د- زكريا ملاحفجي
ما إن عصفت جائحة كورونا، وأصبح العالم كمن يقف على ساق واحدة، يخشى السقوط أو التعثر، إلا وبادرت الدول للاستجابة لمواجهة الوباء مستنفرةً كل مؤسسات الدولة وعلى رأسها وزارتي الصحة والداخلية، واختلفت الاستجابة التي قدمتها الدول للمواجهة ، واضعة بحسابها القدرة الطبية والاقتصادية لها، فما بعد كورونا ليس كما قبلها ، والدول التي ستنجح في المواجهة وتبقى متماسكة اقتصادياً وأمنياً وتكون قادرة على ضبط الحالة والانتشار والتعامل معها فسوف تكون أكبر من الوباء ويبقى الوباء تحت السيطرة ، فهذه الدول ستكون أقوى من الدول التي كان الوباء أكبر منها واجتاحها بشكل عنيف ولم تقدر على الضبط والسيطرة ، فالعالم اليوم وفي ظل تهاوي أسعار النفط ليصبح متقارب مع تكلفة استخراجه، وبات يتعين على الدول في هذه الحرب غير التقليدية والفتاكة بغير سلاح أن تفتح مدخراتها ومخزونها الاحتياطي، وتُبقى بعض الحراك والنشاط الاقتصادي بالوضع الأدنى كي لا تتعطل الحياة بالمطلق وخلق موازنة بين حماية الناس واستمرار حياتهم وحاجاتهم.
من خلال مراقبة ومتابعة يومية نرى ونقارن ، فقد سلكت تركيا أسلوبًا للمواجهة بحالة حجر غير شديدة بل متوسطة لكنها تحت المراقبة الدقيقة فلم يفرض حظر تجوال كلي كامل وقاسي ويصبح التضرر كبير على الناس من ذوي الدخل المحدود، وإنما الحظر كان في الولايات التي فيها إصابات ومنع التجوال فيما بينها ومراقبة المنافذ للدخول والخروج لكل ولاية، والولايات غير المصابة تحت المراقبة الشديدة، علماً بأن تركيا من الدول الرئيسة في العالم التي تستقبل سائحين ومفتوحة بشكل كبير على العالم، فتم إيقاف كل ذلك بشكل متدرج وسريع، ونتيجة قرار حظر التجوال الأول الذي فرض بيومي العطلة للولايات المصابة، وقد كان القرار قبل ساعات من الموعد فأبدى وزير الداخلية مسؤوليته عما حصل بطريقة اتخاذ القرار وقدم استقالته وقد رُفضت من قبل رئيس الجمهورية، ومن تعبير الشعب نفسه أيضاً، فضلاً عن المبادرة المادية التي أُطلقت بشكل رسمي لمساعدة المتضررين، وتأمين حاجات كبار السن عقب منعهم من الخروج من خلال رقم خصصته البلدية لكل ولاية، وتأمين الكمامات والمعقمات بشكل مجاني ومتاح بالأسواق بأسعاره الطبيعية ، طبعاً بهذه الأثناء وهذه الأجواء نتابع كلنا الكيفية التي تعامل بها النظام السوري مع الوباء ابتداء من تكذيبه للإصابة والحالات المنتشرة في البلاد والتي توفيت نتيجة الإصابة عدد من الحالات وتم تسجيلها على أن الوفاة كانت بذات الرئة ! كما كان يُسجل سبب وفيات من يعذبهم النظام، وسبب إخفاء النظام بادئ الأمر لأنه أول ما ستتضرر لديه المؤسسة العسكرية التي تعصف بالبشر قتلاً وتشريداً لتكون مرضًا أخطر من كورونا على الشعب السوري، ثم تصريحه عن الإصابات لأنه لم يعد بالمقدور إخفاء الحالات وبسبب الرغبة بطلب المعونات الدولية، وعلى الطرف المقابل بقيت لغاية اليوم مناطق المعارضة بلا إصابات تسجل لأنها أصلاً داخل حَجر لا يدخل إليها أحد سوى العاملين بالنشاط الإنساني، واستراح الناس من القصف والهجوم العسكري بظل القلق الذي سببه الوباء في المؤسسات العسكرية التي لا يمكن فرض حجر أو تباعد اجتماعي لدى قوى النظام وحلفاؤه، وقد ألجأ النظام الناس بحجر نصف يوم في مناطق سيطرته، لكن ما الفائدة منها إذا كانت الناس تجتمع طوابير وتتدافع على مواد الحياة الأساسية الشحيحة وكذلك البلاد مفتوحة للصادي والغادي من الإيرانيين حيث إيران بؤرة للجائحة، وبهذا الحرمان والبؤس الذي يعيشه الشعب يعيش على الضفة الأخرى بنفس البلد البائسة حيث الأسد المجرم المترف يشتري لزوجته لوحة بقيمة ثلاثين مليون دولار .!!
لتقفز المقارنة مرة أخرى للرؤوس بين رؤساء لا ينامون ويتبرعون برواتبهم للمتضررين وبين آخر يعيش وكأن بلاده في النعيم!!
لم يكترث السوريون داخل سورية كثيراً بالوباء فالأسد وباء أخطر من كورونا بل أثبت السوريون تفاني إنساني في دول العالم كأطباء وممرضين ومتطوعين وضعوا أنفسهم في الدول التي هم فيها تحت الخدمة وتقديم المساعدة للمصابين لأنهم عانوا الحرب الفتاكة العنيفة طيلة قرابة عشرة سنوات وبخذلان كبير دولي لم يستطع فيه أحد أن يضمد جراحهم وينهي مأساتهم فالأطباء الذين توفوا وهم يقوموا بمساعدة الناس في إيطاليا وإسبانيا وأميركا وتركيا والسعودية وهم يقومون بواجب دافعه إنساني، وكذلك المبادرة الشبابية التي أطلقها شباب سوريون في سويسرا لتأمين الحاجات لكبار السن ومبادرة الأطباء السوريين المتطوعين في مدينة غازي عنتاب التركية ليقفوا مع الدول المضيفة لهم في مواجهة هذه الجائحة التي اقتربت من الذروة في تركيا ويبدوا أنها تُؤْذن بالانصراف بزمن ليس ببعيد ونأمل أن تنقشع هذه الجائحة عن رئة العالم وينقشع معها فيروس أخطر من كورونا وهي فيروس الظلم والقتل والبغي الذي يمارسه القتلة على أجساد السوريين. سيزول كل ذلك ونأمل من الله زوالهم معاً في القريب العاجل.
المصدر: إشراق