مصير – أحمد مظهر سعدو
الشاعرة السورية الدمشقية الأصيلة ، المنحازة إلى ثورة الشعب السوري ، ثورة الحرية والكرامة منذ اللحظات الأولى لهذه الثورة التي ستلج عامها الثامن خلال هذا الشهر آذار/ مارس، وقفت في حوار أدبي وسياسي مه موقع مصير ، لتقول وبكل وضوح : لن أبدأ بالتنظير فأطيل الحديث عن العلاقة بين الشعر والحرية، وكيف أنها علاقة روح وجسد، فالقصيدة تستمد حياتها ولغتها ورؤيتها ويقينها وموضوعها وحيويتها من روح الحرية، ولن أتعرض إلى العلاقة بين الشعور والشاعر، سأبدأ مما أختزنه في ذاكرتي من مشاهد ثورة شعب، بعد نصف قرن من القهر والقمع والقتل والتعذيب والاستئثار بالسلطة والثروة، وليس هذا كله فحسب بل تكشف أن هناك مخططًا خبيثًا لتطويق العاصمة بدافع طائفي، وتنفيذ مخططات للتشييع والعمل مع ايران لإنجاح مشروعها المذهبي الاستعماري “. ثم تابعت الشاعرة الإمام قائلة ” أية مشاهد لا تنسى حفرت في ذاكرتنا ملامحها ؟!كيف تحدى هذا الشعب الأعزل نظامًا من أعرق وأقذر أنظمة القتل والقمع في العالم، لم يكن يجرؤ على النظر شزرًا إلى طغمة مستعبديه، وها هو يملأ الساحات مطالبًا بحريته وإسقاط طغاته، فيواجَه من شبيحة هذا النظام وعناصر أمنه بالرصاص الحي والقذائف الصاروخية، رأينا بأعيننا شبابنا يُسحلون ويُصلبون على ظهر الدبابات. رأينا بعضهم يُلقى في الحفر ويدفن حيًا. رأينا تجمعًا لشباب عزل يقصف بالصواريخ، فيتساقط الضحايا بالعشرات، رأينا كيف يُساق الشباب إلى زنزانات التعذيب حتى الموت، ورأينا جثثهم العارية ممددة تفترش الأرض وعليها آثار التعذيب المريع القاتل “. ثم قالت ” واصل هذا الشعب ثورته وداوم على مظاهراته، صعّد من مطالبه اعتلى أصنام آلهة القهر يحطمها ويمزق الصور ويسقط الرايات ويشيع شهداءه، يحمل نعوشهم ويغني لهم ويؤكد سيره على دربهم، فكل متظاهر مشروع شهادة، وامتلأت جدران المدن والقرى بشعارات لعن النظام، والدعوة إلى إسقاطه والتعجيل برحيله، ولا أنسى ما قاله مفكر عربي معروف يصف مشهد هؤلاء الشباب وقد تماسكت أذرعتهم يتمايلون وهم يغنون للحرية في نشوة صوفية، ويهتفون لها يا محلاها الحرية.الثورة السورية حدث عظيم الأهمية سيذكره التاريخ مع كبرى الثورات التي غيرت مجرى التاريخ، والتي أعادت إلى الأذهان صورًا من شجاعة الإنسان وغيريته، وإيثاره وتضحيته في سبيل هدف نبيل، بعيدًا عن المصلحة والمنفعة الشخصية، فيطهر النفوس وينقيها ويسمو بها، وقد غيرت هذه الثورة وستغير الكثير، مما غرسه فينا هذا النظام من خصال تحكي سقوطه الأخلاقي والإنساني والوطني، ومستوى القائمين عليه والمتعاملين معه “. ثم تساءلت ” كيف يمكن لشاعر بل لإنسان فيه بقية من شعور واحساس، أن يقف متفرجًا محايدًا من هذا كله؟ّ! أي شاعر هذا الذي لا يحلم بوطن، يمارس فيه مع شعبه حريته كاملة بلا حدود، أو قيود تسوده قيم العدالة والحرية والمساواة وتحترم فيه إنسانية الإنسان، هناك شعراء أحرار سوريون وعرب وقفوا مع الثورة السورية، ونددوا بمجازر هذا النظام وعمالته، ومن استقدمهم لقمع شعبه ورهن لهم مقدرات بلده لمئة عام. وفي سورية نجد شعراء السلطة المرتبطين بالنظام لأسباب طائفية، وحفاظًا على مصالحهم، وأغلبهم من موظفي وزارة الثقافة، كيف يقف أديب مع الثورة، ويخسر وظيفة ابنه الذي يغرد من طهران ويدافع عن حق حرسها الثوري في احتلال أربع عواصم عربية؟! وليس بين هؤلاء اسمًا أو موهبة نفتقدها أو نأسف على تنكرها للثورة ، وبينما يقف جلال صادق العظم رحمه الله موقفًا مشهودًا من ثورتنا، نرى أدونيس يرتد إلى طائفيته، وبعد أن كان يعيب على الأرض التي كانت على مر الزمن زوجًا للطغاة، يدعوها إلى العودة لبيت الطاعة الأسدي، ويصبح مستشارًا (للسيد الرئيس) يوجهه إلى الطريقة المثلى لامتصاص غضب شعبه، بعد مليون شهيد، ودمار البلد ورهنها مئة عام لأكثر من محتل ويسوؤه أن تخرج مظاهرات الحرية من المساجد، لا من استديوهات التلفزيون السوري، ومن شواطئ الساحل وحانات جرمانا ، وكراهيته للإرهاب باسم الدين تجعله يرحب بإرهاب الديكتاتور وأجهزة قمعه التي ذقنا أهوالها نصف قرن “. ثم تحدثت عن الشعراء العرب المنحازين للمستبد والمجرم بقولها ” أما الشعراء العرب المؤيدون لنظام القتل والاجرام فالحديث عنهم يطول وقد نتناوله في بحث آخر، وأخيرا نقولها بملء الفم لم يستطع شعرنا أن يرقى الى مستوى هذه الثورة، وأجمل القصائد حتى الآن ما كتبه ثوارنا الشهداء، وما يبدعه اليوم المرابطون على تخوم الغوطة، المحاصرون المجوعون، وهم يصدون حشود جيوش المحتل وعميلهم، وهؤلاء الذين يعلنونها من أنفاق الجوع والمرض والقتل، هؤلاء الذين يجرب القيصر في لحمهم العاري بنجاح مئتي جديد من اسلحته الفتاكة ، نموت معا أو نحيا معا ، أي شعر يرتقي إلى مستوى هذه التضحيات ، هذا زمن الثورة والأحداث الصادمة، والمشاهد المروعة وليس زمن الشعر، ولم يظهر بعد شاعر يجسد بشعره هذه الثورة، ويكون صوتها المعبر عنها بكل ما فيها من بطولات واخفاقات يشد إليه جماهيرها فيعيشون في معاناته ويرون فيه تطلعاتهم وصورة الحلم الذي يتوقون إلى تحقيقه”. ثم انتهت إلى القول ” ليس لثورتنا شاعرها كأراغون للمقاومة الفرنسية، ولا محمود درويش لفلسطين، وما زلنا نعوذ بنزار ونستعيد نقمته على الذين احترق المسرح من جميع أركانه ومازالوا يمثلون ويهرجون، وعلى السيد عنترة والديك الذي ينتف ريش دجاجاته ويبدو أن انتظارنا سيطول”.