نجاة السعيد
منذ اندلاع ثورة الخميني عام 1979 وإيران تريد أن تجعل من نفسها حاضنة للشيعة في أصقاع الأرض. واستثمر النفوذ الإيراني على مدار الأربعين عاما في تحريك الهوية الطائفية لدى الشيعة وغرس بفكر الكثيرين أن ما تقوم به إيران لنصرة المستضعفين (الشيعة) على الأرض. إلا أن المتتبع بدقة لتحركات النظام الإيراني يدرك تماما أن هذا النظام غير معني بالشيعة بل يستخدمهم لخدمة أجندته.
فالنظام لا يدعم إلا الشيعة الموالين له ويطيعونه طاعة عمياء مثل كثيرين في لبنان والعراق والبحرين والكويت…إلخ. أما من يختلف معه من الشيعة ومتمسك بقوميته الوطنية وضد هذا النفس الطائفي فهو يحارب أشد محاربة، كما نرى عداوته ضد شيعة الأحواز. ولعل الاشتباك العسكري بين أذربيجان (الشيعية) وأرمينيا (المسيحية) مؤخرا واصطفاف إيران ضد أذربيجان أكبر دليل أن سياسة إيران تجاه الشيعة استعبادية، فالشيعة المختلفين معها أيديولوجيا واستراتيجيا تحاربهم على الفور.
أذربيجان، وعلى الرغم أن الشيعة فيها أغلبية سكانية حيث يمثل الشيعة ما يقرب من 70 في المئة من السكان والأغلبية منهم جعفرية، إلا أن نموذجها العلماني ـ القومي يتناقض مع النموذج الديني ـ الطائفي الذي تُقدّمه إيران. ولهذه الأسباب الموقف الرسمي الإيراني داعم لأرمينيا، ومع أن وزير خارجية إيران، محمد جواد ظريف، أعلن عن استعداد بلاده لتقديم خدمة الوساطة بين الطرفين، إلا أن مواقع أذربيجانية قد كشفت عن قيام طهران بتسهيل وصول شحنات من الأسلحة الروسية إلى أرمينيا.
والسبب خلف ذلك أن أذربيجان لم تعرف نفسها من باب الهوية الطائفية كما يريد النظام الإيراني، فالدولة علمانية كما أنّ مواطنيها من الشيعة لم يتبنوا الهوية الطائفية لتعريف أنفسهم، بل يُعرّف الأذربيجانيون أنفسهم من باب الهوية القومية وليس الطائفية الشيعية. كذلك لا توجد في أذربيجان تلك الحساسية بين الشيعة والسنة كما هو في إيران، فمساجد الشيعة مفتوحة لأهل السنة للصلاة فيها.
إن أكثر ما يتخوف منه النظام الإيراني أن يمثل نجاح نموذج أذربيجان (العلماني ـ القومي) خطرا على نموذجه الطائفي الديني بحيث يصبح نموذج أذربيجان جذّابا للشيعة الإيرانيين ـ خاصة الإيرانيين الأذريين، الذين يُشكّلون حوالي ربع إلى ثلث عدد السكّان في إيران ـ وكذلك العرب بشكل يؤدي إلى تقويض نموذج الحكم الايراني الديني.
وقد كانت أذربيجان متخوفة من هذا النموذج الطائفي وحمت نفسها من خلال تبني النموذج العلماني الذي ساعد على توسيع الفجوة بينها وبين إيران.
كذلك لا يخفى على أحد تنكيل النظام الإيراني بالعرب الأحواز مع أن غالبيتهم من الطائفة الشيعية إلا أنهم مضطهدون فقط لأنهم لم يتبنوا نموذجه الطائفي الديني وتمسكوا بعروبتهم. ويعتبر عرب الأحواز من أولى ضحايا نظام الجمهورية الإسلامية، حيث قمعت الحكومة المؤقتة التي شكلها الخميني في بداية الثورة عام 1979 انتفاضتهم السلمية التي طالبوا خلالها بإقامة حكم ذاتي لإقليم عربستان (الأحواز).
وقد ارتكب الجنرال أحمد مدني (حاكم الإقليم في حينه) مجزرة راح ضحيتها أكثر من 817 قتيلا، وما يقارب 1500 جريح، وآلاف من المعتقلين. وما زال النظام الإيراني إلى الآن يستعبد الشعب الأحوازي وقد كانت آخر الاشتباكات في شهر أغسطس الماضي عندما هُدّمت منازل المحرومين في قرية أبو الفضل وإطلاق الرصاص والغاز المسيل للدموع على المواطنين المحتجين، الذين لا ذنب لهم سوى الدفاع عن حياتهم ومنازلهم. وسبب هذا الهدم أن “مؤسسة المستضعفين”، التابعة لخامنئي مباشرة، ادعت ملكية هذه الأراضي وطالبت بإخلاء أراضي القرية، ووفقا للصحافة الحكومية، يعيش في هذه القرية حوالي 300 عائلة أحوازية منذ أربعة عقود.
إن هذه المعاملة الوحشية لا تقتصر فقط على الأحوازيين بل على أي مواطن إيراني ضد هذا التوجه الديني الطائفي وهذا ما شاهدناه من إعدام النشطاء الذين شاركوا في الاحتجاجات المناهضة للنظام، لا سيما تظاهرات وانتفاضة نوفمبر 2019. وكان آخر الإعدامات الوحشية للمصارع القومي الثائر ضد الفاشية الدينية للنظام، نؤيد أفكاري، الذي أُعدِم يوم 12 سبتمبر 2020 وقد ذُكِر أن الاعترافات انتزعت من أفكاري تحت وطأة التعذيب.
هذا غيض من فيض عن جرائم وبطش النظام الإيراني ضد الشيعة غير المتوافقين مع نموذجه، فهذا النظام إن لم يستسلم له الشيعة استسلاما كاملا فهو يقتلهم ولا يقاتل عنهم، ويحتمي بهم ولا يحميهم، يدفعهم إلى الحروب والصراعات لحماية نفسه ولا يدافع عنهم.
المصدر: الحرة. نت