براهما تشيلاني
نيودلهي ــ في أحدث خطاب ألقاه بمناسبة حلول العام الجديد، أعلن الرئيس الصيني شي جين بينج أن عام 2020 سيكون «علامة فارقة». كان شي محقا، ولكن ليس على النحو الذي توقعه. فبعيدا عن «اكتساب الأصدقاء في كل ركن من أركان العالم»، كما تباهى في خطابه، ألحقت الصين أضرارا بالغة بسمعتها الدولية، وأبعدت شركاءها، وتركت لنفسها أداة واحدة فقط من أدوات فرض النفوذ الحقيقية: القوة الغاشمة. ولكن يتبقى لنا أن نرى ما إذا كانت احتمالات الـعُـزلة لتحبط طموحات شي الامبريالية.
سوف ينظر المؤرخون في الأرجح إلى العام 2020 باعتباره نقطة تحول فاصلة. فبفضل جائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد 19)، تعلمت دول عديدة دروسا قاسية حول سلاسل التوريد التي تعتمد على الصين، وتغيرت المواقف الدولية تجاه النظام الشيوعي في الصين.
بدأ المد يتحول عندما تبين للعالَـم أن الحزب الشيوعي الصيني أخفى معلومات بالغة الأهمية عنه حول كوفيد 19، الذي اسـتكـشـف لأول مرة في ووهان ــ وهو الاكتشاف الذي أكده تقرير استخباراتي أميركي حديث. وما زاد الأمر سوءا على سوء أن شي جين بينج حاول الاستفادة من الجائحة، أولا عن طريق تخزين المنتجات الطبية ــ وهي السوق التي تهيمن عليها الصين ــ ثم من خلال تصعيد محاولات التوسع العدواني، وخاصة في منطقة المحيط الهادي الهندي. وهذا يدفع التغير السريع في المشهد الجيوستراتيجي في المنطقة، مع استعداد قوى أخرى لمواجهة الصين.
بادئ ذي بدء، تبدو اليابان الآن مستعدة لبدء التعاون مع العيون الخمسة ــ التحالف الأقدم لجمع وتبادل المعلومات الاستخباراتية في العالم، والذي يضم أستراليا، وكندا، ونيوزيلندا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة. وسوف يعمل تحالف «العيون الستة» الجديد كركيزة أساسية للأمن في منطقة المحيط الهادي الهندي.
علاوة على ذلك، يبدو أن ما يسمى التحالف الرباعي ــ الذي يضم أستراليا، والهند، واليابان، والولايات المتحدة ــ مستعد لتعميق التعاون الاستراتيجي. ويمثل هذا تحولا ملحوظا بالنسبة للهند على وجه الخصوص، والتي أمضت سنوات تحاول استرضاء الصين.
كما أشار مستشار الأمن القومي الأميركي روبرت أوبراين مؤخرا، «كان الصينيون عدوانيين للغاية في التعامل مع الهند» مؤخرا. فمنذ أواخر نيسان (إبريل)، احتل جيش التحرير الشعبي عدة مناطق في منطقة لاداخ شمالي الهند، مما أدى إلى تصاعد حدة الصراع الحدودي الذي دام لفترة طويلة بين البلدين. ولم يترك هذا لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي سوى مساحة صغيرة لأي اختيار غير تغيير المسار.
الآن، يدرس مودي توجيه الدعوة إلى أستراليا للمشاركة في تدريبات مالابار البحرية السنوية مع القوات اليابانية، والأميركية، والهندية في وقت لاحق من هذا العام. كانت أستراليا انسحبت من التدريبات في العام 2008، عندما كانت تضم الولايات المتحدة والهند فقط. وعلى الرغم من تنظيم مشاركة اليابان في العام 2015، فقد ترددت الهند في إعادة أستراليا إلى المجموعة، خشية استفزاز الصين. لكن هذه لم تعد الحال الآن. ومع مشاركة أستراليا مرة أخرى في تدريبات مالابار، سيصبح لدى المجموعة الرباعية منصة رسمية عملية للتدريبات البحرية.
يكتسب التعاون بين أعضاء المجموعة الرباعية بالفعل بعض الـثـقل الاستراتيجي. ففي حزيران (يونيو)، وقعت أستراليا والهند على ترتيب الدعم اللوجستي المتبادل لزيادة قابلية التشغيل البيني العسكري من خلال أنشطة دفاعية ثنائية. كما أبرمت الهند اتفاقا مماثلا مع الولايات المتحدة ومن المنتظر أن توقع على اتفاق مماثل مع اليابان قريبا.
من جانبها، أضافت اليابان مؤخرا أستراليا والهند والمملكة المتحدة كشركاء في تبادل المعلومات الاستخباراتية الدفاعية من خلال تعديل قانون أسرار الدولة لعام 2014، الذي كان يضم في السابق تبادلات مع الولايات المتحدة فقط. وهذا من شأنه أن يعمل على تعزيز التعاون الأمني الياباني بموجب تشريع صادر في العام 2016 والذي أعاد تعريف دستور اليابان السلمي الذي فرضته عليها الولايات المتحدة بعد الحرب على النحو الذي يسمح لليابان الآن بتقديم يد العون للحلفاء المعرضين للهجوم.
وعلى هذا فإن ديمقراطيات منطقة المحيط الهادي الهندي تعمل على إقامة روابط استراتيجية أوثق في الرد على العدوان الصيني المتزايد. وتتمثل الخطوة المنطقية التالية في اضطلاع هذه الدول بدور أكثر تضافرا وتنسيقا في تعزيز الأمن الإقليمي الأوسع. وتكمن المشكلة في أن المصالح الأمنية الأميركية والأسترالية والهندية واليابانية ليست متطابقة بالكامل.
من منظور الهند واليابان، فإن التهديد الأمني الذي تفرضه الصين أكثر حـدة وإلحاحا، كما تبين من عدوان الصين على الهند وتوغلاتها المتزايدة الوتيرة في المياه اليابانية. علاوة على ذلك، تعـد الهند العضو الوحيد في المجموعة الرباعية الذي يحتفظ بموقف دفاعي قائم على الأرض، وهي تواجه احتمالا حقيقيا للغاية يتمثل في اندلاع صراع مع الصين على حدودها في الهيمالايا.
على النقيض من ذلك، لم تفكر الولايات المتحدة قـط في شن حرب برية ضد الصين. فهدفها الأساسي يتلخص في التصدي للتحديات الجيوسياسية والإيديولوجية والاقتصادية التي تفرضها الصين على التفوق العالمي الذي تتمتع به أميركا. وسوف يكون سعي أميركا إلى تحقيق هذا الهدف إرث السياسة الخارجية المؤثر الذي يخلفه ترمب.
في ذات الوقت، يتعين على أستراليا أن تنخرط في عملية توازن دقيقة. فرغم أنها تريد حماية قيمها واستقرارها الإقليمي، فإنها تظل معتمدة اقتصاديا على الصين، التي تمثل ثلث صادراتها. وعلى هذا، فحتى في حين تسعى أستراليا إلى توثيق العلاقات مع المجموعة الرباعية، فقد رفضت دعوات الولايات المتحدة للانضمام إلى الدوريات البحرية في بحر الصين الجنوبي. وكما أعلنت وزيرة خارجيتها ماريس باين مؤخرا، فإن أستراليا «ليس لديها أي نية لجرح» علاقاتها مع الصين.
مع ذلك، إذا استمرت الصين في ملاحقة استراتيجية توسعية، فلن يظل مثل هذا التحوط مـبـررا. مؤخرا، أعلن وزير الدفاع الياباني تارو كونو أن «الإجماع في إطار المجتمع الدولي» يتلخص في أن الصين يجب أن «تُـضـطر إلى دفع ثمن باهظ» لاستعراضها عضلاتها التحريفية في بحري الصين الجنوبي والشرقي، ومنطقة الهيملايا، وهونج كونج. وهو محق ــ يجب أن يكون التركيز على «الثمن الباهظ».
فما دامت التكاليف المترتبة على توسعية الصين في حدود الممكن، فسوف يواصل شي جين بينج على ذات المسار، ساعيا إلى استغلال السياسات الانتخابية والاستقطاب في الديمقراطيات الكبرى. يتعين على القوى الديمقراطية الكبرى في منطقة المحيط الهادي الهندي أن لا تسمح بحدوث مثل هذا الأمر، وهذا يعني ضمان أن لا تظل التكاليف التي تتحملها الصين في نظير سياستها التوسعية في حدود الممكن لفترة طويلة.
من كتابات مكيافيلي الشهيرة: «من الأفضل أن يخشاك الناس على أن تكون محبوبا». الواقع أن شي جين بينج لا يخشاه الناس بقدر ما يكرهونه. لكن هذا لن يعني الكثير ما لم تتعاون القوى الديمقراطية الرئيسية في المنطقة، فتبتكر الطرق لوقف التوسع الصيني، وتعمل على التوفيق بين استراتيجياتها الأمنية، وتساهم في بناء نظام إقليمي قائم على القواعد. ومن الأهمية بمكان توضيح وترجمة رؤية هذه القوى إلى نهج سياسي واضح المعالم، ومدعوم بـثِـقَـل استراتيجي حقيقي. خلافا لذلك، سيستمر شي جين بينج في استخدام القوة الغاشمة لزعزعة استقرار منطقة المحيط الهادي الهندي، بل وربما حتى لبدء حرب.
*براهما تشيلاني أستاذ الدراسات الإستراتيجية في مركز بحوث السياسات في نيودلهي، وزميل أكاديمية روبرت بوش في برلين.
ينشر بالتعاون مع بروجيكت سنديكيت.
المصدر: الغد الأردنية