مع دخول الثوار إلى مدينة إدلب بعد تحريرها في نهاية (آذار عام 2015) رُفع الستار عن مجزرة مروّعة كان ارتكبها نظام الأسد في منتصف العام 2012، وأدت إلى قتل سبعة عشر فلسطينياً من سكان مخيمي النيرب وحندرات في حلب، وتم إلصاقها وقتذاك بفصائل من الجيش الحر، بهدف تأليب الرأي العام الفلسطيني في مدينة حلب على الثورة السورية، وتوفير دوافع ومبررات لتشكيل لواء القدس، واستقطاب الشباب الفقراء والعاطلين عن العمل وأصحاب السوابق، للتطوع في هذا اللواء التشبيحي الذي يضم فلسطينيين وسوريين، والذي قام بمهام أمنية وعسكرية لصالح النظام، وهو اليوم يقاتل على جبهات الغوطة، فيما يتخذ من القدس ومكانتها الخاصة عنواناً له، للتغطية على جرائمه بحق الشعبين الفلسطيني والسوري.
بدأت فصول تلك المجزرة التي حبكتها وأخرجتها أجهزة أمن النظام، مساء الخميس الموافق (28/ 6/ 2012) وهو الموعد الأسبوعي لخروج باص المبيت، الذي كان ينقل مجندين من جيش التحرير الفلسطيني، كانوا يؤدون خدمتهم الإلزامية في مركز عسكري بالقرب من مدينة مصياف، إلى أماكن سكناهم في مدينة حلب، وكان سائق الميكرو يسلك عادةً طريقاً مختصراً يمر بسهل الغاب ثم يدلف إلى طريق الأوتوستراد باتجاه حلب. في ذلك اليوم وبعد أن فات موعد وصول المجندين إلى بيوتهم، قام الأهالي في اليوم التالي بالاتصال مع إدارة مركز التدريب الذي انطلق منه ابنائهم، وكان جواب الإدارة: أن المجندين غادروا المركز مساء أمس، وليس لديها أي معلومات أخرى حول سبب تأخر وصولهم، ومع شيوع حالة القلق والخوف بسبب اختفائهم المفاجئ بدأت تنتشر إشاعات داخل مخيمات الفلسطينيين في حلب، فحواها أن كتائب من الجيش الحر في سهل الغاب هي من تختطف المجندين، وكان وراء تلك الإشاعات والأقاويل مخبرين لديهم ارتباطات بأجهزة الأمن، وكان المدعو (محمد السعيد) الذي يتزعم حالياً لواء القدس، أكثر من ساهم وعبر أزلامه بنشر وترويج تلك الإشاعات. ما دفع العديد من ذوي وأقرباء المفقودين الذهاب إلى قرى سهل الغاب للبحث عنهم، ومنهم من التقى قادة محليين من الجيش الحر في تلك المنطقة، وقد أعلموهم أنهم لم يقوموا بتوقيف أي فلسطيني مدني أو عسكري، بل وأدخلوهم إلى مقرات وسجون تابعة لهم ليتأكدوا بأنفسهم من الحقيقة. بينما قامت قيادة جيش التحرير الفلسطيني بالمشاركة من طرفها في ترويج رواية النظام، حين سربت معلومات للأهالي تؤكد اختطاف أبنائهم من قبل إحدى كتائب الجيش الحر في تلك المنطقة، وأنها تجري معهم مفاوضات من خلال وسطاء لإطلاق سراحهم، وبعد مرور أسبوعين على حادثة الاختفاء قام أحد المفقودين بالاتصال بوالدته، وأخبرها أنه مصاب ويتم معالجته في المشفى، وعندما سألته عن مكانه واسم المشفى وما حدث له انقطع الاتصال فوراً..!
في صباح اليوم التالي اتصلت ادارة المشفى الوطني في مدينة إدلب، وأخبرت شقيق أحد المفقودين بوجود مجندين من جيش التحرير، وصلوا الى المشفى بعد العثور على جثثهم مشوهةً قرب قرية بنش، وقد تم قتلهم بالبلطات والسكاكين وعلى أجسادهم آثار تعذيب شديد تعرضوا له قبل تصفيتهم، وما إن ذاع الخبر حتى هبَّ الأهالي إلى مشفى ادلب، حيث كانت صدمتهم لا توصف وهم يرون أبنائهم ضحية مجزرة بشعة، راح ضحيتها أربعة عشر شهيداً، فيما بقي مصير ثلاثة منهم مجهولاً ومن ضمنهم سائق الباص. شكل هذا الحدث المأساوي صدمة كبيرة لكل الفلسطينيين في سوريا عموماً، ولفلسطينيي حلب على وجه الخصوص، وكانت المدة الفاصلة بين اختفاء الضحايا والكشف عن مصيرهم، كافية لترويج أكبر عملية تجييش وتحريض للأهالي ضد الجيش الحر، بعد تلفيق (اتهامه) بارتكاب تلك المجزرة و(مسؤوليته) عن وقوعها في المناطق التي يسيطر عليها. لم يكن خافياً من وراء القيام بذلك، مسعى النظام توريط الفلسطينيين على حمل السلاح إلى جانبه بذريعة الثأر ممن قتلوا هؤلاء الشبان الأبرياء. بعد يومين من دفن الشهداء الأربعة عشر بتاريخ (17 – 7 – 2012) لجأ وكلاء الأجهزة الأمنية إلى اختلاق قصة جديدة، للتغطية على أسباب اختفاء المجندين الثلاثة الآخرين، من خلال فبركة عملية أمنية لتحقيق عدة أهداف في آن واحد، حيث عرضت الإخبارية السورية نقلاً عن موقع (الحقيقة الإلكتروني المحجوب ) شريط فيديو مصور لانفجار ضخم قرب حاجز الإيكاردا، على أنه عملية كانت تستهدف عناصر الحاجز، تبناها كما زعمت كل من “لواء صقور الشام وكتائب أحرار الشام” وفق ما ورد في الشريط، وأن سبب فشل العملية حسب رواية النظام “يعود إلى قيام المنفذين بوضع شخص مقيد بجنازير في ميكرو باص، وإجباره على قيادة الميكرو باتجاه الحاجز، لكن السائق أعطى عدة إشارات قبل وصوله الحاجز، مما نبه العناصر إلى العملية قبل حدوثها فابتعدوا عن الحاجز، بينما قام السائق بحرف الميكرو عن طريقه، فقام المخططون للعملية الذين كانوا يتبعوه على دراجة نارية بتفجير الميكرو عن بُعد”. الطريف في هذه الرواية، أن النظام اكتشف لاحقاً أن المنفذ الذي أنقذ عناصره من موت محتم، هو الفلسطيني (أحمد عز) سائق الميكرو الذي كان “خطفه الجيش الحر مع زملائه في سهل الغاب حسب رواية أبواق النظام”. لقد حاول النظام من خلال هذه المسرحية، إظهار ولاء السائق الفلسطيني المختطف له، وتصويره بطلاً ضحى بحياته لإنقاذ عناصر الحاجز. لكن رغم كل التضليل والتدليس الذي مارسه النظام، لإخفاء هذه الجريمة القذرة التي تضاف إلى سجله الإجرامي الحافل، لم يتمكن رجال أمنه وشبيحته في إدلب قبل هروبهم عقب تحرير المدينة في (آذار عام 2015) من إخفاء الأدلة التي تثبت تورطه في قتل مجندي جيش التحرير الفلسطيني، حيث وجد الثوار في أحد أقبية فرع الأمن الجنائي صورتين للشهيدين محمود ابو الليل وأنس كريم، وهما من نفس المجموعة التي تم خطفها وتصفيتها في (العام 2012) وعلى جسديهما آثار التعذيب والتنكيل، وأرقام للجثتين تضاف إلى قوائم شهداء الغدر والتعذيب في سوريا. ما يدل على دور النظام الفاشي في قتل الشعب الفلسطيني، بما لا يقل إجراماً ووحشيةً عن إجرامه بحق الشعب السوري، وعن هدفه من وراء تلك المجزرة، التي خططت لها الأجهزة الأمنية، ونفذتها بدمٍ بارد، لتهيئة المناخ الشعبي لتشكيل ما يسمى بلواء القدس، والذي شاركت قياداته في التغطية على جريمة النظام، في تصفية مجندي جيش التحرير الفلسطيني في (العام 2012) وقاموا باستغلالها لتوفير دوافع ومبررات، لاستقطاب الشباب الفقراء والعاطلين عن العمل، من الفلسطينيين في مخيمات حلب، ومن السوريين من سكان الأحياء الفقيرة. حيث بدأ اللواء منذ تأسيسه عقب هذه المجزرة مباشرةً، بمهام تشبيحية وأمنية، ومنها ملاحقة واعتقال العديد من النشطاء في مخيم النيرب، وكل شخص يطالب بتحييد المخيم عن الصراع، ونشر وتلفيق أكاذيب عن استهداف مخيمات حلب من فصائل الجيش الحر، وتوزيع السلاح على العديد من الشبان بدعوى الدفاع عن المخيم، واستكمال توسيع تشكيلات اللواء، وربطه بغرفة العمليات بمدينة حلب، وتكليفه بمهام أمنية وعسكرية خارج مخيم النيرب. لاسيما بعد تقدم فصائل الجيش الحر في ريف حلب، واقترابها من السيطرة على مطار النيرب العسكري، ودور اللواء في الدفاع عن المطار بالتنسيق مع الأمن الجوي، ومشاركته في العديد من المعارك على أطراف المدينة. منذ العام (2014) أصبح لواء القدس أحد أهم الميليشيات التي يعتمد عليها النظام في مدينة حلب، تحت مسمّى “القوات الرديفة”، وقد بلغ تعداده قرابة (2500 )عنصر، يوجد من بينهم (500 )عنصر فلسطيني، في حين أن أغلب قيادات اللواء هم فلسطينيون، كانوا مخبرين لأجهزة الأمن ومن ذوي السمعة السيئة، ومن هؤلاء ( محمد السعيد قائد اللواء، وعدنان السيد نائب قائد اللواء، وشقيق محمد رافع الذي كان من مؤسسي اللواء وقُتل في نهاية العام 2016، ومحمد سعد الدين الذي هرب مؤخراً إلى المانيا، بعد تورطه وشقيقه ببيع صواريخ إلى ميليشيات كردية) وكل هؤلاء متورطون بتسليم شباب ونساء إلى الأجهزة الأمنية التي قامت بتصفية العديد منهم، وارتكاب أفعال تشبيحية مثل التعذيب والقتل العمد للأسرى، والسرقة والتعفيش، وبعض هذه الجرائم يرقى إلى مرتبة جرائم حرب. وقد شارك اللواء عدة مرات في محاولة اقتحام مخيم حندرات، الذي كانت تسيطر عليه فصائل من الجيش الحر، وتم دخوله من قبل عناصر اللواء وميليشيات إيرانية في (أيلول من عام 2016)، كما شارك في عمليات اقتحام أحياء حلب الشرقية في نهاية نفس العام. وبأوامر من مشغليه تم تكليفه بمهام قتالية خارج مدينة حلب، وتوزع مقاتلوه في خناصر والبادية والقلمون، وتشارك اليوم وحدات من اللواء في القتال على جبهة الغوطة الشرقية.
يرى المتابعون لعمل اللواء وطبيعة المهام التي يقوم بها، أنه بات يشكل مع الميليشيات الأخرى التي تعمل تحت “عناوين فلسطينية” اتجاهاً موازياً لدور حزب الله اللبناني، في حرف البوصلة الحقيقية لمشروع المقاومة، واستبدال طريق تحرير فلسطين، من خلال أدوارهم في قمع وإخماد البيئات السورية الثائرة على النظام. لأن كل المعارك التي خاضتها ولاتزال تلك الميليشيات، في القصير وحمص وحلب ودير الزور والغوطة والقنيطرة وادلب، إنما تخدم النظام وسياساته الطائفية، وهي أكثر من أساء لقضية فلسطين وأضر بصورتها، لأن سفك دماء السوريين، هو أكبر خدمة لأعداء الشعبين السوري والفلسطيني، عدا أن تأسيس لواء القدس وغيره من الميليشيات الفلسطينية، يصب في تحقيق أهداف النظام في إيجاد شرخ كبير بين الفلسطينيين والسوريين، واستمرار النظام في المتاجرة بالورقة الفلسطينية عبر هذه الأدوات الساقطة أخلاقياً ووطنياً.