محمد سعيد سلام
لم يقدم الائتلاف خدمة سياسية للسوريين يكشف فيها عن حقيقته باعتباره منجزا إقليميا ودوليا يتعارض كليا مع الثورة السورية كقراره المشؤوم المرقوم بأربع وعشرين بتاريخ 19 تشرين الثاني، من حيث جاهزيته للقفز على كل تضحيات السوريين والانصياع للخارجي والذهاب إلى الإجرام والتوحش وشرعنته مجددا.
وإن التفاعلات الشعبية التي تمخضت بعد هذا القرار وضده تؤكد مرة ألف بعد عدد كبير أن هذه الثورة العظيمة بإرادتها الهائلة مازالت قادرة على تمييز الأدوات ورميها نحو مشغليها خائبة خاوية الوفاض. وتثبت أن حالات الارتهان واليأس والانزواء والإرهاق غير صائبة في قرارها ومشاعرها. وتستنهض الهمم الراكدة والمنطوية وتقول لهم: يبدو أنكم لم تعرفوا حقيقة ثورتكم وما حملته من تغيير يتجاوز المحلي والإقليمي، ويضع الدولي أمام قضية مفصلية تؤكد أن سيطرته على الإرادات والتحكم بمصيرها قد أصبح من الزمن الماضي بمستوى ما دون أن يتوقف.
ويوجد تشابه كبير بين من يدافع عن هذا الهيكل وبين من كان يدافع عن العصابة الحاكمة في الشهور الأولى للثورة العظيمة من حيث النتائج السياسية، فهناك من يدعو إلى إعادة الهيكلة التي لا تختلف عن الدعوة إلى إعادة هيكلة الأجهزة القمعية، والعبارة الأكثر غرابة أو سخرية قول القائلين: لا بد من الحفاظ على مؤسسات الثورة!
ومنذ متى وجدت عقلية المؤسسات عند هؤلاء من حيث التداول والشفافية المالية واعتماد الأكفأ وتصدير التقارير الدورية ومطالعة الشعب بالمستجدات؟! وكيف يستقيم حسبانها مؤسسات لثورة الإرادة الذاتية وهي صناعة الإقليمي والدولي الذي يؤمن بالوصاية والهيمنة؟!
وإني إذ أعتقد بأهمية توضيح قوة الثورة وإبراز تصميمها المفصلي فإن حرصي الأكبر على تبيين الترجمة العملية لهذه التفاعلات، والتي تشير إلى أن الفراغ السياسي الواجب ملؤه أو الاقتراب منه مازال على حاله عموما؛ فلم يستطع كثيرون – وربما الجميع – من حيث الإسهام والنتيجة الدمج بين إشكالات هيكل قرار 24 والهياكل الأخرى، وأن خانتها جميعها واحدة، وأن تداخلها وبنيتها وطبيعة علاقاتها وخضوعها للإقليمي والدولي ومآلاتها لا يختلف إلا من حيث عدد الأسهم؛ فنصيب الإقليمي ” س ” في هذا الهيكل أكثر من نصيب الإقليمي ” ص ” في الهيكل الآخر، والعكس صحيح، وإن بعض – أقول بعض – الذين شاركوا في إسقاط شرعية الائتلاف يريدون تشكيل رافعة لهيكل آخر يماثله في الكوارث السياسية، وإن بعض الذين يهاجمون أفرادا في الائتلاف يدعمون روافع أفراد آخرين في الهياكل المماثلة، والأفراد المدعومون الآن بطريقة غير مباشرة هم أنفسهم الذين مكنوا الأفراد المهاجمين – بفتح الجيم – للقيام بالخطيئات السياسية الكبرى التي طعنت الثورة لصالح الإقليمي والدولي .
وقد ذكرت ذلك لبعض الإخوة الذين قدموا جهودا طيبة، فمنهم من لم يستوعب، ومنهم من لم يرد أن يستوعب. وبعضهم يدرك أن هؤلاء جميعا يتكاملون في أدوارهم فضلا عن أنهم لا يختلفون عن بعضهم؛ لا أدل على ذلك من أن تبادل المواقع والصفات الرأسية فيما بين الهياكل في غاية السلاسة وكان آخرها من أسابيع.
والإمعان في المكتوب الذي تم تصديره في الأيام القليلة الماضية يظهر الخلل القديم الجديد في الحرص على استهداف الأدوات مع السير في طريقها عن إدراك أو دونه، فكانت الدعوة إلى توجيه رسائل مكتوبة إلى الجهات الإقليمية والدولية المصنعة لهذه الهياكل! وكان التوجه إليها بخطابها أيضا أن هذه الهياكل لا تمثلنا!
والأولى أن يكون الخطاب بلغة سياسية مهنية متماسكة أن ما صنعتموه من أدوات لا تختلف عن العصابة المجرمة في علاقتها مع قضايانا، وما ستصنعونه لن ينفعكم ولا خيار أمامكم الا الاعتراف بالإرادة الشعبية. والفرق بين الخطابين جوهري بأعلى الحدود على قلة كلمات العبارتين.
ولم يتم حتى حينه التقاط ضرورة الارتكاز على الشعبي المحلي قبل أي إقليمي أو دولي، وأن الثقة الزائدة في العلاقة معهم على حساب الذات المحلية الحرة سيزيد انتكاساتنا وارتكاساتنا .
والكارثة السياسية الكبيرة حينما تكرس هذه الخطابات الداعية إلى إسقاط شرعية الأدوات الوصاية الدولية على ثورتنا فتجمع عن جهالة مركبة التوافق بين الشعبي الحر وبين ما يسمى ” بالمجتمع الدولي ” لإنتاج حكومة انتقالية، ناسية أو متناسية أن الجهود والدعم للمجرمين والقتلة لمنع تحقيق الانتقال السياسي كان هائلا.
وما زال بعضهم يسمي الإجرام الروسي تدخلا، ويتحاشى آخرون التعرض للاحتلالات المتعددة لسورية الثورة، متغافلين عن أنه لا يكفي في الخطوة السياسية مهما كانت مهمة وضرورية أن تنجز أمرا ما، بل يجب التنبه إلى منع الخصوم والأعداء أو سواهما من الاستفادة منها في زمان ومكان ما ضد أصحاب الخطوة أنفسهم.
ليست الغاية هاهنا كما هناك التقليل من جهود أحد، أو المس بوطنيتهم، أو مصادرتهم قيمة عملهم، أو عدم تقدير دورهم؛ إنما الحرص على تحري الدقة والمهنية، ومنع تكرار التجارب المأساوية الفاشلة.
ومازال الوهم كبيرا في صناعة البديل العام الذي تفصلنا عنه مراحل، وغير معلل عندنا عملية الاستعجال؛ كما تتبدى الأمراض في تحصيل الصفات الورقية والتمترس خلف مسميات كبيرة بمفرداتها دون مضامين ومفاعيل تذكر، من أمثال: التكتلات والتجمعات والتحالفات والمبادرات والهيئات والمجالس والاتحادات والحركات الوطنية، العصية على الإحصاء، والتي لا تكاد تميز إلا بحروف الجر المثبتة في عناوينها.
ولا يوجد تمييز بين المهنيين والمتطفلين والمتحمسين والبسطاء، وبين أصحاب التجارب والمدعين. والكثير مستعد لأن يدخل مع كل أولئك بالرغم من معرفته بهم كليا أو جزئيا.
وختاما، فإن ما يجب العمل عليه هو معرفة كل ذلك، وعدم مسايرته، أو الانجرار وراءه، أو دعمه، أو الدخول فيه، والحرص على نقده بأناقة عالية تحافظ على أقدار الناس ومشاعرهم، وتعزز الثقة فيما بينهم .
والدعوة إلى ورشات سياسية وجاهية لعدد مصغر من السوريين أثبتت التجربة صحة رؤيتهم وخطواتهم، واجتماعهم مع بعضهم في ثلاثة أماكن ابتداءً: في سورية – كل سورية – وفي تركيا، وفي أوروبا، ثم التواصل فيما بينهم وتبادلهم للمخرجات وتقديم خلاصات سياسية مكتوبة، وتسويقها للسوريين عبر طرق ووسائل متعددة .