جلال بكور وعماد كركص
قُتل قيادي سابق في فصائل المعارضة السورية المسلَّحة مع ابنه، في هجوم جديد من مجهولين في درعا جنوبي سورية، فيما عُقد اجتماع بين وجهاء من درعا والسويداء بهدف توثيق العلاقات وتوطيدها بين الطرفين، بعد توتر استمر شهوراً عدة على خلفية استيلاء الفيلق الخامس على أراضٍ تعود للسويداء، ووقوع عمليات خطف متبادلة واشتباكات أوقعت خسائر بشرية من الطرفين.
وقالت مصادر محلية لـ”العربي الجديد” إن مجهولين هاجموا بالأسلحة النارية المدعو عاكف الزكي، وابنه البالغ من العمر قرابة 16 عاماً، أمام منزلهما في بلدة الكرك الشرقي بريف درعا الشرقي، الأمر الذي أدّى إلى مقتلهما على الفور.
وبحسب المصادر، فإن الزكي كان من قياديي فصائل المعارضة السورية سابقاً، وهو من المطلوبين للنظام السوري، ومن الأشخاص الذين لا يقبل النظام السوري دخولهم في عملية المصالحة والتسوية، وكان له دور في صدّ قوات النظام التي حاولت اقتحام بلدة الكرك الشرقي، بعد هجوم مسلَّح على حاجز عسكري تابع للمخابرات الجوية الشهر الماضي.
وقالت المصادر إن الزكي متهم من قبل فصائل التسوية المحلية أيضاً بالضلوع في عمليات خطف أشخاص مدنيين من درعا والسويداء، وجاء مقتله بالتزامن مع عقد اجتماع بين وجهاء من درعا والسويداء في قرية برد بريف السويداء، وذلك بهدف إعادة توثيق العلاقات وحل المشاكل العالقة بين الطرفين.
وقال الناشط محمد الحوراني في حديث مع “العربي الجديد”، إن الاجتماع حصل مساء أمس الإثنين، بحضور مجموعة من الشيوخ والوجهاء من الطرفين، حيث حضر من درعا الشيخ عوض المقداد أبو ثائر من مدينة بصرى الشام، والشيخ عبد الوهاب المحاميد من درعا البلد، والمحامي أبو أحمد الهويدي من بلدة معربة، في حين حضر من الطرف الآخر الأمير لؤي الأطرش وشيخ العقل حمود الحناوي، بالإضافة لمجموعة من الوجهاء والشيوخ من الطرفين.
وجرى خلال الاجتماع بحث العلاقات بين الطرفين وسبل رأب الصدع ومنع اندلاع الفتنة بين أبناء السهل والجبل، والتأكيد على أن الحوادث السابقة لن تعكر صفو العيش المشترك ولن تؤدي إلى الفتنة وإثارة البلبلة والقتال بين الإخوة في المحافظتين.
وتؤكد مصادر محلية لـ”العربي الجديد” أن المحادثات التي تجري بهدف الوصول إلى حل نهائي، لا علاقة للنظام السوري بها، “لأن المستفيد الأكبر من الفتنة في المنطقة هو النظام الذي يريد إضعافها من أجل إعادة بسط سيطرته ونفوذه على المنطقة”.
والاجتماع الذي عقد في برد هو الثاني من نوعه خلال شهر، حيث حضرت الاجتماع شخصيات من مستويات اجتماعية ودينية رفيعة، تباحثت في قضايا تخص تثبيت السلم الأهلي بين المحافظتين الجارتين، بحسب ما نقله موقع “السويداء 24”.
ونقل الموقع أن الاجتماع حضره كل من الأمير لؤي الأطرش وشيخ العقل حمود الحناوي، اللذين التقيا وجهاء من مناطق مختلفة من محافظة درعا في مقدمتهم الوجيه أبو ثائر عوض المقداد من بصرى الشام، بالإضافة لحضور شخصيات عسكرية من الجانبين. وجاء الاجتماع استكمالاً للقاء الذي جرى بين الجيران من المحافظتين مطلع الشهر الماضي، وأفضى لانسحاب مسلحي “الفيلق الخامس” من أراضي بلدة القريّا، في خضم الجهود التي بذلت لفك الاشتباك وانهاء حالة التوتر. كذلك، جرى التأكيد على السلم الأهلي بين الجيران، وعدم السماح لأي طرف بالعبث باستقرار المنطقة، كما تطرق لبحث آليات حل الأوضاع الأمنية في المحافظتين.
وشهدت المنطقة الفاصلة بين محافظتي درعا السويداء نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، أحداثاً دامية من خلال مواجهات بين مجموعات من المحافظتين، بعد أن اتهم مسلحو السويداء مجموعات تتبع لـ “اللواء الثامن” الذي يقوده أحمد العودة وينضوي تحت “الفيلق الخامس” الذي شكلته روسيا في سورية، بالتقدم والسيطرة على أراضٍ داخل بلدة القريا بريف السويداء الجنوبي الغربي، الأمر الذي ردّ عليه عناصر “الدفاع الوطني” في السويداء بهجوم على نقاط متقدمة للواء بين القريا ومدينة بصرى الشام شرقي درعا من جهة الجنوب، شاركهم خلاله عناصر “حركة رجال الكرامة”، إلا أن الهجوم أوقع 17 قتيلاً من مسلحي السويداء، وقتيلاً واحداً من عناصر “اللواء الثامن”، بالإضافة لعشرات الجرحى بين الطرفين. وإثر الهجوم، تقدمت قوات العودة في المزيد في أراضي بلدة القريا، الأمر الذي لا يقبله أهالي البلدة وأهالي السويداء بالعموم.
وسبقت هذا الهجوم حالات خطف متبادلة بين السويداء ودرعا، اتهم نشطاء من المحافظتين الأفرع الأمنية للنظام بالتحريض عليها أو الوقوف وراءها بهدف تغذية صراع مذهبي بين المحافظتين، يكون من خلاله طرفاً رابحاً هناك.
ولتفاصيل إضافية عن الاجتماع الأخير، قالت مصادر من داخل محافظة السويداء لـ “العربي الجديد”، إنه تمت خلال الاجتماع مناقشة ملف تعويض أهالي القتلى الذين سقطوا في المواجهات الأخيرة، من خلال الاتفاق على إعداد ملف خاص لهذا الموضوع، لتكون هناك خطة للتعامل مع هذا الملف بشكل رئيسي، إضافة لبحث الأوضاع الأمنية في المحافظتين، والحديث عن المجموعات التي تثير الفتن وكيفية التعاطي معها وتحييدها عن المشهد.
وأشارت المصادر إلى أن المجتمعين ناقشوا ارتفاع معدلات الخطف التي تُتهم فيها بشكل رئيسي مجموعات التسوية المرتبطة بالأمن العسكري (المخابرات العسكرية)، حيث تم منح عناصر هذه المجموعات بطاقات وسيارات أمنية، والذين يلعبون دوراً في إطلاق سراح المختطفين كذلك مقابل فديات تصل إلى عشرات ملايين الليرات، حيث يقومون بتحصيل نسب جيدة من هذه الفديات تحت بند “شوفة خاطر” نظراً لجهودهم في التنسيق بين مجموعات الخطف التي يرتبطون بها أساساً، وبين أهالي الخاطفين.
وكشفت المصادر، عن أن هناك استمزاج أفكار لتشكيل “اللواء التاسع” في السويداء ضمن الفيلق الخامس الذي شكلته روسيا بعد تدخلها في سورية، وذلك لخلق توازن عسكري بين المحافظتين، ولا سيما أن درعا تحتوي على “اللواء الثامن” الذي يقوده أحمد العودة، مضيفة أن ذلك لا يزال ضمن إطار الأحاديث وتناقل المعلومات، من دون وجود لأي شيء رسمي. إلا أن المصادر أشارت إلى تحرك إيراني لتسجيل اختراق في هذا الجسم في حال تشكيله، من خلال الدفع بمجموعات مقرَّبة منها للانضمام إليه. ولفتت المصادر إلى أنه ضمن هذا الإطار، تؤخذ بالاعتبار زيارة وفد إيراني إلى السويداء، الذي استضافه المخرج ممدوح الأطرش شقيق عضو مجلس الشعب نشأت الأطرش، ويلعب الأخير دوراً في تعميق تواجد إيران في السويداء.
وحول الجهود المجتمعية لاحتواء الأزمة والخلافات بين المحافظتين، قال الكاتب والصحافي نورس عزيز، وهو من أبناء محافظة السويداء، أنه “منذ عام 2011، كان هناك الكثير من المحاولات لإشعال فتن بين السهل والجبل (درعا والسويداء)، وأولاها قتل أحد شباب السويداء في درعا وإرساله قطعاً إلى أهله، ومن ثم إجبار أحد شيوخ درعا المعروفين على الخروج للحديث عن أن سلطان باشا الأطرش (الثائر السوري المعروف خلال الثورة السورية الكبرى) سرق الثورة، وحاول تحشيد الناس ضد بعضها، ولكن الناس في المحافظتين امتصت هذا الموضوع وتم حله سلمياً”.
وأضاف عزيز، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “محاولات التفرقة عادت من خلال عصابات الخطف التي تعمل بالتنسيق مع الأمن العسكري، وكذلك من خلال إقحام “جبهة النصرة” و”داعش” في هجمات على قرى من السويداء محاذية لدرعا في 2015، ولا سيما في قريتي داما ودير داما، بالإضافة لمحاولة اللعب على وتر علاقة الدروز ببدو درعا، ومحاولة إشعال فتيل أزمة، وكذلك فشلت تلك المحاولات. وأيضاً في العام 2015 تم نسب عملية اغتيال الشيخ وحيد البلعوس (مؤسس حركة رجال الكرامة المحلية في السويداء) إلى وافذ ابو توابة، الذي اعترف مرغماً على التلفزيون بأنه نسق مع الجيش الحر في درعا، وآخر محاولات النظام من خلال (الفيلق الخامس) وعلى رأسه في درعا أحمد العودة، حيث تم احتلال أراضٍ بعمق خمسة كيلومترات من قرية القريّا ذات الرمزية بالنسبة للسويداء كونها بلد سلطان الأطرش”.
وأشار عزيز، إلى أن “كل تلك المحاولات تم رفضها شعبياً، من خلال عدم الانجرار وراء تبعاتها، ولا سيما الأحداث الأخيرة، مشيراً إلى أن اللُحمة والجيرة التاريخية عادتا بين الجارتين وأثبتتا عمقهما، معتقداً أن نجاح النظام بأي محاولات هو في سبيل التفرقة.
المصدر: العربي الجديد