تؤكد الإدارة الأميركية أنه بعد مرور شهر على إخطارها مجلس الأمن الدولي بتفعيل آلية “الزناد” بالاتفاق النووي، دخلت الآلية حيز التنفيذ اعتباراً من منتصف ليل العشرين من سبتمبر/ أيلول الجاري، ليعاد إحياء جميع القرارات الأممية (7 قرارات) التي أقرها المجلس ضد إيران، قبل التوصل إلى الاتفاق النووي يوم الرابع عشر من يوليو/ تموز 2015، وتعليق العقوبات بعد أسبوع منه بموجب قرار أممي آخر.
واعتباراً من اليوم الأحد، أحيت الإدارة الأميركية هذه القرارات الأممية ومفاعيلها (العقوبات) ضد إيران، في سياق استراتيجية الضغط الأقصى ضدها، وسط خلافات حادة مع شركاء الاتفاق النووي، بشأن قانونية هذا الإجراء من عدمها. وهؤلاء الشركاء جميعاً أعضاء بمجلس الأمن، أربعة منهم (الصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا) أعضاء دائمون، وألمانيا عضو غير دائم.
وعلى ضوء هذه المعارضة الدولية الكبيرة، تفعل واشنطن تلك القرارات باستخدام سلاح العقوبات ضد أي دولة تسعى إلى الالتفاف عليها ولا تلتزم بها، وهي الطريقة ذاتها التي سلكتها في موضوع العقوبات الاقتصادية منذ انسحابها من الاتفاق النووي عام 2018، حيث أجبرت دول العالم على الالتزام بهذه العقوبات، بما فيها أعضاء الاتفاق النووي، لينهار بذلك أحد ركني الاتفاق، أي رفع هذه العقوبات التي ألغيت مقابل التزام طهران بتعهدات نووية محددة.
أهداف واشنطن
لا يبدو أنّ الهدف الأميركي من تفعيل تلك القرارات الأممية يختصر في إعادة فرض عقوبات وقيود أممية ملغاة فحسب، إذ إن معظم هذه العقوبات مفروضة أميركياً على إيران في الوقت الراهن شكلاً ومضموناً، وتلتزم بها الدول الأخرى بشكل أو آخر، فعلى سبيل المثال لا يمكن لهذه الدول بسبب الضغوط الأميركية تصدير التقنيات والمعدات النووية والعسكرية إليها، ولا يتوقع أيضاً أن تقدم قوى مثل الصين وروسيا على عقد صفقات بيع أسلحة لإيران بعد انتهاء الحظر التسليحي عليها، لأسباب كثيرة، ترتبط بتشابك مصالح هذه القوى مع الأطراف المعادية لطهران، في مقدمتها الولايات المتحدة نفسها، وإسرائيل. وخير دليل على ذلك، هو قصة صفقة بيع منظومة “إس 300” الروسية، حيث عقدتها طهران مع موسكو، لكن الأخيرة رفضت تنفيذها بسبب الضغوط الأميركية والإسرائيلية.
لعل أهم ما تهدف واشنطن إلى تحقيقه من خلال إحياء القرارات الأممية ضد إيران، هو إعادة تدويل الملف الإيراني، مما يعني أولاً وضعها في مواجهة دولية لتخلق بذلك إجماعاً أممياً ضدها مرة أخرى، على غرار الإجماع الذي شكله الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، وثانياً لتأسيس وضع حقوقي جديد ضد إيران من خلال إعادة تلك القرارات، وثالثاً لحرمان طهران من الامتيازات المتبقية، التي حصلت عليها بموجب الاتفاق النووي، في مقدمتها تخصيب اليورانيوم، حيث سمح الاتفاق لها بمستوى التخصيب عند 3.67 % قبل أن تتجاوز إيران النسبة إلى 4.5 % خلال المرحلة الثانية لتقليص تعهداتها النووية، رداً على تداعيات الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي، ورابعاً إدراج إيران مجدداً تحت الفصل لميثاق الأمم المتحدة، والذي يجيز في حالات معينة استخدام القوة للحفاظ على السلام والأمن الدوليين، بغية التعامل معها خلال المرحلة المقبلة تحت ضغط هذا الأمر.
الأمر قد لا يكون أيضاً بعيداً عن محاولات الصقور الجمهوريين واللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة لتأسيس مسار أميركي وواقع دولي جديدين ضد إيران، لا يقدر المرشح الديمقراطي جو بايدن على تجاوزهما بسهولة
وفضلاً عن تلك الأهداف، فتوقيت هذا التصعيد الأميركي في مواجهة طهران أثناء الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة، يؤكد أنه يأتي أيضاً في صلب الحسابات الانتخابية للرئيس الأميركي، سواء لجهة استرضاء التيار الصهيومسيحي الأميركي وكسب أصواته، أو لجهة تحقيق أمنيته في تدمير الاتفاق النووي ودفنه إلى الأبد، أو لحرف أنظار الناخب الأميركي عن المشاكل الداخلية نحو ملفات دولية ساخنة.
كما أنّ الأمر قد لا يكون أيضاً بعيداً عن محاولات الصقور الجمهوريين واللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة لتأسيس مسار أميركي وواقع دولي جديدين ضد إيران، لا يقدر المرشح الديمقراطي جو بايدن على تجاوزهما بسهولة في حال فوزه بالانتخابات الأميركية وخسارة دونالد ترامب.
بالتالي، وتحقيقاً لتلك الأهداف، تسعى الإدارة الأميركية من خلال تفعيل آلية “فض النزاع” إلى إلغاء القرار 2231 المكمل للاتفاق النووي، الذي لم يبطل فقط مفاعيل القرارات السابقة ضد إيران، بل أخرج الملف النووي الإيراني من أروقة مجلس الأمن، وأعاده إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو ما نظرت إليه الحكومة الإيرانية، على أنه بحد ذاته إنجاز كبير لطهران، وخصوصاً أنها بذلك قد خرجت أيضاً من تحت الفصل السابع.
المصدر: العربي الجديد