فائز الدغيم
الانتشار العشوائي لمخيمات النازحين في الشمال السوري، وعدم دراسة مواقع إنشائها مسبقاً، وقرب بعضها من مجاري الصرف الصحي ومكبات النفايات، فضلاً عن افتقارها للبنية التحتية وشح المياه؛ جعل منها بيئة خصبة لانتشار الأوبئة والأمراض الجلدية.
“القوباء الجلدي” آخر الأمراض انتشاراً في المخيمات، حيث سُجلت قبل أيام 40 إصابة بالمرض في مخيم “الدويلة” قرب سلقين بريف إدلب الغربي، وذلك بحسب محمد الحمود مدير المخيم والذي أكد لموقع تلفزيون سوريا، استجابة المنظمات وتقديم العلاج للمصابين بالمرض وشفاء معظم الحالات، لكن الحمود أشار إلى افتقار المخيم لشبكة صرف صحي وأن الصرف الصحي يجري على شكل سواقي بين الخيام ويتجمع في مستنقعات صغيرة.
بدوره قال الطبيب أنس الدغيم رئيس دائرة الرعاية الصحية الأولية في مديرية صحة إدلب، لموقع تلفزيون سوريا، بأن فريقاً من المديرية توجه على الفور إلى المخيم وقيّم الوضع هناك وأن مديرية الصحة أوعزت إلى الرابطة السورية للمغتربين “سيما” بتحويل عياداتها المتنقلة العاملة في المنطقة إلى المخيم والقرية والعمل بشكل يومي هناك حتى شفاء جميع الحالات وذلك بعد تمدد المرض إلى القرية وانتشاره فيها.
وأضاف الدغيم بأن أكثر من 30 حالة شُفيت في المخيم من أصل 40، بينما شفيت 15 حالة في القرية من أصل 50، وعزى قلة حالات الشفاء في القرية بسبب عدم التزام المصابين بتعليمات العلاج اليومية.
انتشار المرض
ما لبث المرض الجلدي أن ظهر في مخيم الدويلة حتى انتشر في كثير من المخيمات أيضاً، حيث قال سيد السيد مدير كتلة الشيخ ادريس 1 في مخيم الطيب قرب بلدة كفردريان في حديثه لتلفزيون سوريا، بأن عدد الإصابات قرابة الـ 40 إصابة، لكنهم لا يستطيعون الجزم بأن جميعها قوباء أم أن بينها لاشمانيا، حيث يحتاج ذلك لطبيب مختص وهو ما لم يجدوه حتى الآن.
كما اشتكى السيد من عدم حضور أي منظمة طبية إلى المخيم، رغم نداءات الاستغاثة التي وجهها وطالب المنظمات الطبية بمعالجة الإصابات نظراً لعدم قدرة الأهالي على التوجه إلى أطباء الجلدية ودفع تكاليف العلاج.
وتبين أن السبب الرئيس لانتشار المرض هو إقامة المخيم على جانب المجرى المكشوف للصرف الصحي لبلدة كفردريان بمسافة لا تتجاوز 100 متر، وأوضح مدير المخيم بأنهم لم يجدوا أرضاً يستأجرونها لإقامة المخيم عليها إلا في هذا الموقع.
وذكر “سيد” بأن جمعية “صدقة طاش” التركية هي من قامت ببناء الكتل الأسمنتية في المخيم، ووعدت بتقديم كل الخدمات له ومن بينها البنى التحتية والصرف الصحي، إلا أن الجمعية تخلّت عن المخيم فور الانتهاء من بناء الكتل الأسمنتية، بحسب كلام مدير المخيم
كما سُجّلت عشرات الإصابات في عدة مخيمات، وتلقى البعض منها فقط العلاج من الجهات الطبية من بينها مخيم “أهل التح” والذي وضح ذلك في منشور على صفحة المخيم على “فيسبوك”، جاء فيه “بعد رصد أكثر من حاله مرضية جلدية في المخيم تم التنسيق مع العيادة المتنقلة لمنظمه هاند حيث تبين أن أكثر من 20 حالة من مرض القباء المعدي حيث تم معاينة الحالات وإعطاء الدواء المناسب”.
أما محمد حلاج مدير فريق منسقو استجابة سوريا، فحمّل في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، مسؤولية إقامة المخيمات في مناطق قريبة من مجاري الصرف الصحي ومكبات النفايات، إلى كل من المنظمات الإنسانية والمدنيين على حد سواء. وذلك بسبب سوء التخطيط وضخامة أعداد النازحين خلال الحملات العسكرية والتي استدعت إقامة المخيمات في مناطق سهلية على عجالة، لاستيعاب النازحين كون المناطق الصخرية تتطلب وقتاً أطول ليتم تجهيزها بحسب حلاج.
وعن سبب انتشار الأمراض والأوبئة، فأوضح حلاج أن أكثر من 85 بالمئة من مخيمات الشمال السوري تفتقر لشبكات الصرف الصحي وأن مياه الصرف الصحي غالباً تجري بين الخيام.
وأضاف حلاج بأن الفرد في مخيمات الشمال السوري لا يحصل على كمية كافية من المياه للاستهلاك اليومي ويفتقر الكثير من النازحين لمستلزمات النظافة الشخصية، فضلاً عن بقائهم في العراء لفترات طويلة عرضة للحشرات الناقلة للأوبئة والأمراض.
وتوقّع حلاج انتشاراً أكبر لهذا المرض وغيره من الأمراض المعدية بسبب الاكتظاظ السكاني الكبير في المخيمات وقلة الوعي بين سكان المخيمات.
أما اختصاصية الجلدية الطبيبة “سنابل شلاش” فأعطت في حديثها لموقع تلفزيون سوريا، معلومات طبية عن القوباء، وهي عبارة عن مرض جرثومي شائع وخاصة في فصل الصيف، ولا خطورة له إن تمت معالجته مبكراً، لكن أخطر ما فيه هو انتقاله عن طريق العدوى من شخص مصاب إلى آخر سليم عبر الملامسة أو استعمال ذات الأغراض الشخصية، وكونه يصيب الأطفال بشكل أساسي وخاصة الرضّع منهم.
وأضافت الطبيبة بأن الإصابة تظهر على شكل آفات محمرة مغطاة بجلبات صفراء على الوجه، وخاصة حول الأنف والفم، وكما تظهر على كل من اليدين والقدمين.
وأكدت الطبيبة على ضرورة عزل المصاب عن الاختلاط ببقية الأشخاص، والبدء بعلاجه عن طريق الأطباء المختصين للحد من انتشار المرض أولاً والبدء بالعلاج الصحيح ثانياً.
كما أوصت الطبيبة “شلاش” بالمحافظة على الجسم نظيفاً عبر غسل اليدين والوجه باستمرار والاستحمام المنتظم وقص الأظافر أيضاً للأشخاص السليمين، أما بالنسبة للمصابين فشددت على ضرورة المحافظة على نظافة الجلد وتقليم الأظافر لمنع المصاب من تخريش الآفات الناجمة عن الإصابة وعدم مشاركة ملابس ومناشف المصاب مع الآخرين تجنباً لنقل العدوى.
واشتكى محمود النايف وهو أحد سكان مخيم الشيخ إدريس من سوء الخدمات وانعدام البنى التحتية مشيراً إلى تحملهم أعباءً مادية كبيرة نتيجة قيامهم بدفع أجرة لجرار للقيام بترحيل القمامة خارج المخيم على نفقتهم الخاصة بعد تخلي المنظمات عنهم، كما أبدى تخوفه من إصابة أطفاله بهذا المرض لعدم قدرته على دفع تكاليف علاجهم.
وحث الناشط الإعلامي قصي الخطيب المنظمات الإنسانية على الارتقاء بالواقع الخدمي للمخيمات ووصف حياة النازحين داخل المخيمات بأنها لا تطاق بسبب النقص الشديد في الخدمات أو انعدامها، واعتبر الخطيب أن المنظمات تنفق مبالغاً مالية طائلة على أمور أخرى لا تفيد سكان المخيمات وليست من حاجاتهم الأساسية متجاهلة مطالبهم.
وأظهرت إحصائية لفريق منسقو استجابة سوريا، شهر آب الماضي، ازدياد عدد السكان في مناطق سيطرة المعارضة بمحافظة إدلب والأرياف المحيطة بها من حلب وحماة واللاذقية.
ووفقاً للإحصائية، بلغ إجمالي عدد السكان 4 ملايين و186 ألفاً و704 نسمة، نصفهم من السكان المقيمين (مليونان و98 ألفاً و614)، ونصفهم نازحون ومهجرون (مليونان و81 ألفاً و507). في حين بلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين والعراقيين 6 آلاف و583 شخصاً.
وتحتوي المنطقة المشمولة بالإحصائية، 1293 مخيماً، بينها 382 مخيماً عشوائياً، ويعيش في المخيمات مليون و43 ألفاً و689 نازحاً ومهجراً، بينهم 185 ألفاً و557 شخصاً في المخيمات العشوائية.
ويعيش سكان المخيمات في الشمال السوري ظروفاً إنسانية صعبة للغاية، في ظل افتقار المخيمات لأبسط مقومات الحياة كالكهرباء والمياه الصالحة للشرب والبنى التحتية الأساسية، كدورات المياه المنفصلة وشبكات الصرف الصحي.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا