أحمد مظهر سعدو
وتستمر المجازر في إدلب، ويستمر معها التهجير القسري لأربعة ملايين إنسان، حيث يركب السوري من ادلب راحلته لا يلوي على شيء، ولا يعرف أين المسير، ولا يدرك ماهية المستقبل المحضَّر له، ويعيث المجرم الأسدي ومعه الروس وبقايا إيران ومليشياتها فسادًا وإفسادًا، قتلًا وتدميرًا، فمن مجزرة (سرمين) إلى ما سبقها في (أريحا)، وقبلها في المعرة، وقبلها وقبلها، كلها مجازر وإجرام ما بعده إجرام بحق شعب قام من أجل الحرية والكرامة فقط.
أكثر من مليون ونصف إنسان سوري أصبحوا على حدود تركيا بعيدًا عن القصف والتدمير، في العراء، تحت السماء والطارق، لم يعد لديهم من منزل ولا خيمة، كما لم يعد هناك من منظمات إنسانية، ولا من دول تلتفت إنسانيًا لكل هذا الكم من الاشتغال بالإنسانية، إنها جريمة العصر بحق، جريمة التهجير القسري، لم يسبقها ولا تخطتها أي جريمة في العصر الحديث، فمدن كبرى بحجم معرة النعمان، وأريحا أصبحت الأولى خاوية على عروشها، بينما الثانية تكاد أن تصبح كذلك، والطيران الحاقد يستهدف ليلًا نهارًا، حتى راحلات المهجرين، فمن لم يمت بالقصف في منزله، مات بغيره في الطرقات إلى حيث المجهول، وأطفال بعمر الورود يقتلون، لأنهم ينتمون إلى أهلٍ لم يقبلوا ظلم الأسد، ولم يلتحقوا بقوافل الذل الأسدي التشبيحي، ولم يتخلوا عن كرامتهم. ومنظمة اليونيسف الأممية المعنية بالطفولة تقول أن: “6500 طفل ينزحون يوميًا منذ بدء الهجوم على شمال غرب سورية.” فهل بعد ذلك من حال أكثر يفقأ العين ويدمي القلب، وهل يمكن لضمير لم يتحرك بعد أن يتحرك؟
يقولون إن الأميركان والأوربيين غير راضين عما يجري، ويقولون إن ضغطًا تركيًا أصبح قاب قوسين أو أدني من الاشتراك العسكري المباشر لمنع الاستمرار بالمقتلة من قبل الأسد، ووقف قضم المدن والقرى، ويقول الشعب السوري إنه لابد أن يتحرك العالم كل العالم العربي والإسلامي والدولي، لوقف المقتلة، حتى لا يقال يومًا أن الدنيا كلها قد صمتت عن ممارسات الباطل، وساهمت صمتًا وشراكةً، بإفساح المجال للعنف والقهر والظلم الروسي والأسدي لقتل وتشريد أطفال سورية، وشيوخ سورية، وكل المدنيين في سورية. لابد أن تقف هذه المقتلة، لأن الشعب السوري وصل إلى الحالة التي يمكن بعدها أن يكفر بكل شيء: بالعروبة والحضارة الإنسانية المفترضة، وبالمجتمع الدولي، وكذلك بكل ادعاءات حقوق الانسان ومحافله، ومعه كل الشعوب التي ترى ما ترى، وتسمع ما تسمع، ليصبح الشعب السوري ودماءه مجرد فرجة ليس إلا.
وإذا كانت كل محاولات الإقليم لم توقف هذه الحرب المجنونة على الشعب السوري، وإذا كانت أدوات القتل الروسي، باتت سيدة الموقف، تعبث في دمائنا، فإنه ليس من حق أحد بعد اليوم، أن يتهمنا بالإرهاب، إن عملنا كل ما هو ممنوع، وإن تجاوزنا كل الحدود، وهو حق مؤكد للشعوب المقهورة للدفاع عن نفسها. وهو ضغط مباشر سيدفع أبناء سورية لأن يحافظوا على وجودهم البشري، المهدد بالانقراض فيما لو استمر الصمت العالمي على مجازر أسدية طائفية حاقدة، يشاركه فيها كل مغول العصر من روس وإيرانيين ومليشيات طائفية حزب اللاتية، أو فاطمية أو ما شابه ذلك.
نقول ذلك ونحن ندرك أن ثورة الشعب السوري لم تكن يومًا، ومنذ انطلاقتها في أواسط آذار/مارس 2011، إلا ثورة مدنية سلمية نادت بالحرية والكرامة الإنسانية، ولم نكن نحمل (شفرة صغيرة) ونحن نخرج يوميًا مطالبين بأبسط حقوقنا في الحياة بلا عسف ولا سجن ولا قهر ولا فساد أو إفساد، نبتغي الحرية والكرامة كما يعيش البشر كل البشر، والعالم يعرف كيف أن النظام الأسدي المجرم (هو وفقط هو) من عمل على جر الثورة لأن تكون عسكرية، وهو هو من حاول وما يزال لأن تتحول هذه الثورة الشعبية من ثورة كل السوريين إلى طائفية، كما يريد هو، وكما نصحته حكومة الملالي الإيرانية، ليسهل عليهما قمعها، وإنهاءها.
لكن لسان حال كل سوري، وبعد كل الذي جرى ويجري يقول : لا عودة للوراء، ولا نكوص عن ثورة الحرية والكرامة، ولا ملجأ للشعب السوري بعد الله ، إلا وطنه الحر الكريم الخالي من آل الأسد ومن والاهم، وطننا سورية وطن الحضارات، ووطن الديانات السماوية كلها، كانت كذلك وسوف تبقى، إلى أن تعود لسورية بهجتها التي خطفها منها آل الأسد المجرمين منذ عام 1970 على يد المقبور حافظ الأسد، وتابع ابنه من بعده سياسات القتل وكم الأفواه، ومع ذلك ومع كل حصل في سورية وإدلب اليوم فإن سورية ستبقى بشعبها العظيم طريقًا للخلاص من كل عادٍ ومن كل طاغية، يرونه بعيدًا ونراه قريبًا.
المصدر: المدار نت