كل الثورات تمر بحالات ضعف وقوة، ومراحل صعود وهبوط، ومد وجزر، وكل الثورات تصيب وتخطئ، ولكن المهم دائما في الثورات ألا تضيع البوصلة، وألا يزوغ البصر عن الهدف، وتحديد العدو، أو معسكر الأعداء، لأن هذا لو حدث لانحرفت الثورة، وطاشت، وأنهت نفسها بنفسها.
والثورة السورية ليست بدعا بين الثورات، والقاعدة السابقة تنطبق عليها. وهي حاليا بسبب تشتت قواها وحالة الضعف التي تمر بها حاليا، وما يتبعها من إحباط مهددة بخطر زيغ البصر، وضياع الهدف، وعدم التمييز بين العدو والصديق، والخلط في ترتيب الأعداء وأولويات المواجهة.
يتفق السوريون بغالبيتهم الساحقة على أن نظام الطغيان والتسلط الأسدي، كان وسيبقى العدو الأول لشعبنا بكل طوائفه ومكوناته، لأنه أساس الكارثة ومصدر العلة، وبإسقاطه يسقط العنصر الرئيسي في المأساة.
ويتفق السوريون أيضا وبدرجة تبلغ حد الإجماع تقريبا، بما فيهم كثير من الموالين للنظام الخائن، على أن إيران هي العدو الأخطر لسورية، وللسوريين، وللعرب في هذه المرحلة، لأنها عدو شرس وصاحب أطماع تاريخية توسعية، تستهدف البلد والمجتمع بمكوناتهما الأساسية ديمغرافيا وقوميا وثقافيا ودينيا، ناهيكم عن أمنهما واقتصادهما. وعلينا مقاومته وقتاله وإجلاؤه عن أرضنا ومقدساتنا، مثله مثل العصابة المتسلطة.
كما يتفق السوريون على أن روسيا هي العدو الأكبر والأكثر وحشية في حربه على شعبنا وثورتنا، ولولا جبروت آلته الحربية لسقط الأسد وزمرته منذ خمس سنوات على الاقل، كما اعترف لافروف بنفسه. ولولا الفيتو الذي استعملته روسيا 13 مرة في مجلس الأمن دفاعا عن عميلها في دمشق لكانت العدالة الأممية قد وضعت حدا لجرائمه منذ 2012.
والولايات المتحدة بطبيعة الحال عدو استراتيجي لشعبنا وبلادنا، ولكل العرب، منذ سبعين سنة للأسف، منذ أن اختارت أن تكون نصيرا وحاميا وسندا ثابتا للكيان الصهيوني. ومع أننا لسنا الآن في حالة حرب معها، إلا أن الصراع قد يتصاعد معها في أي لحظة، بسبب موقفها المساند لمشروع الانفصال الكردي في الشمال.
ولا شك أيضا أن اسرائيل عدو وجودي ومصيري دائم لشعبنا وبلدنا ولكل شعوب وبلدان الأمة العربية، تحتل فلسطين التي تعتبر بالمنظور التاريخي والاستراتيجي جزءا من سورية الطبيعية. وتحتل الجولان منذ سلمها حافظ الأسد عام 1967 بلا قتال للعدو. وما من عدو أكثر من اسرائيل يتآمر على بلدنا وعلى بلدان المنطقة العربية، طوال قرن ونيف من الزمان. ورغم هذه البديهيات التاريخية التي يحفظها تلاميذ المدارس الابتدائية في سورية، ويجتمع شعبنا عليها منذ بداية المشروع الصهيوني، بدأنا في الآونة الأخيرة نسمع أصواتا متزايدة ناشزة تبرئ هذا العدو الخطير من دمائنا ومن التآمر علينا ومن تهديده لنا، وتدعو بوقاحة بالغة لشطبه من دائرة الأعداء، بطريقة مريبة، ربما تمهد الأجواء للتعاون أو التحالف معه، بحجة أن الأولوية هي لقتال الأسد وإيران وروسيا.
مثل هذه الأصوات المنكرة لا تعبر عن حالة وعي في مسيرة الثورة، ولا عن حالة نضج بعد عشر سنوات من البطولات والتضحيات الغالية في مواجهة تحالف الأعداء الذي نواجهه دفاعا عن وجودنا. بل تعبر عن حالة انحراف عميق عن مبادئ الوطنية السورية الأصلية، وأشبه ما تكون بحالة هذيان مرضي ناجمة عن سقوط في فخ الدعاية الزائفة التي يروجها العدو وطابوره الخامس. ولا يمكن لها أن تمثل روح الثورة السورية، ولكنها تمثل الثورة المضادة، وثقافة الهزيمة المتفشية بيننا وحولنا.
إننا نطالب جميع مكونات الثورة السورية ومثقفيها وفصائلها بعدم التساهل والتهاون مع هذه الأصوات والجماعات التي تروج لمثل هذه الدعوات والأفكار المريبة، ونطالب بالتصدي لها بحزم، باعتبارها مجموعات مشبوهة تسعى لحرف الثورة وتشويهها، لعزلها عن حاضنتها الوطنية والقومية، كما سبق أن جرى تشويهها وتلطيخ صورتها بإلصاق تهمة الطائفية والتطرف بها، وتحميلها مسؤولية ما اقترفته داعش والقاعدة وأمثالهما ومشتقاتهما من جرائم وارهاب.
نحن لا نفتعل الحقائق ولا نزيف الواقع حين نقول إن اسرائيل عدو دائم لشعبنا وأمتنا، وصراعنا معه صراع وجود لا صراع حدود، وهو منخرط بكل قواه في التآمر علينا، وفي دعم الاسد ليبقى نظامه حارسا وعميلا له، وهذا العدو لا يتوقف عن تشجيع كل من يعمل لتفتيت وتمزيق سورية أرضا وشعبا.
إن الدعوة لتحييد (العدو) وتجاهل دوره في التحالف المعادي لنا تجعل من يطرحها في صف واحد مع الأسد حليف اسرائيل العضوي، وتضعه في طابور واحد مع الروس والأميركان.
اسرائيل تعمل مع الأسد ليواصل سياسته التدميرية ويحمي أمنها، وتعمل مع الروس ومع الأميركيين لترسيخ وتعميق حضورها على أرض الوطن، وتعمل مع قوى (التجزئة الكردية) لتقسيم سورية. ولن يكون مقبولا أو مسموحا لأحد تبرئتها من دمائنا، وعقد صفقات سلام وتحالف معها باسم الثورة السورية، وباسم الشعب السوري.
إننا نحذر الخونة من ارتداء ثياب الثورة لإخفاء خيانتهم، فالثورة السورية في حالة تناقض جوهري وأزلي مع اسرائيل، ولن نتردد في فضحهم وفضح أسمائهم ومواقعهم.
المصدر: موقع ملتقى العروبيين