أحمد مظهر سعدو
يحاول النظام السوري ومعه روسيا وإيران بين الفينة والأخرى انتهاك واختراق وتقويض الهدنة الموقعة عبر البروتوكول الخاص بإدلب بين روسيا وتركيا في 5 آذار/مارس الفائت. ويعملون دائمًا على الترويج لادعاءات مقولة انتشار الإرهاب، وأن الحل لن يكون إلا بإعادة فتح المعركة من جديد، ومن ثم الهجوم على إدلب، من أجل ضمها إلى حظيرة بشار الأسد.
وقد أشارت بعض التقارير إلى أن روسيا تخطط للسيطرة على معبر «باب الهوى» الحدودي مع تركيا، بعد أن باتت قوات النظام السوري وميليشياته الطائفية على بعد 20 كيلومتراً فقط منه، عند الطريق الدولي دمشق – اللاذقية (إم 5)، وواقع الحال يشير إلى أن مخاوف سكان محافظة إدلب أضحت في تصاعد، جراء التعدي باستمرار على حيوات الناس وأرزاقهم، والقصف المتواتر على ريف إدلب (المحرر) خاصة بعد ما شهدته المنطقة برمتها من خلافات بين روسيا والدولة التركية سواء في الشأن الليبي، أو بما يخص شمال شرق سورية، من خلال بعض الاحتكاكات الواضحة ميدانيًا.
من هنا فقد انبرت صحيفة إشراق لسؤال بعض السياسيين والكتاب هل يرون أن هناك اشتغال مبيت من النظام وروسيا وإيران على تقويض الاتفاق وانهيار الهدنة. أم أن المسألة لا تتعدى مجرد خروقات هنا وهناك. وأن الهدنة باقية ومتينة؟
العقيد فايز الأسمر المحلل العسكري قال لإشراق: “بالتأكيد عندما تدخلت روسيا في نهاية أيلول/ سبتمبر 2015، بعد إيران وميليشياتها في الملف السوري إلى جانب نظام الأسد. سعت روسيا عسكريًا وسياسيًا من خلال الإجرام العسكري و15 فيتو ومؤامرات أستانة وسوتشي ومناطق تخفيف التصعيد المهزلة، إلى هدف واحد وهو وأد الثورة والعمل على إعادة كافة الأراضي الخارجة عن سيطرة النظام إليه وهذا ما نجحت فيه إلى حد كبير، في ظل تشتت المعارضة السياسية والعسكرية وفقدانها القرار الوطني والثوري. ناهيك عن تشتت الأهداف والفصائلية المقيتة والاختراقات الأمنية لها.” ثم أضاف ” إن روسيا وإيران وميليشياتها ومن خلفهم نظام الإجرام الأسدي لا عهد لهم ولا ميثاق وقد أُثبت ذلك في كل مناطق تخفيف التصعيد التي لم يحترموها وقضموها الواحدة تلو الأخرى (وادي بردى المعضمية والغوطة ودرعا وريف حمص الشمالي..).. وصولًا إلى قضم نصف مساحة منطقة تخفيف التصعيد الأخيرة في أرياف حماة الشمالي وإدلب الجنوبي والشرقي. وأتصور أن باقي مناطق إدلب ليست استثناءً طويلاً أو دائمًا، ولكن هناك متغيرات سياسية وميدانية قد تؤخر ذلك، ولكن لن تمنعه، وهي دخول الضامن التركي بقضه وقضيضه وإقامة عشرات نقاط المراقبة لهم في محيط إدلب، وهنا يبرز السؤال ما هو موقف الضامن التركي إن حاول النظام نقض الاتفاق وبدأ عملية اجتياح للمنطقة، وهل ستندلع مواجهة تركية مع النظام وما هو موقف روسيا ودورها إن تم ذلك.” ثم قال ” لا شك أيضًا أن التداخل في الاستراتيجيات في ملف ليبيا بين تركيا وروسيا، سيؤثر على ملف إدلب سلبًا. وهذا ما لاحظناه من قصف الطيران الروسي لمناطق درع الفرات في (الباب) للضغط على تركيا في ملف ليبيا وسرت والجفرة بعد الانتصارات الأخيرة لحكومة الوفاق ودحر الانقلابي حفتر المدعوم روسيًا، من طرابلس وبني الوليد وغيرها.
والآن لا يمكن الجزم بما سيؤول إليه ملف إدلب رغم أنني أرجح بقاء الاستنزافات والخروقات والتهديدات والحشودات، والحشودات المعاكسة التي تقوم بها جميع الأطراف لفترة من الزمن قبل اندلاع شرارة المواجهة الكبرى بين الجميع في إدلب ومحيطها.”
أما الكاتب المعارض منجد الباشا فقال لإشراق: ” لا أعتقد باحتمالات خرق الهدنة الموقعة بين الأتراك والروس في الخامس من شهر آذار/ مارس الماضي. إنما أتوقع أن هذه الخروقات الثانوية اليوم تبدو لي ليست سوى أداة من أدوات العمل العسكري التي تحمل رسائل ومدلولات. يمكن أن تكون موجهة إلى الجبهة الداخلية لهذه الأطراف أي الروسي والإيراني والنظام.
ويمكن أن تكون موجهة إلى الطرف التركي لتنفيذ ما هو مطلوب منه وخاصة بالنسبة لهيئة تحرير الشام. التي تفيد آخر المعلومات بأن الاتراك قد ينجحون قريبًا بتشكيل إطار موحد لجميع الفصائل العسكرية بما فيها هيئة تحرير الشام، تحت أمرتهم وبمسمى عسكري جديد.
كما يمكن القول إن هذه الخروقات تحمل رسائل لتحسين مواقع للطرف الروسي خاصة في العملية التفاوضية المزمع إطلاقها في الشهر القادم، بدءً باللجنة الدستورية المعلن عن عقد اجتماعها في الشهر القادم.” ثم أضاف ” إن كل ذلك إنما يجري وللأسف والثورة السورية في وضع لا تحسد عليه والشعب السوري أيضًا في وضع مذر ومحزن. لكن بالمقابل مازال البحث عن إدارة للثورة السورية وللشعب السوري قائم. ولابد أن يحقق هذا الشعب أهدافه التحررية والتوحيدية.”
فيما أشار الكاتب السوري المعارض مازن عدي إلى أنه يرى ” أن اتفاق الهدنة الموقع في ٥ آذار/مارس الماضي بين الطرفين الروسي والتركي مازال يحظى لديهما بالاحترام والالتزام من حيث المبدأ لأن مصلحتهما المشتركة تقضي بذلك، وبينهما مصالح اقتصادية إستراتيجية عميقة (حجم التبادل التجاري ٣٠ مليار دولار لعام ٢٠١٩). وجاء إنجازه بعد زمن طويل من التجربة المشتركة منذ أزمة الطائرة (نوفمبر ٢٠١٥) وفي أعقاب التصعيد الذي حصل في بداية هذا العام وكان من ضحاياه جنود أتراك. مرورًا بمسارات الاستانة وسوتشي؛ إن توافق أو تضارب المصالح لم يعد يقتصر على الساحة السورية والتي يدفع فيها السوريون الثمن الأكبر بل انعكس عليها أيضًا التنافس والصراع في الساحة الليبية، فالموقع الجيوسياسي لتركيا وعلاقتها بالحلف الأطلسي ودورها الإقليمي الذي يدفع به الرئيس أردوغان إلى التوسع، يصطدم بالضرورة بالطموحات الإمبراطورية لبوتين لتثبيت مواقعه في المياه الدافئة للبحر المتوسط. والتفويض الأميركي لروسيا بخصوص الوضع السوري لا يعني الإمساك بمفتاح الحل الذي يبقى بيد أميركا. والهامش الذي يستغله الروس مع النظام والايرانيين في الخروقات والتعديات المتكررة يبقى محكومًا بالتوافقات العليا بينهم وبين الأميركان والإسرائيليين منذ اللقاء الثلاثي الذي عقد في فلسطين المحتلة صيف العام الماضي. ويبقى الشعب السوري في موقع الضحية وجزء منه يدفع ثمن جرائم القصف والقتل والتهجير في مشاريع الهدن مالم يوضع حد لحالة الاستنقاع الراهنة وينفذ المخرج السياسي عبر مقررات جنيف يطوى فيه نظام الإجرام الأسدي وحليفه الإيراني والتخلص من سائر الاحتلالات.
المعارض السوري عزو فليطاني أكد أنه ” بدون حل سياسي وبدون عودة المهجرين وبدون الإفراج عن المعتقلين، وبدون دستور جديد، فإن هذه كلها عبارة عن ضحك على الذقون، وخاصة إشغالنا بانتخابات ما يسمى مجلسًا للشعب. ” ثم قال:” بالنسبة لإدلب بتقديري إن هذه الخروقات هنا وهناك في الشمال السوري ليست تقويض للاتفاق وانهياره وإنما المسألة لا تتعدى سوى مجرد خروقات، بينما الهدنة حسب اتفاقات سوتشي وأستانا مازالت متينة”.
المصدر: صحيفة اشراق