بشير البكر
كانت نتائج المواجهة العسكرية أخيرا بين القوات التركية وقوات النظام السوري كبيرة، وغير مسبوقة، لجهة أعداد القتلى والجرحى من الطرفين. وكان من الواضح أنها رسالة دموية من الروس، ولا يشكّل النظام السوري فيها أكثر من أداة. جاءت الرسالة، بعد أن وصلت قناة الحوار الثنائي إلى طريق شبه مسدود. ومعنى ذلك أن الطرف الروسي بدأ يستنفد أوراق الضغط الدبلوماسية والسياسية على تركيا، ولهذا لجأ إلى القوة العسكرية بالوساطة. والدليل على ذلك أن الروس تبرّعوا لتغطية النظام، وتقديم روايةٍ تحمّل تركيا مسؤولية العدوان من النظام على القوات التركية، ما يعني تجاوز روحية التفاهمات الروسية التركية منذ اعتذار أنقرة في يونيو/ حزيران 2016 عن إسقاط الطائرة الحربية الروسية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، والذي تلاه تخفيفٌ كبيرٌ للتوتر، وتطبيع للعلاقات وتطويرها إلى حد بدت في العام الأخير وكأنها سارت على طريق استراتيجي.
لم تكن العلاقة التي جمعت بين الرئيسين، التركي أردوغان والروسي بوتين، بعد حادث سقوط الطائرة سهلة على الإطلاق، وهي من النوع المعقد جدا الذي يحتاج إلى دراية ورعاية ومتابعة يومية، والعنصر الأساسي الذي يشكل عامل الشد والجذب فيها هو سورية، فالرئيس بوتين يتعامل مع تدخله في سورية على أنه شأن روسي استراتيجي، ولذلك لا يقبل القسمة أو الخسارة والتراجع، بينما تحكم علاقات أردوغان بالشأن السوري جملة معادلات معقدة، منها على الخصوص وجود ما يفوق أربعة ملايين مهجر سوري، نصفهم دخل تركيا هربا من العمليات العسكرية الروسية. وهناك مرشّحون جدد يصلون إلى هذا الرقم في محافظة إدلب. والملف الثاني هو النواحي الأمنية التي يلخصها الوضع الكردي في شرق الفرات. بالإضافة إلى ملف الفصائل السورية المسلحة التي تتلقى الدعم العسكري والسياسي من تركيا.
ومن الثابت، والذي لا يقبل الشك، أن تركيا راعت الروس كثيرا خلال السنوات الأخيرة فيما يتعلق بإدارة الملف السوري، وتعتبر، بحساب الربح والخسارة، الخاسر الوحيد حتى الآن. وإذا أخذنا ملف مناطق خفض التصعيد وحده نجد أن تركيا، بوصفها ضامنا للاتفاق، تعرّضت للخيانة من روسيا التي لم تحترم الاتفاق نهائيا، وأخذت بالقوة، حتى الآن، المناطق الثلاث الأولى، في ريف حمص، وريف دمشق، ودرعا، وهي في الطريق إلى بسط نفوذها على المنطقة الأخيرة في إدلب. ولدى طرح السؤال: ماذا كسبت تركيا مقابل التنازل للروس عن دورها ضامنا؟ لا أحد يستطيع أن يقدّم إجابة شافية، وهنا مربط الفرس. وقد صار هذا السؤال يتردّد بالقوة في الأيام الأخيرة في الأوساط الدولية، حتى أن المبعوث الأميركي إلى سورية، جيمس جيفري، تحدث عن الأمر صراحة قبل عدة أيام، وقال “لقد أوضحنا لأردوغان عدة مرّات أن جهوده لعقد صفقات مع الروس في شمال شرق سورية وشمال غرب سورية لن تجدي نفعا، وأنا بنفسي قلت له لا يمكنك الوثوق ببوتين… وهو بنفسه يرى نتائج ذلك الآن”.
وبالإضافة إلى هذا، بات السوريون الذين اتخذوا من تركيا حليفا أمام وضع حرج جدا، وهم لا يجدون أي تبريرٍ يقدّمونه لآلاف من المهجّرين قسريا من بيوتهم التي يدمرها الروس تحت بصر القوات التركية الموجودة في نقاط المراقبة. وتكمن العقدة هنا في أن عدة ملايين كانت تعوّل على تركيا، وتراهن عليها في وقف عمليات التهجير والتدمير المنهجي للعمران والبنى التحتية، ولكن تركيا تقف اليوم عاجزةً عن ردع روسيا أو مساعدة الفصائل من أجل وقف العدوان الروسي. وفي كل يوم يمر، يزداد هذا الملف سخونةً، ويكبر السؤال، ولا أحد يمتلك الإجابة. بل أكثر من ذلك، هناك قلق فعلي من دخول النظام مدينة إدلب، ومن بعد ذلك مناطق “درع الفرات” و”غصن الزيتون”.
المصدر: العربي الجديد