محمود الوهب
لم يكن ما أعلنه رئيس الولايات المتحدة الأميركية، دونالد ترامب، يوم 13 أغسطس/ آب الحالي، التطبيع الكامل بين دولة الإمارات وما تسمى دولة إسرائيل اتفاقاً للسلام، وإن أطلق عليه “اتفاق السلام التاريخي”، إذ لم يكن هناك حرب بين الإمارات وإسرائيل، ليأتي ترامب ومعه رئيس حكومة الاحتلال، نتنياهو، حمامتَيْ سلامٍ بهذه الخطوة التي هي في حقيقتها حرب تشنها الإمارات، بمساعدة ترامب، على فلسطين المحتلة، وعلى الشعب الفلسطيني الذي لم يزل مشرَّداً وتُنتهَك سيادته على أرضه منذ إعلان قيامها في 15 أيار 1948، بينما تقتطع إسرائيل من الأراضي الفلسطينية كل يوم أجزاءً جديدة، تضمّها إلى ما أعطاها إياه قرار التقسيم رقم 181 الصادر، بكل أسف، عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 1947.
(2)
لم يكن ذلك الخبر “التاريخي” مفاجئاً، فهذه حرب ناعمة تُتَمّم ما تقوم به إسرائيل، بل هي الحرب الغطاء على ما تمارسه إسرائيل من قتل وسجن ومصادرة أراضٍ، ومحاصرة للإخوة الفلسطينيين. وكانت الإمارات قد بدأتها بخطواتٍ تمهيدية منذ أكثر من عام، فتارة تستقبل ضيفاً من إسرائيل برتبة وزير، وتارة أخرى تستضيف فريقاً رياضياً، وتارة ثالثة يزورها رجال أعمال على هامش معرض أو مؤتمر وما يشبه ذلك. وقد سار هذا الأمر بخطواتٍ بطيئة، ربما، منذ أن بدأه المستشار في قصور دولة الإمارات، محمد دحلان، وقد نجحت مساعيه، أخيراً، بفضل دعم ترامب الذي يبحث لنفسه عمّا يسعفه نحو ولاية رئاسة جديدة.
ويبدو أن الزمن قد حاصره، فما بقي أمامه سوى أقل من ثلاثة أشهر أمام الترشّح للولاية الثانية، وهو مصرّ على كسب معركتها، على الرغم من أنَّ المنافسة شديدة، فالخصم الديمقراطي ليس سهلاً، ويستفيد من فوضوية ترامب وشعبويته، ومن انفلات وباء كورونا الذي قلّل ترامب من أخطاره، مراعياً سلامة الاقتصاد على صحة الإنسان الأميركي. إضافة إلى معاناته منافسة الصين التكنولوجية والتجارية. وبالموازاة، ليس وضع نتنياهو أفضل من وضع ترامب، فهو أيضاً محاصر بصراعاته الداخلية المتشدّدة في تطرّفها أكثر من نتنياهو ذاته، وكذلك، بالمحكمة التي تلاحقه بتهم الرّشى. ومن هنا تبدو هذه الطعنة في ظهر الشعب الفلسطيني هدية إماراتية مجانية لـ”رسولي السلام” ترامب ونتنياهو.
(3)
ما الذي تعنيه عبارة “السلام مقابل السلام” التي أوردها محلل سياسي إسرائيلي استضافته فضائية عربية بقوله: كنا في الماضي نقول: “الأرض مقابل السلام”، أما اليوم فقد صار الشعار: “السلام مقابل السلام”، وهذا يعني أن متغيراً ما قد حصل، فما هذا المتغير؟ على الرغم من أن الأرض مقابل السلام مقولة جاءت من رأس مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وأعلنت، حينئذ، باسم المبادرة العربية، فما الذي تغير؟ هل عادت الأرض؟ وهل التزمت إسرائيل الشرعية الدولية، بدءاً من قرار التقسيم وما ينص عليه؟ بالتأكيد، لم يحصل شيء من ذلك قَطّ. إذاً، لماذا تجاهل ذلك كله والعبث به؟ ما الذي ستمنحه هذه الخطوة للإمارات بالذات؟ لا شيء، غير أنها ستحقق أحلام إسرائيل، إذ تفتح أمامها أبواباً جديدة وواسعة، لتنهب أموالاً تحت مسميات أو مشاريع مختلفة، إنها الأحلام الإسرائيلية التي تحدّث عنها باستفاضة شمعون بيريز في كتابه “الشرق الأوسط الجديد” في تسعينيات القرن الماضي. ولم يخف الزعماء الإسرائيليون نياتهم للسيطرة على كامل التراب الفلسطيني منذ صدور قرار التقسيم، إذ “أعلن بن غوريون في يونيو/ حزيران 1938، في كلام أمام قيادة الوكالة اليهودية، بشأن اقتراح آخر لتقسيم فلسطين، نيّته إزالة التقسيم العربي/ اليهودي والاستيلاء على كامل فلسطين بعد أن تقوى شوكة اليهود بتأسيس وطن لهم”. وصرّح مناحيم بيغن، وكان من زعماء المعارضة في الحركة الصهيونية، آنذاك، في اليوم الثاني لقرار التقسيم، 30 نوفمبر/ تشرين الثاني 1947، “ببطلان شرعية التقسيم، وأن كل أرض الميعاد التي تشمل كامل فلسطين الانتدابية (بما في ذلك شرق الأردن) ملك لليهود، وستبقى كذلك إلى الأبد”، إذاً، ما يحصل هو تحقيق لتلك الأحلام الصهيونية!
والتبرير المثير للضحك أنَّ الإسرائيليين أوقفوا ضمّ أراضٍ في الضفة الغربية، وهم لم ولن يوقفوه أبداً. أعلنوا تعليقه لتمرير هذه الصفقة، وحسب، فالتعليق غير الإلغاء، ثم بأي حق سيضمون القسم الأكبر من الضفة الغربية؟ ومن منحهم هذا الحق غير القوة، ولا أقول الضعف، فالعرب ليسوا ضعفاء، ولكنهم لا يستخدمون أوراق القوة التي بين أيديهم، وهي كثيرة إن كانت لهم الإرادة والعزيمة. ثم إن الإسرائيليين، حين اقتطعوا نصف ما أعطى قرار التقسيم للدولة الفلسطينية، هل استأذنوا أحداً؟ وهل استمعوا لأحد في العالم، أفرداً كان أم منظمة أم دولة؟ علماً أن أمر الضم الذي أعلنه نتنياهو جوبه بموقف أوروبي رافض، وكذلك جاء موقف الأمم المتحدة، صبَّ في الاتجاه ذاته، ما كان سيشكل لترامب ولنتنياهو مشكلةً تضاف إلى ما يعانونه لولا هذا الاستسلام الإماراتي.
… وتلعب الخلافات الفلسطينية/ الفلسطينية المستمرة دوراً في التطاول على قضيتهم، ولا تكسبهم احترام الآخر. إذاً، لا بد من توحيد الرؤية بشأن إيجاد حل وفق الممكن. وفي الإطار العربي، برزت القضية منذ الأساس عربية/ فلسطينية، وهي مستمرّة هكذا بحكم التاريخ والجغرافيا ومنظور المستقبل. الفلسطينيون حين ينجزون رؤيتهم حول نضالهم المرحلي يستطيعون استقطاب الأنصار لقضيتهم العادلة.
(4)
وأخيراً، أقتبس بشيء من التصرّف هذه الفقرة من بيان أصدره مثقفون بهذا الخصوص: “إن السلام المأمول لا تبنيه أنظمة الاستبداد المتاجرة بالقضايا العادلة، ولا الجماعات المسلحة المذهبية التي تجعل من نفسها دائماً مشروع حرب أهلية، ولا الأنظمة الهشّة التي تضع الحفاظ على أمنها في السلال الأجنبية. السلام المأمول لا تبنيه إلا القوى الوطنية الديمقراطية في سورية ولبنان والعراق ومصر وفلسطين والدول العربية كافة. ولا شك في أن تحول هذه الدول نحو ترسيخ أسس الوطنية والديمقراطية، يقرِّب من السلام الاستراتيجي، العادل والشامل، ويضمن حقوق الشعب الفلسطيني كاملة وفق القرارات الدولية”.
المصدر: العربي الجديد