خلدون فحماوي
حسمت الحركة الإسلامية في الأردن الأمر وقررت المشاركة في الانتخابات البرلمانية المرتقبة في تشرين القادم، وذلك بعد مناقشات ومشاورات داخلية، ويأتي هذا القرار في ظل إحباط شعبي وأزمة في البلاد أرهقت العباد، وصفقة القرن التي تشكل خطرا على الأردن وعلى أبرز قضايا الأمة العربية، القضية الفلسطينية، وانقسام بالرأي داخل الحركة بين من يعارض المشاركة ومن يؤيدها، وربما لأول مرة تظهر الأصوات المعارضة لرأي الأغلبية خارج أروقة الحركة، إذ انتشرت على صفحات التواصل الاجتماعي الخاصة ببعض كوادر وأعضاء وأنصار الحركة الإسلامية “التغريدات والبوستات” التي تعبر عن رفضها للمشاركة في الانتخابات، وهذا مخالف للعادة المعروفة عن الحركة الإسلامية الأردنية التي تحتفظ بالاختلافات داخليا ويلتف الجميع حول القرار المتخذ من قبل الأغلبية خارجيا.
ومن الواضح أن الحركة الإسلامية قد اتخذت قرار المشاركة كواحد من أمرين أحلاهما مر، فواقع الأمر معقد داخليا وإقليميا، داخليا تخوض الحركة معركة سياسية مع الحكومة وتواجه تهديدات واعتقالات وتضييق وإغلاقات ورعاية لانشقاقات، إضافة إلى ذلك الخطر الوجودي الذي تواجهه من خلال تلويح الحكومة لها دوما بإمكانية حظر جماعة الإخوان المسلمين علما أنها جماعة مرخصة منذ أكثر من 70 عاما وهي جزء من النسيج السياسي والوطني الأردني الذي تشكل منذ تأسيس المملكة، أما إقليميا فالإخوان المسلمون يواجهون تحالفا إماراتيا سعوديا مصريا يسعى للقضاء عليهم، وربما بسبب هذه الظروف الداخلية والخارجية تحتم عليهم المشاركة في الانتخابات وذلك للحفاظ على وجودهم بالشارع وعلى شرعيتهم.
المشاركة اليوم صارت تحصيل حاصل، ولكن هل المشاركة فقط هي التي ستحافظ على شرعية الجماعة وعلى وجودها وعلى عمقها الشعبي وعلى الإصلاح ومحاربة الفساد وحماية كرامة الوطن والقضايا المركزية للأمة؟
تقدير الموقف يقول حتى يستطيع الإخوان الخروج من هذه الانتخابات بأقل الخسائر وبأكبر المكتسبات يفترض من الرأي المعارض أن يتنبه بأن معارضتهم العلنية ستؤدي إلى إضعاف الحركة، وهو ما سيؤدي إلى خسارة الجميع.
كما وينبغي على الحركة الإسلامية أن تكون أكثر حرفية هذه المرة بإدارة المرحلة وأن تحسن الاختيارات والتحالفات وتعطي للشباب مساحة للعمل وأصحاب الخبرات الفنية والأكاديمية والتي تتمتع بإجماع عشائري واجتماعي، فالمجتمع اليوم تغير ولم يعد الشارع مثل الأمس ينتخب الحركة الإسلامية فقط لأنها الحركة الإسلامية.
كما وينبغي الانتباه جيدا أن الإخوان لن يحصلوا على النصاب المعطل في مجلس النواب وذلك لعدة اعتبارات، أولها قانون الانتخاب وتوزيع المقاعد إلى جانب الاعتبارات الإقليمية والعشائرية والمناطقية والمصالح، هذا لو سلمنا أن الانتخابات ستكون نزيهة، ومن هنا لن يستطيعوا إيقاف أي قرار مصيري له علاقة بكرامة المواطن ولقمة عيشه أو كرامة الوطن أو أي قرار يمكن أن يمس بأي ثابت من ثوابت الشعب العربي الأردني تجاه القضية الفلسطينية وقضايا الأمة.
وهكذا نعود إلى المربع الأول وهو مربع الديكور وإذا ما حصل وتم تمرير أي قرار لا يتناسب ومصلحة الشعب الأردني سيخسر الإخوان ما تبقى لهم من عمق شعبي أو جزء كبير منه وسيعتبرهم الشارع شهود زور، ولهذا حتى لا يكونوا شهود زور هم أو غيرهم من النواب عليهم إيجاد خطة تجعل من مقاعدهم المحدودة في البرلمان ذات جدوى وقادرة على التأثير بالرأي العام ضمن الأطر الدستورية والقانونية وذلك للضغط على الحكومة من أجل الإصلاح ومحاربة الفساد وتعطيل أي قرار يشكل خطرا على كرامة المواطن والوطن وقضايا الأمة، وهذا يتطلب التواصل الدائم مع الشارع والنزول من الأبراج العاجية والقواقع التنظيمية والالتحام مع الشارع وإبراز شخصيات شعبية مؤثرة، وأن يحيطوا أنفسهم بماكينة إعلامية قادرة على إيصال صوتهم للناس ولصناع القرار وحمايتهم، وأن تتضمن هذه الماكينة فريقا من الصحافة الاستقصائية القادرة على فتح ملفات الفساد حتى إيصالها للقضاء وبمساندة من فريق قانوني يتابع الملفات مع القضاء.
المصدر: العربي الجديد