لا ليس الاستقلال الوطني في أي وطن كان، يمكن أن يحيا بجناح واحد، بل إنه لا يعيش إلا بجناحيه الاثنين، ولا ينعم بالراحة دون حرية الوطن أولاً وحرية المواطن ثانيًا، ولقد كان الاستبداد والطغيان حالة بشعة وفاقعة من حالات عدم الاستقلال، إذ لا تتساوق حرية الأوطان من المستعمر أو المحتل الكولونيالي، بعيدًا عن الحرية السياسية للناس، وكذلك الحرية الاجتماعية بكل ما تعنيه من بنود وتقسيمات وعيوية مطابقة للمعطى الإنساني أولًا والوطني ثانيًا.
ثم من قال إن الاستقلال هو جلاء المستعمر فقط عن أرض الوطن، ومن قال إن حرية المواطن ليس لها علاقة بالاستقلال الحقيقي، وبالتالي والضرورة فإن إزاحة الطغم الحاكمة وكنس الاستبداد هي أولوية من أهم الأولويات للحياة البشرية، على طريق تحقيق الاستقلال الحقيقي والناجز.
من هنا فإن سورية اليوم وهي تحتفي بعيد الجلاء جلاء المستعمر الفرنسي عن أراضيها، يوم خرج الاستعمار الفرنسي في 16 نيسان/ ابريل 1946،تحاول أن تعيش حالة الاستقلال الحقيقي، فإنها تعود الكرة لتبني رؤاها الوطنية على أسس جديدة، عاشتها وتعيشها، مفادها أن الاستعمار الفرنسي رحل حاملًا عصاه، لكن النظم الاستبدادية التي تواكبت بعده على نهب الوطن، ولجم الحريات، وإلغاء السياسة من المجتمع برمته، أعادت مسألة الاستقلال إلى المربع الأول، فعاش السوري، في سياق حيوات مجتمعية ووطنية بعد ذلك، خلا بعض المراحل البسيطة من حياة الوطن السوري، في أتون معاناة مع الاستبداد المشرقي الذي تكلل مع آل الأسد منذ 16 تشرين ثاني/نوفمبر 1970 مع الأسد الأب وحتى يومنا هذا، في حالة افتراق كلي مع كل ما يمت للاستقلال بصلة، وهو عاش ويعيش أسوأ حالات استلاب الانسان السوري وحريته، بما يتجاوز كل مراحل الاحتلال الاستعماري، و يتخطى كل الحالات الوطنية التي سبقت، حتى بات الوطن السوري وكأنه في بداية الطريق من أجل الحرية والاستقلال الحقيقي، الذي من الممكن أن يكون ناجزًا ، وهو ما حاول كل سوري العمل عليه وضحى بما يزيد عن مليون شهيد من أجل حريته واستقلاله، منذ أواسط آذار / مارس 2011 وحتى يومنا هذا.
في دولة الاستبداد والطغيان لا مكان أبدًا للمجتمع المدني الحر، ولا مكان لسيادة القانون، ولاوجود على الاطلاق لأجواء دستورية، بل من تقود المجتمعات كانت وعلى الدوام قطعان من الشبيحة، ومجموعات من العصابات التي لا تدرك إلا ما يؤدي إلى استمرار تغول السلطة الطائفية الحاكمة على كل مفاصل المجتمع، وهو ما دعاها دائمًا إلى زج الثوار والأحرار والمعارضين في السجون، وقتل الشعب السوري بالكيماوي تارة والبراميل والصواريخ تارة أخرى.
حتى بات المجتمع السوري ضمن هذه الأنساق، بعيدًا كل البعد عن الوطن الحر المستقل، وراح يمارس العبث بكل البنى الاقتصادية، لتكون ديدن السلطة / العصابة الأسدية التي ما برحت تبيع ما تبقى من وطن للغادي والصادي، من روس وإيرانيين وما يشبههم. أو يتساوق معهم.
لقد انهار الوطن كبنية تحتية واقتصاد زراعي وصناعي وتجاري، وأيضًا بيعت كل الثروات، وأصبحت الليرة السورية بلا أية قيمة، وأضحى المواطن السوري يركض وراء لقمة العيش بلا وصول إلى أي طريق للخلاص. ليتعدى سعر غرام الذهب ولأول مرة في تاريخ سورية عيار 21 قيراطاً 60 ألف ليرة سورية، مرتفعاً بنحو ألف ليرة عن سعره قبل يومين فقط.
وبات النظام السوري عاجزًا بشكل كبير عن المواجهة الفعلية والممكنة لوباء وجائحة فيروس كورونا المعولمة، لتسجل الليرة السورية أمس نحو 1330 ليرة سورية أمام الدولار، مع تعاظم المخاوف من التهاوي المستمرة، مع استمرار حالات النهب المنظم التي تقوم بها أجهزة السلطة وهي مازالت تعتش على جيوب المواطنين والنهب منها وعبرها، من خلال ما يسمى البطاقة الذكية التي باتت وسيلة مشرعنة للاستمرار بالنهب السلطوي الأسدي ومتنفذيه وأزلامه.
لقد أكد مركز دمشق للأبحاث والدراسات “مداد”، أن استمرار توقف عجلة النشاط الاقتصادي سيُدخل الاقتصاد المحلي بحلقة انكماش حاد، وستنتج عنه نتائج سياسية واقتصادية واجتماعية مربكة على الدولة والمجتمع ولا يمكن ضبط مفاعيلها.
ويرى المراقبون والمتابعون للأوضاع في سورية، أن مسألة الاستقلال والاحتفاء والاهتمام به لم تكن أصلًا من مهام سلطة الدور الوظيفي التي مشى فيها حافظ الأسد ومن بعده ابنه الوريث بشار الأسد، فما بالنا اليوم وبعد كل الذي جرى عبر سنوات تسع مضت، إذ لم يبق فيها أيًا من شذاذ الآفاق إلا ووطئت قدماه النجستين أرض سورية، عبر استقدام مبرمج وممنهج من نظام أسدي باع كل سيادة مدَّعاة من أجل استمراره في السلطة والحكم، وشعاره كا ومازال الأسد أو نحرق البلد. ومع ذلك فإن الشعب السوري وكل قوى الثورة، ثورة الحرية والكرامة، التي انطلقت لكنس الاحتلال الأسدي، وجلاء المستعمر الداخلي المستبد والطاغية المتحكم في البلاد والعباد، مازال يرفع الراية، ومازال في حالة إصرار لا ينقطع، حتى تحقيق الوطن السوري الحر الكريم الخالي من آل الأسد ومن كل الطغاة وأهل الاستبداد، ولإقامة دولة المواطنة وسيادة القانون، ولإقامة دستور جديد لسورية ، ينهي حالة التغول الأمني والدولة الأمنية بقضها وقضيضها، على مجمل مفاصل المجتمع السوري، نحو بناء عقد اجتماعي وطني جامع لا يستثني أحدًا، ويقيم علاقات عالمية يعمها الاحترام المتبادل دون التبعية لأي دولة أو قبول أية هيمنة مهما كانت .
المصدر: موقع ملتقى العروبيين