عماد كركص
قبول النظام السوري المشاركة في أعمال اللجنة الدستورية لم يكن سوى مضيعة للوقت وزيادة في تعطيل جهود الحل السياسي، لا سيما مع التصريحات الأخيرة لوزير خارجيته فيصل المقداد، بأن الانتخابات الرئاسية ستجرى في موعدها، منتصف العام المقبل، من دون أن يكون لمخرجات اللجنة الدستورية علاقة بها، وهو بذلك يكرر موقفاً سبق أن أعلنه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف. وينتظر كثر ردود الفعل الدولية على هذه الخطوة، قبيل وعند حدوثها، لا سيما أن التصريحات الغربية أخيراً صبّت باتجاه عدم منح الشرعية للانتخابات المقبلة، مع عدم قبول نتائجها، إن لم تكن وفق دستور جديد وتحت إشراف الأمم المتحدة.
ونقلت وكالة “سبوتنيك” الروسية عن المقداد، الذي زار موسكو أخيراً، قوله حول إمكانية تأجيل الانتخابات الرئاسية في حال فشل اللجنة الدستورية في التوصل إلى اتفاق، إنه “من الواضح جداً أننا جميعاً سنعمل على أساس الدستور الحالي حتى نضع دستوراً جديداً، وهذا أمر تعرفه اللجنة الدستورية جيداً”. وشدّد على أن “الانتخابات ستجرى بحسب ما ينص عليه الدستور الحالي”. كذلك أكد المقداد أنه “لن يكون هناك ربط بين عمل اللجنة الدستورية الحالية والانتخابات المقبلة التي يجب إجراؤها بالضبط في الوقت المحدد بموجب الدستور الحالي”.
وبالنسبة لعمل اللجنة الدستورية، أشار المقداد إلى أن “اللجنة جاءت كنتيجة لمخرجات مؤتمر سوتشي، ونحن بالفعل اتخذنا الإجراءات اللازمة للمساهمة في إنجاح هذه الجهود، وشكّلنا الوفد الوطني”. وأضاف: “نحن نعلم أن الأشخاص الذين تم تعيينهم يجب أن يأخذوا في اعتبارهم مصالح سورية، التي يجب أن تكون مستقلة وذات سيادة، وأن تؤسس دستوراً يخدم سلامة أراضي ووحدة الشعب السوري”. وأشار كذلك إلى أنه “من المبكر الآن الحديث عن نجاح أو فشل اللجنة الدستورية، ولكننا نأمل نجاحها”.
وتشير تصريحات المقداد إلى أن النظام وضع جدولاً زمنياً طويلاً للعملية الدستورية، إذ لا يزال من المبكر، بالنسبة له، الحديث عن نجاح وفشل اللجنة الدستورية بعد عام من أعمالها. ما يعني أن سياسة الإغراق بالتفاصيل التي وضعها وزير خارجية النظام الراحل وليد المعلم، ستستمر ربما حتى بعد إجراء الانتخابات لزيادة التعطيل في المسار الدستوري كسباً للوقت.
وعن ذلك، توقع عضو القائمة الموسعة للجنة الدستورية عن المعارضة، إبراهيم الجباوي “ألا يعترف المجتمع الدولي بشرعية الانتخابات المقبلة، فيما يصر النظام ومن خلال تصريحات المقداد على إجراء الانتخابات في موعدها وهذا انفصال عن الواقع”. وأضاف في حديثٍ لـ”العربي الجديد” أنه “إذا كانت الانتخابات ستجرى في موعدها، ستكون بموجب دستور 2012، الذي لا نعترف به نحن كمعارضة ولا المجتمع الدولي. والمجتمع الدولي يشدد على إجراء انتخابات بموجب دستور جديد من خلال اللجنة الدستورية، للبدء بعملية سياسية حقيقية وانتقال السلطة. لكن النظام لا يزال يعطل الحل السياسي والانخراط جدياً بالعملية السياسية، وهمه الوحيد هو إبقاء بشار الأسد في السلطة بأي شكل على الرغم من الدمار الذي طاول البلاد، وضياع مقدراتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية”.
ورأى الجباوي أن “النظام غير جدي في العملية السياسية ويعتبرها مضيعة للوقت، بدليل أنه لم يذهب للجنة الدستورية إلا مرغماً بفعل الضغط الروسي، فروسيا تريد أن تظهر للعالم اهتمامها بالعملية السياسية وهذا بعيد عن الواقع أيضاً. ورأينا وفد النظام خلال الجولات الأربع من عمل اللجنة الدستورية أنه لم يأت إلا للتعطيل، من خلال الزج بمواضيع وطروحات ليس لها علاقة بالدستور في عمل اللجنة”. وأوضح أن “النظام يريد من كل ذلك كسب عامل الوقت لتحقيق حسم عسكري في البلاد، فالخروقات في إدلب، وإن كانت بشكل محدود، لم تتوقف، على الرغم من وقف إطلاق النار، لكن الحسم العسكري غير مقبول دولياً، ولو كان مقبولاً لكنا نحن كمعارضة حسمنا الأمر لصالح الثورة قبل عام 2015، وكان ذلك متاحاً. إلا أن التدخل الدولي والتدخل الروسي العسكري والسياسي حالا دون ذلك، ومنذ ذلك الحين يصبّ التوجه الدولي في سياق الحل السياسي”.
وتبقى الأسئلة مطروحة حول المشاركين في الانتخابات المقبلة، سواء على مستوى الجغرافيا أو الأفراد، إذ تنقسم البلاد إلى ثلاث مناطق نفوذ. الأولى يسيطر عليها النظام مع الروس والإيرانيين، وتضم دمشق والساحل ومحافظتي حماة وحمص وسط البلاد، مع أجزاء صغيرة من محافظتي دير الزور والحسكة. أما الثانية فهي تحت سيطرة المعارضة وتمتد مما تبقى من محافظة إدلب إلى جانب مساحات مكتظة بالسكان في ريف حلب الشمالي، جرابلس والباب وعفرين ومحيط كل منها. كذلك تسيطر المعارضة على المنطقة الممتدة من تل أبيض بريف الرقة إلى رأس العين بريف الحسكة، التي سيطر عليها “الجيش الوطني السوري” المعارض، بالمشاركة مع الجيش التركي أواخر العام الماضي. أما الثالثة فتضم مناطق شمالي شرق سورية، الواقعة تحت حكم “الإدارة الذاتية” الكردية بسيطرة عسكرية من “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، وتشمل كامل محافظة الرقة تقريباً باستثناء مناطق جنوبي وغربي المحافظة، وثلث محافظة دير الزور شمالي نهر الفرات ومحافظة الحسكة بالكامل، باستثناء مربعين أمنيين وسط كل من مدينتي الحسكة والقامشلي يخضعان شكلياً لسيطرة النظام، إلى جانب عين العرب ومنبج وتل رفعت ومحيط كل منها في ريف حلب الشمالي.
أما على مستوى السكان، فمعظم سكان البلاد باتوا خارج مساكنهم الأصلية، سواء من خلال النزوح الداخلي أو اللجوء إلى بلدان خارج سورية. في السياق، تشير إحصائية المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة إلى أنها سجلت حتى 14 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي 5,570,382 ملايين لاجئ سوري، يتوزعون على 3,626,734 ملايين لاجئاً في تركيا، و879,529 ألفاً في لبنان، و659,673 ألفاً في الأردن، و242,704 آلاف في العراق، و130,085 ألفاً في مصر، و31,657 ألفاً في دول شمال أفريقيا (تونس، الجزائر، المغرب، ليبيا، السودان)، وهذا بحسب الإحصائيات الرسمية والأعداد المسجلة لدى المفوضية فقط. في المقابل، تقول الدول المضيفة إن الأعداد الحقيقية أكبر من ذلك، إذ لا يزال هناك جزء كبير من اللاجئين غير مسجل.
ولا تشمل هذه الإحصائية اللاجئين في أوروبا، كونهم يقعون تحت حماية الدول الأوروبية المستضيفة لهم، ويفوق عدد اللاجئين هناك المليون لاجئ، إذ تستضيف ألمانيا بمفردها نحو 600 ألف لاجئ سوري. هذا عدا عن النازحين داخلياً والمهجرين قسراً، الذين تبلغ أعدادهم حوالي 6 ملايين نازح ومهجر، ما يعني أن نصف السوريين اليوم بعيدون عن مساكنهم الأصلية، وغير قادرين على الاقتراع.
كل ذلك قد يدعم التوجه الغربي لعدم الاعتراف بالانتخابات، وربما التحرك لجهة اتخاذ إجراءات حيال تعطيل نتائجها، إذ كانت فرنسا وألمانيا قد عبّرتا قبل حوالي شهرين عن عدم اعترافهما بنتائج الانتخابات الرئاسية المقبلة، مع مواصلة النظام عرقلته لجهود الحل السياسي. كان ذلك خلال جلسة لمجلس الأمن استمع فيها مندوبو دول المجلس لإحاطة مقدمة من المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسن، التي أشار فيها إلى وجود عراقيل من قبل النظام لتعطيل المسار الدستوري. ونال الموقف الفرنسي – الألماني دعماً من الولايات المتحدة التي طالبت الأمم المتحدة بتسريع تخطيطها لضمان صدقية الانتخابات الرئاسية المقبلة في إطار نتائج اللجنة الدستورية. وكان الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل، قد أشار في يونيو/ حزيران الماضي إلى أن قبول الانتخابات الرئاسية في سورية عام 2021 مرتبط بإجراء الانتخابات وفق دستور جديد وبموجب القرار الأممي 2254.
ومطلع الشهر الحالي، أعرب الممثل الخاص للتواصل بشأن سورية جويل ريبرون، عن موقف بلاده صراحة من الانتخابات الرئاسية المقبلة، بالقول إن “أي انتخابات يجريها النظام السوري عام 2021 لن تتمتع بالشرعية وهي انتخابات مزيفة، في حال كانت خارج إطار قرار مجلس الأمن 2254”. وشدّد على أن “الانتخابات تخص السوريين ويجب أن تكون تحت رعاية وضمان الأمم المتحدة، وبمشاركة الجميع بغض النظر عن مكان وجودهم”، موضحاً أن “غير ذلك يعد مضيعة لوقت الجميع ولن يغير أي شيء”. هذا الموقف نابع عن إدارة الرئيس الخاسر دونالد ترامب، بانتظار موقف إدارة جو بايدن، بعد تسلمها مقاليد الحكم في البيت الأبيض في 20 يناير/ كانون الثاني المقبل.
المصدر: العربي الجديد