آلاء العابد
يعيش الاتحاد الأوربي منذ انتشار ڤايروس كورونا، أول اختبار حقيقي لدول أعضائه، فبعد انتشار المرض أظهرت هذه الدول الأنانية في التعامل والقرصنة من أجل النجاة والبقاء واتباع سياسة احمِ نفسك بنفسك وعدم التعاون والتضامن فيما بينها.
فبعد انتشار وباء كورونا في مدينة ووهان الصينية انتقل بعدها الڤايروس لجميع أنحاء دول العالم بشكل تدريجي عن طريق المسافرين والشحن بشكل أكبر ليتم بعدها عزل الصين عن مختلف دول العالم.
في 13 مارس/آذار أعلنت منظمة الصحة العالمية بأن أوربا مركزاً لوباء ما يعرف ب ڤايروس كورونا وتصدرت دول الاتحاد الأوربي أعداد المصابين وكانت الحصة الأكبر لإيطاليا فتصدرت عدد الوفيات، ثم لحقتها اسبانيا والمانيا وفرنسا وإنكلترا من حيث عدد الإصابات.
ومع بداية انتشار الڤايروس ظهرت هشاشة التعاون بين أعضاء دول الاتحاد الأوربي فكانت البداية عندما استنجدت إيطاليا بألمانيا لاستيرادها أنابيب أوكسجين للمرضى لكن ألمانيا لم تستجب، وتم رفض الطلب الايطالي مما اضطر الأخيرة الى الاستيراد من الصين وطلب المساعدة منها من خلال إرسال خبراء طبيين إليهم واستجابت الصين بسبب تردي الأوضاع في إيطاليا بالرغم من انتشار المرض في الصين.
بعدها طالبت إيطاليا الاتحاد الأوربي بمساعدات طبية عاجلة لمواجهة الأزمة لكن اعتذرت جميع الدول واحتفظت كل دولة بمعداتها لنفسها.
وجاءت بعدها الأزمة الإيطالية – التشيكية عندما استحوذت التشيك على شحنة أقنعة ومواد طبية تتضمن أجهزة تنفس ومواد تعقيم كانت متجهة من الصين إلى إيطاليا.
بعد جميع هذه الحوادث عبر ناشطون وصحف إيطالية عن استياءهم من هذه المعاملة واصفين القارة العجوز بأوروبا الميتة وأوربا القبيحة وطالبوا عبر وسائل التواصل الاجتماعي بالانفصال عن الاتحاد الأوربي لاسيما اليمين المتطرف بسبب ترك هذه الدول إيطاليا وحيدة تلاقي مصيرها، وحجم الأنانية التي أظهرتها هذه الدول.
ومنذ بداية الأزمة بدا واضحًا من خلال تصريحات المسئولين الأوربيين أنه يجب على كل دولة حماية نفسها بنفسها وأن تعتمد على نفسها فقط، والاعتماد على قاعدة أنقذ نفسك بنفسك.
كشفت أزمة كورونا عن الخلل والنقص الكبير في الصناعة الدوائية وقدرة المستشفيات وعدم الاهتمام بالقطاع الصحي لبعض دول الاتحاد الأوربي وكانت بعض الدول تعتمد حتى في علاج مرضاها على مشافي ألمانية، وأشارت صحيفة لوفيغارو الفرنسية إلى أن الدول الأوربية ومعها الولايات المتحدة الأميركية لا أدوية لديهم سوى ما يستورد من الصين والهند!
وكانت مع الزمن وبسبب العولمة الاقتصادية أغلب هذه الدول معاملها في مكان آخر في العالم ومنها من أهملت هذه الدول الصناعة الدوائية بشكل تام، وبمعنى أنه لا يوجد دواء أو مواد طبية إلا من خلال الصين والهند والشركات لهم البعيدة عنهم، وإن لم تتمكن من التصدير فستكون هذه الدول أمام كوراث بشرية.
وقد أعلنت تركيا عن إرسال شحنة تحوي مساعدات طبية إلى ايطاليا وإسبانيا، أكثر الدول المتضررة من الوباء. وأعلنت بعدها عن إرسال مساعدات إلى عدد من الدول التي تضررت من الڤايروس منها بريطانيا واليونان وليبيا والصومال وفلسطين.
وبعيدًا عن القطاع الصحي فإن القطاع الاقتصادي كان أكثر تضرراً، وبالأخص اليورو فشهدنا في الأيام الأخيرة هبوط في مستوى اليورو واقترابه من الدولار، وقد حذر رئيس مجموعة اليورو (ماريو سنيتور) من تداعيات أزمة كورونا، وصرح أننا سنخرج جميعاً من هذه الأزمة محملين بديون كبيرة، وأضاف أنه هناك مقترحات وبعض الحلول للرد على هذه المرحلة ومنها إعطاء قروض لتحسين القطاع الصحي وتأمين السيولة لاستمرار الشركات وتعويض الأشخاص الذين فقدوا أعمالهم خلال هذه الفترة.
كما أعلنت إيطاليا وفرنسا وإسبانيا عن قروض ما تسمى مستندات الكورونا لمساعدة الدول الذين تعرضوا للڤايروس وكانت كل من البرتغال وهولندا وقفت ضد هذه التصريحات موضحين ذلك بأن اجتياز الحدود الأوربية لا تعني تشارك الديون وهذا لا نريده.
جميع هذه الأسباب أظهرت فوضى واضحة في دول الاتحاد الأوربي وانفراد كل دولة في دولتها والبعد عن التكامل، واًصبح هم كل دولة كيف تنأى بنفسها عن المرض والانهيار الاقتصادي من جهة وانعزال الدول مع تفاقم الأنانية من جهة أخرى، ومن جهة توطدت علاقات بعض الدول ببعضها من وقوفها بجانبها وتقديم المساعدة لها.
وبعيدًا عن الدول الكبرى فقد أظهر الوباء بشكل كبير مدى هشاشة الإنسان من جهة وكم أصبح مستهلكاً من جهة أخرى، حيث فقد معاني الحياة والانسانية في الأيام الأخيرة قبل انتشار الوباء فكان الإنسان لا يقاتل من أجل البقاء وإنما من أجل الرفاهية أما اليوم انعكست الأمور وأصبح الجميع يقاتل من أجل البقاء وتساوى الجميع الغني مع الفقير والضعيف مع القوي والحاكم و المحكوم جميعهم اليوم مهددون بالمرض والموت، فإن مرّت هذه الأزمة دون أن تجعل قلوبنا أرحم فإننا لم نتعلم منها شيئاً، وقد أظهرت الدول اليوم تسامحًا دينيًا لم يكن معهوداً من خلال السماح للمساجد بالأذان وإطلاق الحريات الدينية وخاصة للمسلمين هناك. وأخيراً هل سنشهد في الأيام القادمة تفككًا للاتحاد الأوربي؟ أم سنشهد تغييراً في البروتوكولات والاتفاقيات فيما بين دول الاتحاد؟ ماهي أسباب الحجم الكبير للخسائر البشرية والمادية وما الذي ستؤدي إليه هذه الخسائر فلا تزال مجهولة ولا أحد يعرف نهاية حقيقية لها؟! ومن الذي سوف ينجح في تقديم نفسه منقذاً للعالم ومن سيحافظ على المقدمة في القوة والقدرة والنفوذ وهل ستبقى الولايات المتحدة الأميركية أم الصين في هذا التنافس؟؟ كثير من الأمور ستتغير ونحن نلحظ إرهاصاتها بظل هذه الحرب العنيفة التي لم تدرك بلداً إلا ودخلته.
المصدر: إشراق