العلاقات الفلسطينية السورية على الصعيد الرسمي، بين الفصائل الفلسطينية والنظام السوري، تبدو أكثر وضوحا في تجلياتها السياسية وخطوطها العامة، باعتبارها علاقة صراع وتنابذ منها علاقات وحدة وتجاذب، في مسار تاريخي طويل نسبيا ، بدت معه محاولات الاخضاع والاحتواء المستمرة من جانب النظام السوري هي القانون الذي يحكم تلك العلاقة، فمنذ بواكير انطلاقة العمل الفلسطيني المسلح مع انطلاقة حركة فتح في الأول من كانون الثاني عام 1965 حاول نظام البعث وتحت عناوين وحدوية، فرض الموالين من عناصر فلسطينية وممن كانوا ينتمون الى الجيش السوري كضباط او كبعثيين على قيادة حركة فتح مثل الضابط أحمد جبريل او الضابط يوسف عرابي وآخرين ، لقبولهم في لجنتها المركزية في محاولات للامساك بالقرار وبشكل مبكر داخل حركة فتح ، ومشترطا قبول هؤلاء في موقع القيادة مقابل الدعم العسكري اللوجستي لحركة فتح ، ومع توقيع ياسر عرفات مع رئيس هيئة الأركان السورية حينها أحمد سويدان اتفاقا يفضي بوحدة تلك الفصائل معبرا عنها بجبهة التحرير الفلسطينية ، والجبهة الثورية لتحرير فلسطين؛. ولكن ردة فعل قيادة فتح المركزية كانت تعبر عن نوع من الرفض الضمني لهذه الخطوة فقامت بتوسعة اللجنة المركزية لحركة فتح لمنع الاخلال بموازين القوى، ولكن تفاعل الاحداث بشكل سريع ومعقد أفضى معه حادث مقتل يوسف عرابي عام 1966 في منزل ياسر عرفات في دمشق الى اعتقال اللجنة المركزية لحركة فتح والتحفظ على ياسر عرفات قرابة الثلاثة أشهر وإطلاق سراحه بعد ادانة أحد أعضاء اللجنة المركزية بالقتل وهو عبد المجيد زغموت الذي قضى وهو في السجن عام 1999 في أحد سجون النظام في دمشق.
ولم تتوقف محاولات النظام السوري عن اخضاع الحركة الوطنية لنفوذه حيث لم يستطع تنفيذ مخططه داخل حركة فتح فعمد الى محاولة خلق فصائل موالية له بالكامل فوقف وراء انشقاق احمد جبريل عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وكذلك وقف وراء تأسيس منظمة بعثية عسكرية سميت بطلائع حرب التحرير الشعبية -قوات الصاعقة – وكانت موالية تماما لنظام البعث.
وبغض النظر عن الظروف التي أدت الى اعتقال النظام السوري للدكتور جورج حبش عام 1968 ولمدة عام كامل، ما أدى الى استغلال نايف حواتمة للظروف التي كانت تمر بها الجبهة فعمل على شق صفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الذي لم يكن النظام السوري بعيدا عنها.
اذ كان يبدو واضحا من خلال تلك الاحداث ان نظام البعث حاول منذ الأيام الأولى لانطلاقة حركة المقاومة الفلسطينية ان يعبث بتركيبتها ويساهم في خلق كيانات تابعة له. للاستحواذ على القرار السياسي بداخلها.
وبعد انقلاب حافظ الأسد على رفاقه في حزب البعث، بدأت تأخذ سياسات النظام اتجاه الثورة الفلسطينية أبعادا أكثر خطورة وذكاء في إطار سعيه لجعل القضية الفلسطينية ورقة في جيبه يتلاعب بها كيف يشاء، مستفيدا من الظروف التي واكبت هزيمة الثورة الفلسطينية في الأردن، إثر مجازر أيلول الأسود.
ولم يسمح النظام البعثي للفدائيين الفلسطينيين ان يستقروا على أرض الشام فعمل على تحجيم وجودهم وتقنينه بشكل لا يسمح باستخدام الأراضي السورية للقيام بعمليات فدائية ضد إسرائيل، ولم يكن من خيار امام فصائل الثورة الا الانتقال الى الساحة اللبنانية، وحيث أقصى ما استطاعت الفصائل الحفاظ عليه في الأراضي السورية هو بضعة معسكرات تدريب وبعض المستودعات والمكاتب الرسمية.
ومع تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية بقرار قمة عربية عام 1964 في القاهرة، بدأت الأنظمة العربية مستغلة قرار الجامعة العربية بتأسيس وحدات عسكرية نظامية تسمى جيش التحرير الفلسطيني وكل منها قد أتبع تلك الوحدات القائمة على أراضيه لهيئة اركان جيشه حتى تماهت تماما مع تلك الجيوش وتم حل بعضها.
وحافظ النظام السوري على ما يسمى بجيش التحرير الفلسطيني كوحدة تابعة لهيئة اركانه، وكانت بنية ذلك الجيش شبيهة تماما بوحدات الجيش السوري النظامي بإمكانيات اقل بكثير من حيث التسليح والعدد ويعلم جميع العارفين بتركيبة ذلك الجيش ماهيته، فانهم قد خبروا اساليبه الحقيرة اثناء خدمتهم الإلزامية وعمله على ابعادهم عن أي نشاط سياسي وطني وتحويلهم الى مجرد ارقام تكرر ما يقوله المسؤولون الرسميون، وامتصاص طاقتهم الشابة وتوظيفها في غير مكانها الصحيح ،حيث كانت تهمة انتماء أي شخص الى احد الفصائل غير الموالية للنظام تدخله في المتاعب وحتى الاعتقال، وبالخلاصة لم تكن تلك الوحدات من جيش التحرير الفلسطيني الا وحدات تافهة وهزيلة وملحقة بوحدات جيش النظام تنفذ سياساته ومآربه ،ولا غرو ان هذه التركيبة قد شاركت في جرائم قمع وقتل الشعب السوري الثائر في قراه ومدنه فهذا الجيش اعد أصلا للقيام بهذه المهام القذرة ولا علاقة له بأية ابعاد قومية او وطنية حيث استمر هذا الوضع المتعلق بهذا الجيش منذ تأسيسه وحتى يومنا هذا.
وفي سياق هذه النظرة السريعة الى العلاقات الفلسطينية السورية نجد ان النظام السوري لطالما حرص على تمثيل الفصائل الموالية له في الأطر العليا لمنظمة التحرير الفلسطينية لضمان سيطرته وتأثيره على قرارات المنظمة والتي كانت تجهد قياداتها للاستقلال عن تأثيرات الوضع العربي الرسمي الامر الذي لم تستطع إنجازه في اية مرحلة من المراحل. ولم تكن النتائج الكبيرة والكارثية التي افرزتها حربي 1967 و1973 قليلة التأثير على الوضع الفلسطيني لجهة اضعافه واخضاعه للوضع العربي الرسمي فمع طرح مشروع روجرز الامريكي بعد مجازر أيلول الأسود اضافة لقرارات مجلس الامن 242 و338 والنتائج التي افرزاها ووفاة الزعيم جمال عبد الناصر وبعدها خروج مصر من خندق الصراع مع الكيان الصهيوني إثر اتفاقات وقف إطلاق النار عام 73 ما أضعف الى حد بعيد الثورة الفلسطينية وجعلها أكثر عرضة للضغوط العربية مما فاقم تخلخل أوضاعها الداخلية وتتالي الانقسامات بداخلها.
فعلى ضوء نتائج حرب 73 وطرح برنامج النقاط العشر ذهب ياسر عرفات الى الامم المتحدة في نيسان 74، وشهدت الساحة الفلسطينية أولى الانقسامات الكبيرة في صفوفها بعد تبني المجلس الوطني الثاني عشر للبرنامج المرحلي وظهرت الى العلن اول مرة ما سمي حينه جبهة الرفض الفلسطينية والتي كانت تضم بين فصائها عددا من الفصائل الموالية للنظام السوري ولاشك ان وصول ياسر عرفات الى الأمم المتحدة وتفويض الجامعة العربية لمنظمة التحرير باعتبارها ممثلا شرعيا للشعب الفلسطيني قد اقلق النظام السوري الى حد بعيد علما ان النظام السوري كغيره من الأنظمة العربية ، شارك في صياغة تلك القرارات التي تتحلل من عبء القضية الفلسطينية وتلقي بثقلها على كاهل منظمة التحرير وحدها ، ولم يكن انتقال قواعد الثورة الفلسطينية الى لبنان ليبعدها عن محاولات النظام السوري لإخضاعها ومصادرة قراراتها ففي الوقت الذي بدأت فيه إسرائيل بتحريك ادواتها الفاشية في لبنان ضد الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية انحاز حافظ الأسد مع كثير من الخداع والمناورة الى جبهة القوى الانعزالية، في القتال الذي دار هناك وبغطاء أمريكي ورسمي عربي دخلت القوات السورية الى لبنان تحت اسم قوات الردع العربية واشتبكت مع قوى الثورة الفلسطينية وحلفائها ما اسفر عن دفع الفلسطينيين واللبنانيين اثمانا باهظة لذلك التدخل وكانت مجازر تل الزعتر التي قامت بها القوى الفاشية والانعزالية بدعم سياسي وعسكري من النظام السوري وسرعان ما اغتيل الزعيم الوطني كمال جنبلاط عميد الحركة الوطنية اللبنانية على يد جلاوزة النظام هناك. وفي هذه الاثناء قام احمد جبريل ومعه زهير محسن في محاولة تبرأة نظام الاجرام من تلك المجازر المروعة مما ادى الى انشقاق جبهة التحرير الفلسطينية عن احمد جبريل وهذا ما ادى بعد حين الى اعتقال كافة الاعضاء المنشقين عن جبريل في كافة الاراضي السورية واللبنانية، وبينما اتخذت إسرائيل من عملية دلال المغربي ذريعة لاجتياحها جنوب لبنان وإقامة حزام امني عازل بقيادة العميل سعد حداد ؛ لم تحرك قوات النظام السوري ساكنا وهي تراقب العدوان الصهيوني على قوات الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية في جنوب لبنان وبينما بدا النظام في إقامة علاقات مع مواليين لبنانيين وتعيينهم في مناصب رفيعة في لبنان بحيث بات يتحكم في كل شيء هادفا الى مد سيطرته والاستحواذ على لبنان بكل مقدراته ؛في حين استمر العدو الصهيوني باعتداءاته المتكررة على لبنان، كانت قوات النظام السوري تنعم بالراحة والهدوء ودون اية اضرار تذكر من جراء ذلك, وواصل العدو اعتداءاته وصولا الى اجتياح لبنان بأكمله ومحاصرة قوات الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية في بيروت ،أرغم النظام على عدد محدود من المعارك البرية أدت الى خروج قواته من المعركة بينما احتل العدو جنوب لبنان بأكمله وأخرج قوات الثورة الفلسطينية من بيروت الى المنافي .
وعلى ضوء تلك الهزيمة التي أخرجت غالبية قوات الثورة من لبنان راح النظام يبذل جهده في منع عودتها الى الساحة اللبنانية وعلاوة على ذلك راح يحضر لشق أكبر فصائلها وهي حركة فتح بادعاء ان قيادة تلك الحركة قد هزمت وينبغي استبدالها فكان الانشقاق الأكبر الذي عرفته الساحة الفلسطينية عام 83 وهو الانشقاق الذي أسس لانقسامات فلسطينية طال أمدها ولازالت مستمرة حتى الان، ومن ذلك نجد أن ديدن النظام السوري كان على الدوام هو اضعاف الثورة الفلسطينية وتفكيكها، أما بالنسبة الى لبنان فاستمر عمله للاستحواذ على كامل لبنان ،وعمل على الاعتماد على قوى محلية طائفية ومنها حركة أمل الشيعية بعد أن خذلته القوى المارونية التي كان يتحالف معها والتي تحالفت مع إسرائيل ،في محاولة لإعادة التوازن لسيطرته على الحكومة اللبنانية واستمر في دعم حركة أمل وتقويتها ومد نفوذها على كامل الأراضي اللبنانية بما فيها بيروت والمخيمات، ومن غرائب الصدف ان مجلس النواب اللبناني الذي انتخب حكومة الفاشي بشير الجميل هو نفسه الذي صوت لإسقاط اتفاق 17ايار بينما راحت حركة امل الطائفية الشيعية الموالية تحضر لحصار المخيمات والتي كانت خارجة للتو من مجازر ارهابية مفزعة تقول شهادات المجرمين الفاشست الذين نفذوها ان النظام السوري كان على علم بها وقد تحالف لاحقا مع من نفذوها ايلي حبيقة واخرين، و سرعان ما حاصرت حركة امل مخيمات بيروت وصيدا وصور واستمر القتال بين المخيمات وبين حركة أمل المدعومة من النظام السوري طيلة عامي 86 و 87 التي لم تستطع اخضاعها رغم الحصار الطويل والجرائم والمجازر المرتكبة بحق شعبنا هناك .فبينما كان يحظر عل أي فلسطيني في لبنان حمل السلاح بما فيها القوى الموالية للنظام السوري الا بما يخدم أجندته ذهب الى أقصى مدى في دعم الأطراف الطائفية الشيعية اللبنانية للسيطرة على مسار الاحداث في لبنان تحت حجة ان المقاومة في لبنان يجب ان تكون لبنانية صرفة لتبرير تفردها في حمل السلاح خدمة لأجندته، في الوقت ذاته قامت تلك القوى الطائفية بتصفية اطراف حركة المقاومة الوطنية اللبنانية والتي كان لها شرف الريادة في القتال ضد العدو واخراجه من بيروت والبقاع وصولا الى الحزام الأمني في الجنوب .
وبينما تمكنت القوى الطائفية في لبنان من إزاحة القوى الفلسطينية وجبهة المقاومة اللبنانية من ساحة المعركة مع العدو الصهيوني حصرت اعمال المقاومة في لبنان باسم المقاومة الإسلامية في لبنان التي تكونت من حزب الله وحركة امل المدعومين من النظام السوري والنظام الإيراني فحتى فتح الانتفاضة والقيادة العامة والصاعقة وهي من كبريات الفصائل الموالية للنظام السوري حرمت من المشاركة في أي تواجد عسكري أو احتكاك عسكري مع العدو الصهيوني سواء من جبهة جنوب لبنان او الجولان او أي موقع اخر حتى لو كان عن بعد.
ومع بدء انتفاضة شعبنا الفلسطيني داخل الوطن المحتل أسدل الستار على مرحلة من مراحل العلاقة الفلسطينية مع النظام السوري وبدأت مرحة جديدة ولعل هذه العجالة لا تفي هذا الموضوع حقه ولكني آثرت ابراز أكثر المحطات الاكثر أهمية في سياق محاولات النظام السوري لفرض الاخضاع والوصاية والتبعية على فصائل الثورة الفلسطينية.