بيل ترو
يقع المخيم في مثلث صحراوي قاحل غير صالح للسكن بين العراق وجنوب سوريا والأردن، ويجاور ساتر رملي هذه البقعة الجهنمية من الأرض التي تسمى “الرُكبان”، وتحيط بها من كل الجوانب إما تنظيمات مسلحة أو جيوش، وفقاً لمن يسكنون هناك، ولم يسمح لمنظمات الإغاثة بدخول المكان منذ سنة. وقد جُمع في هذا المكان المعزول ما يقدر بـ 10 آلاف لاجئ سوري هربوا من الحرب، إذ يضطرون إلى الاعتماد على الإحسان في معيشتهم اليومية، وفق أحمد درباس اللاجئ الآتي من مدينة تدمر الأثرية منذ خمس سنوات، الذي يترأس (لجنة إدارة) المخيم حالياً.
واستطراداً، لا يستطيع أحمد أن يفهم لماذا أجبر 16 لاجئاً سورياً الشهر الماضي، منهم ثمانية أطفال لم يتجاوز عمر أصغرهم الأربع سنوات، على العودة (إلى سوريا) من الأردن بضغط من السلطات الأردنية. وعبر “واتس آب”، تحدث إلى “اندبندنت” أثناء إرساله صور منازل بائسة من الطين وخيم تنتصب وسط منطقة جرداء قاحلة، وأخبرها “أنها جريمة بحق الإنسانية أن يجبر الناس على العودة إلى هذا المكان”. وأضاف، “إنه أمر مقلق بالنسبة لنا، فليس لدينا مكان نخصصه للحجر الصحي ونخشى أن يصلنا فيروس كورونا من طريق الأردن”.
وفد معظم سكان مخيم الركبان إليه في 2015، هرباً من الحرب الأهلية في سوريا، وأملاً في الفرار إلى الأردن الذي منع أخيراً الدخول إلى عموم أراضيه، وسط معاناته استيعاب حوالى 700 ألف لاجئ سوري. وبعد مرور خمس سنوات على ذلك التاريخ، لا يحصل الموجودون داخل الركبان على كفايتهم من الغذاء الذي يمكنهم تحمل كلفته، ولا على المياه النظيفة أو الرعاية الطبية أو النظافة العامة، بحسب “منظمة العفو الدولية” التي دقت ناقوس الخطر في شأن الترحيل القسري حين ذاع الخبر هذا الأسبوع.
في ذلك الصدد، ذكرت المنظمة في تقرير إعلامي أنه من بين الأشخاص الـ 16 الذين تعرضوا بشكل واضح للترحيل القسري، أوضحت إحدى العائلات أن أعضاءها اعتقلوا ليلاً داخل مخيم اللاجئين الذي سكنوا فيه في الأردن، ورحلوا من دون أن يستطيعوا جمع أي من مقتنياتهم أو مالهم. وكذلك لم تتمكن منظمة العفو الدولية من التحدث إلى العائلتين الأخيرتين كي تحدد إن كانت تحركاتهما طوعية أم لا. في المقابل، علمت تلك المنظمة الحقوقية من سكان المخيم أن إحدى العائلات قلقت بشأن الظروف السائدة في “الركبان” إلى درجة أنها عادت فوراً إلى المناطق السورية الواقعة تحت سيطرة النظام، بالرغم من المخاطر الكبيرة المحيطة بهذه العودة. واستطراداً، لم تتمكن “اندبندنت” من التأكد بشكل مستقل من صحة هذه المعلومات، ولا التواصل مع السلطات الأردنية كي تدلي بتعليقها حولها.
في سياق متصل، أفادت منظمة العفو الدولية أن الأردن ليس البلد الوحيد الذي يعيد اللاجئين إلى سوريا، بالرغم من أن احتجاز اللاجئين وترحيلهم القسري يشكل انتهاكاً واضحاً لحقوقهم في الحرية وحرية الحركة. وكذلك يشكل انتهاكاً لحقهم في السعي للحصول على مستوى مناسب من الحياة والعناية الصحية، خصوصاً إذا أرغمهم الترحيل على اتخاذ قرارات صعبة، مثل الانتقال إلى أماكن قد تكون حياتهم معرضة للخطر فيها.
وفي ذلك الصدد، تجدد مجموعات حقوقية بينها منظمة العفو الدولية دعواتها إلى وضع حد لتلك الممارسة، داعية المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته وتوفير أماكن يمكن إعادة توطين اللاجئين السوريين فيها، إضافة إلى مساعدة الدول المضيفة على التعامل مع العبء الهائل المترتب على توفير المسكن والرعاية للاجئين، لأن الحاجة إلى توفر تلك الأمور باتت الآن أكبر من أي وقت مضى.
ومع رفع الإغلاق والعودة إلى فتح المعابر الحدودية، سترتفع على الأرجح نسبة الترحيل القسري للاجئين السوريين بعد أن دمرت الجائحة وإجراءات التصدي لـ “كوفيد- 19” اقتصادات البلدان المضيفة التي كانت تعاني في الأصل قبل استقبالها اللاجئين.
في ذلك المنحى، ترى الباحثة في شؤون حقوق اللاجئين والمهاجرين في منظمة العفو الدولية ماري فورستييه “أن الخطاب المتداول في شأن سوريا يتمثل في أن الحرب انتهت، ويسود اعتقاد خاطئ بأن الوضع هناك بات أقل خطورة الآن”. وتضيف أن “الأزمات الاقتصادية التي تطل برأسها، إضافة إلى الجائحة تشكل كلها عوامل قد تؤدي بالبلدان (المضيفة) إلى الرغبة في دفع اللاجئين السوريين إلى الرحيل”.
إن ذلك يحدث في تركيا التي تستضيف أكبر عدد من السوريين، ويبلغ عددهم حوالى أربعة ملايين شخص. وفيما تدور رحى الحرب الأهلية، وصف كثيرون شعورهم المتزايد بعدم الترحاب بهم وخوفهم من الفرص الاقتصادية التي تشح. وفي مايو (آيار)، وثقت منظمة العفو الدولية ست حالات لرجال سوريين رُحلوا قسراً من مدينة “قونيا” وسط تركيا إلى إدلب في سوريا. وقد أخبر أحد الرجال الستة تلك المنظمة أن السلطات التركية أجبرتهم على توقيع وثائق يوردون فيها أنهم يريدون العودة طوعاً إلى سوريا، وقد وصفت المنظمة الحقوقية تلك الممارسة بأنها “خطرة وغير قانونية”، وبات الرجال الأربعة يخشون على حياتهم الآن في سوريا. في السياق نفسه، نفت تركيا مرات عدة في أوقات سابقة أنها عمدت إلى ترحيل اللاجئين قسراً. وفي المقابل وثقت منظمة العفو الدولية العام الماضي مئات الحالات للاجئين سوريين في كل أنحاء تركيا، اقتيدوا واحتجزوا ونقلوا رغماً عنهم إلى سوريا.
وفي تطور موازٍ، تطاول تلك المخاوف أيضاً لبنان الذي يستضيف النسبة الأكبر عالمياً من اللاجئين قياساً إلى نصيب كل فرد من السكان. وفي العام الماضي أعلنت المديرية العامة للأمن العام اللبناني عودة 172046 لاجئاً إلى سوريا منذ ديسمبر (كانون الأول) 2017. وتخشى مجموعات حقوقية ألا تكون عودة هؤلاء الأشخاص طوعية فعلياً، لأن اللاجئين كانوا يهربون من الأوضاع المتردية في لبنان بما فيها عجزهم عن تحصيل (أبسط مقومات) الرعاية الصحية والوظائف والإقامة، إذ إن أوضاع ثلاثة أرباع اللاجئين السوريين في لبنان غير قانونية، وزاد الوضع سوءاً الانهيار الاقتصادي الذي حل بلبنان مؤخراً.
وفيما يرغب عدد كبير من السوريين في العودة إلى سوريا، يتوجب أن تكون عودتهم آمنة وألا تحصل إلا إذا كانوا في وضع يتيح لهم حرية اتخاذ القرار. وفي هذا الوقت، يتوجب على دول العالم أن تتحمل مسؤولياتها وتمد يد المساعدة، بدلاً من التخلي عن بعض أكثر شعوب العالم تهميشاً وضعفاً، في خضم جائحة كورونا.
© The Independent
المصدر: اندبندنت عربية