إبراهيم درويش
نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرا لمراسلها آدم تيلور قال فيه بينما تشهد واشنطن إجراءات محاكمة ترامب هناك كارثة إنسانية تتكشف فصولها في سوريا. الأزمة في إدلب والتي تهدد بأن تكون من بين الأسوأ في الحرب الأهلية التي امتدت تسع سنوات – وأنها قابلة لتصبح أسوأ.
وتحتوي إدلب التي تقع على الحدود السورية الشمال الغربية مع تركيا على آخر المناطق التي يسيطر عليها الثوار، ويحاول الرئيس الأسد أن يأخذها بالقوة الغاشمة.
وقالت الصحيفة إن تركيا التي تدعم الثوار المعارضين للأسد تقف ضد ذلك. وفي الأيام الأخيرة تحول التوتر إلى عنف. وقالت وزارة الدفاع التركية يوم الإثنين بأن 7 جنود أتراك ومدني تركي قتلوا في إدلب في القصف السوري.
وردا على ذلك شنت القوات التركية عملية قالت إنها قتلت فيها 76 جنديا سوريا. ويوم الأربعاء حذر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من المزيد من الأعمال الحربية إن لم تتراجع القوات السورية عن مواقع المراقبة التركية في إدلب. وحصل هذا الاشتباك بالقرب من بلدة سراقب.
وكتب سميح اديز في “المونيتور” بأن أردوغان قال في البرلمان في أنقرة بأنه إن لم تتراجع قوات النظام السوري “فإن تركيا ستضطر إلى السيطرة .. فتركيا وروسيا في الواقع في حالة حرب غير معلنة اليوم”. ولو وقعت حرب سورية تركية شاملة فستشكل فوضى جيو سياسية كاملة. فسوريا الأسد متحالفة مع إيران ودخول تركيا إلى إدلب تم بدعم من الطيران الروسي وهو ما وضع علاقة أردوغان بطهران وموسكو تحت مزيد من الضغط. وهناك أيضا حقيقة مزعجة أخرى وهي أن تركيا حليفة لأمريكا ويخزن فيها حوالي 50 قنبلة نووية أمريكية على بعد 250 ميلا من الحدود السورية. وهي أيضا عضوة في حلف شمال الأطلسي (ناتو) وهو ما يعني أن أمريكا وكندا وكثير من البلدان الأوروبية ملتزمة بحمايتها إن هي هوجمت.
ورغم كل هذا فأكبر تأثير للحرب الآن هو على المدنيين في إدلب، بمن فيهم الكثير من النساء والأطفال. فالحرب السورية امتدت لحوالي عقد من الزمان، وارتكبت خلالها جرائم وحصل نزوح جماعي ولكن بأي مقياس هذا الهروب من إدلب يأتي في ترتيب أعلى. وتقول المجموعات الحقوقية بأن ما لا يقل عن 150 ألف شخص فروا من بيوتهم على مدى الأسبوعين الماضيين، مما يوصل عدد النازحين منذ 1 كانون أول (ديسمبر) إلى 500 ألف. ويظهر فيديو من منطقة القصف زحمة السير للهروب من المنطقة القريبة من منطقة القصف.
ويصف الدكتور زاهر سحلول المشهد في تغريدة له تتضمن فيديو يظهر عملية النزوح فيقول: “لا، هذا ليس احتفالا بانتصار في لعبة كرة قدم ولكنه التدافع اليومي للعائلات السورية التي تحمل امتعتها على شاحنات وسيارات وتفر من المدن في جنوب إدلب في الظلام حتى لا يتم قصفهم خلال النهار من الطائرات الروسية”.
حالة اليأس والحرص على المغادرة مفهومة. فخلال الحرب كلها، فقوات النظام السوري وحليفتهم الروسية قامت متعمدة بضرب البنى التحتية المدنية في محاولتها للسيطرة على إدلب. وقالت ميشيل نان، رئيسة منظمة Care USA بأنه وقع 85 هجوما على مرافق عناية صحية في شمال سوريا في عام 2019 وأنه لحد الآن في 2020 يستمر هذا التوجه.
وقال ديفيد ميليباند، مدير منظمة انترناشونال ريسكيو كوميتي :”على مدى الشهرين الماضيين قتل ما يقارب 300 مدني نتيجة لتكثيف القتال في شمال غرب سوريا .. وإن استمر هذا العنف، فإن حوالي 800 ألف شخص في مرمى النار لن يكون أمامهم خيارات كثيرة لأمنهم”.
وأثبتت التحقيقات بأن الغارات الجوية السورية استهدفت بشكل متعمد المستشفيات السورية العام الماضي. وقد لا يكون هناك تغيرا عن هذا الطريق، وذكرت “بلومبيرغ نيوز” في تقرير لها هذا الأسبوع بأن موسكو كانت قادرة على استخدام نفوذها في الأمم المتحدة لوقف تحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا.
ومع ذلك فعلى الحكومات الأجنبية الاعتناء بما يحصل في إدلب. فقد رأى العالم الآثار التي قد تتسبب بها كارثة إنسانية في سوريا. فقد فر من البلد أكثر من 5.6 مليون لاجئ منذ بدأت الحرب. وتستضيف تركيا الملايين منهم وتأمل أن ينقصوا لا أن يزيدوا.
وقال فخر الدين التون، مدير الاتصالات في للحكومة التركية في تغريدة له هذا الأسبوع: “وجود تركيا في شمال سوريا يشكل هو الحاجز الوحيد أمام أزمة إنسانية أخرى.. لقد سمح حلفاؤنا الغربيون لهذه الأزمة أن تتفاقم لفترة طويلة جدا. ويعيرون الاهتمام فقط عندما يشعرون بالتهديد من تدفق اللاجئين”.
وبالنسبة للكثيرين فإن الخيار الأفضل هي الدعم المؤقت لأنقرة. وكان وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو قد أصدر بيانا هذا الأسبوع قال فيه إن أمريكا تقف خلف تركيا وأشار إلى كونها حليف للناتو. وفي تغريدة لمجلس الأمن الأمريكي القومي جاء: “يجب على نظام الأسد وروسيا وإيران وحزب الله أن يوقفوا عدوانهم في شمال غرب سوريا واستهداف المدنيين في ادلب. وكان الهجوم على القوات التركية هو آخر عنف وحشي في سوريا تقوم به هذه المجموعات.
ولكن العلاقة العسكرية بين تركيا وأمريكا متضررة بشكل كبير. وقبل عدة أشهر فقط قامت أمريكا بشجب تركيا لتحركاتها في سوريا ضد القوات الكردية. ونقلت رويترز يوم الأربعاء بأن أمريكا أوقفت برنامج الاستخبارات العسكرية السري مع تركيا في شهر تشرين أول (أكتوبر) بعد الاجتياح التركي لشمال سوريا.
ووقع الاجتياح بعد أن أعلن الرئيس ترامب بشكل غير متوقع بأن القوات الأمريكية في سوريا ستغادر. ومع أنه لم يتم تنفيذ ذلك الوعد، إلا أن سوريا ليست على سلم أولويات الإدارة: وفي خطاب حالة الاتحاد يوم الثلاثاء لم يشر إليها إلا في سياق زعيم تنظيم الدولة المقتول، أبو بكر البغدادي.
وكان يأمل ترامب أن يغسل يديه من سورية، ولكن أزمة إدلب تشير إلى أنه لن يكون الأمر بتلك السهولة.
المصدر: القدس العربي