن في الغدفة ومعصران وأبو جريف والكنائس وتل الشيخ في ريفي إدلب الشرقي والجنوبي، في خرقٍ واضح لاتفاق الهدنة الذي دخل حيّز التنفيذ منتصف ليل السبت- الأحد. بدوره، وثق “الدفاع المدني” أول من أمس الثلاثاء استهداف أربع مناطق بـ10 غارات جوية روسية، بالإضافة إلى 26 قذيفة مدفعية من قوات النظام.
ويشير تجدد القصف الجوي الروسي إلى تأزم المفاوضات بين الروس والأتراك حول ملفي إدلب وليبيا، ما يعني عودة التصعيد العسكري إلى الشمال الغربي السوري، مع ترجيح قيام قوات النظام بعملٍ واسع النطاق في ريف حلب، يبدو أن الإيرانيين سيكونون رأس الحربة فيه.
وتحدثت وسائل إعلام تابعة للنظام، عن أن قرار السيطرة على الشمال الغربي من سورية، الذي يقع تحت سيطرة فصائل المعارضة السورية و”تحرير الشام”، لا رجعة فيه. وذهبت صحيفة “الوطن” السورية التابعة للنظام أبعد من ذلك، مشيرةً أمس إلى أن “هدوء جبهات حلب يسبق عاصفة الحسم التي جهّز لها الجيش السوري جيداً، لبدء عملية عسكرية ضخمة تنطلق من ريف المحافظة الجنوبي، للسيطرة على البلدات الواقعة على طول الطريق الدولية الممتدة من حلب إلى سراقب والمتاخمة له، وتطاول جبهات غرب المدينة لتأمينها”. وأشارت الصحيفة إلى أن قوات النظام “استقدمت تعزيزاتٍ عسكرية ضخمة إلى جبهات القتال، وأعدت العدة والخطط العسكرية جيداً، لتحقيق الحسم العسكري، وخلال فترة قصيرة نسبياً، على الرغم من الحشود العسكرية المقابلة”. وأشارت “الوطن” إلى أن قوات النظام والمليشيات المحلية الرديفة لها، حشدت المزيد من قواتها غربي مدينة حلب، فيما ركزت المليشيات الإيرانية المساندة لها حشودها في الجهة الجنوبية الغربية من المدينة. ومن المتوقع، وفقاً لهذه التطورات، أن يكون ريفا حلب الجنوبي الغربي والغربي مسرحاً لصراع كبير خلال الأيام القليلة المقبلة، حيث من الواضح أن الهدنة لا تشمل هذه المنطقة، التي من دون السيطرة عليها لا يمكن للنظام السيطرة على طريق حلب – حماة (إم 5).
من جهتها، حشدت فصائل المعارضة السورية قواها لمعركة كبرى للدفاع عن مدينتي سراقب في ريف إدلب الشرقي ومعرة النعمان في ريف إدلب الجنوبي، حيث يعد ريف حلب خط الدفاع الرئيسي عنهما. وتسيطر فصائل المعارضة على العديد من البلدات والقرى في ريفي حلب الجنوبي والجنوبي الغربي، أبرزها بلدات الزربة وخان طومان والعيس التي يقيم الجيش التركي نقطة مراقبة فيها. كما تسيطر الفصائل على مبانٍ الـ”إيكاردا”، وهو مجمع بحوث زراعية كان يتبع للأمم المتحدة قبل أن تغلقه مع اتساع دائرة الصراع في سورية. وفي ريف حلب الغربي، تسيطر فصائل المعارضة السورية و”تحرير الشام” على حيّ جمعية الزهراء التابع للمدينة، وضاحية الراشدين، وبلدات خان العسل، دارة عزة، الأتارب والمنصورة. وفي الشمال الغربي من مدينة حلب، تسيطر الفصائل المعارضة و”الهيئة” على حيّ الليرمون، وعلى مدن وبلدات كفرحمرة، حريتان، عندان، بيانون، حيان، معارة الأرتيق.
في غضون ذلك، وصل رتلٌ عسكري تركي إلى نقاط المراقبة ضمن حدود محافظة إدلب، قادماً من معبر كفرلوسين على الحدود السورية – التركية. وقالت مصادر لـ”العربي الجديد”، إن الرتل يتألف من 15 آلية مصفحة ترافقها عربات للمعارضة السورية المسلحة، وتوجه نحو نقاط المراقبة في ريفي إدلب الجنوبي والشرقي. وتحتفظ تركيا بـ12 نقطة مراقبة في محيط محافظة إدلب، أثبتت الوقائع عدم جدواها في إيقاف قوات النظام التي تحاصر اثنتين منها، واحدة في ريف حماة والثانية في ريف إدلب.
ضربة التيفور
على صعيد آخر، جدد الطيران الحربي الإسرائيلي، أول من أمس الثلاثاء، قصف أهداف عسكرية تابعة للنظام السوري، في حدثٍ لا يمكن عزله عن التوتر الحاصل بين الولايات المتحدة وإيران، حيث تحتفظ الأخيرة بوجود كبير داخل مقرات قوات النظام وفي مطاراتها. وأكد “مصدر” أن القصف الذي استهدف مطار التيفور (t4) العسكري بريف حمص الشرقي، تسبب بمقتل ما لا يقل عن ثلاثة عناصر من المليشيات الموالية لإيران أو إيرانيين، مشيراً إلى أن عدد القتلى مرشح للارتفاع لوجود جرحى. كما أكد “المصدر” أن القصف تسبب بتدمير مستودع ذخيرة للمليشيات الإيرانية ومبنى قيد الإنشاء، بالإضافة إلى تدمير عربتين عسكريتين. وهذه ليست المرة الأولى التي تستهدف فيها طائرات إسرائيلية مطار التيفور العسكري شرق حمص، حيث كانت قصفته منتصف العام الماضي، وفي إبريل/نيسان 2018، ما أدى إلى مقتل “مستشارين” إيرانيين.
ووفق مصادر مطلعة، فإن المطار المذكور بات بمثابة قاعدة عسكرية إيرانية في وسط سورية، حيث يضم مستودعات ومراكز تدريب وتمركزاً لمليشيات “الحرس الثوري”. ويعد هذا المطار الذي يأتي في مقدمة المطارات السورية لجهة التحصين، مركز ارتكاز مهم لقوات النظام، كما يقع ضمن خط الإمداد الإيراني القادم من العراق.
من جهتها، قالت وكالة الأنباء الرسمية التابعة للنظام “سانا”، نقلاً عن مصدر عسكري، إن الدفاعات الجوية تصدت لعدوان جوي نفذته طائرات إسرائيلية على مطار التيفور بريف حمص الشرقي من اتجاه منطقة التنف على الحدود السورية – العراقية، وأسقطت عدداً من الصواريخ. وقال المصدر لـ”سانا” إن “الطيران الإسرائيلي قام بعدوان جوي جديد على مطار التيفور من اتجاه منطقة التنف حوالي الساعة العاشرة وعشر دقائق من مساء الثلاثاء”، مضيفاً أن “وسائط دفاعنا الجوي تصدت على الفور للصواريخ المعادية، وأسقطت عدداً منها، في حين وصلت أربعة صواريخ إلى المنطقة المستهدفة واقتصرت الأضرار على الماديات”.
ويُعتبر التيفور والمعروف أيضاً بمطار التياس أو طياس العسكري، من أهم المطارات العسكرية السورية، ويبعد حوالي 50 كيلومتراً شرق مدينة حمص، وليس بعيداً عن مدينة تدمر في قلب البادية السورية. ووفق مصادر متقاطعة، يحتوي هذا المطار، على 54 حظيرة إسمنتية وثلاثة مدارج، واحد منها رئيسي ومدرجان ثانويان، طول كل منهما يقارب ثلاثة كيلومترات. كما يحتوي على أنواع مختلفة من الطائرات، بعضها حديثٌ مثل “ميغ 29″ و”ميغ 27” و”سوخوي 35″، ويضم دفاعات جوية متطورة، ورادارات قصيرة التردد محمولة على سيارات، إضافة إلى آليات عسكرية وعشرات الدبابات الحديثة.
المصدر: العربي الجديد