جلال بكور
تشهد محاور القتال في محيط مدينة عين عيسى بريف الرقة شمالي سورية، من قرابة الـ30 ساعة الماضية، هدوءاً حذراً يتخلله قصف مدفعي وإطلاق نار، بعد اشتباكات عنيفة وقصف متبادل بين “الجيش الوطني” و”قوات سورية الديمقراطية” (قسد) في محور قرية المشيرفة، استمر لساعات طويلة.
وقالت مصادر، الأربعاء، لـ”العربي الجديد”، إن الهدوء يتزامن مع مفاوضات روسية تركية حول ملف مدينة عين عيسى، إلا أن المفاوضات لم تتوصل إلى جديد حتى صباح اليوم.
وترفض تركيا العروض الروسية التي تنص على تسليم النظام السوري الدوائر الحكومية ورفع علم النظام فوقها، فيما تشترط تركيا الانسحاب الكامل لـ”قسد” من المنطقة.
بدوره، قال “مجلس سورية الديمقراطية” – الجناح السياسي لقسد – في بيان، إن لديه ما يثير المخاوف “من عدوان عسكري تركي جديد على المنطقة”، وذلك على الرغم من الاتفاق الذي أبرمته “قوات سورية الديمقراطية” مع روسيا، التي تُعَدّ “الضامن لوقف الأعمال القتالية في المنطقة إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية”.
وقال المجلس إنه “في الوقت الذي يدين فيه هذا الهجوم العدواني ويستنكره، يحذر جميع القوى العالمية، بما فيها روسيا والولايات المتحدة الأميركية، من مغبة هذا العدوان الذي يبدد – إِنْ تُرِك – جميع الآمال والمساعي الدولية الهادفة إلى إنهاء الحرب السورية والتّوصل إلى حل سياسي في البلاد وفق قرارات الشرعية الدولية، وفي مقدمتها القرار 2254”.
وجاء ذلك في ظل حديث وسائل إعلام كردية ناطقة بالعربية عن وجود “صفقة” بين روسيا وتركيا تقضي بتسليم عين عيسى”للأتراك مقابل انسحاب تركيا من نقاطها الواقعة ضمن مناطق سيطرة النظام في شمال غرب سورية”.
وكان “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا قد شنّ أول أمس هجوماً على محور قرية المشيرفة قرب الطريق الدولي، 2كيلومتر شرق مدينة عين عيسى، وذلك في ظل فشل المفاوضات بين روسيا وتركيا، وهو ما رآه مراقبون عملية ضغط تركية على روسيا.
وكانت “قسد” قد توصلت إلى اتفاق مع النظام السوري وروسيا ينص على إنشاء نقاط مشتركة في شمال وشرق وغرب عين عيسى ورفع علم النظام والعلم الروسي فوقها، إلا أن تركيا رفضت ذلك الاتفاق وطالبت بمغادرة “قسد” للمنطقة بشكل كامل.
وكانت تركيا قد توصلت إلى اتفاق مع روسيا في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2019 ونصّ على إبعاد “قسد” عن الحدود السورية التركية مسافة 32 كيلومتراً، ونصّ أيضاً على تسيير دوريات مشتركة روسية تركية في مناطق “قسد”، وسُيِّرَت تلك الدوريات في نواحي الدرباسية بريف الحسكة وعين العرب بريف حلب.
وشنّ الجيش التركي في أكتوبر 2019 عملية عسكرية ضد “قسد” في محافظتي الرقة والحسكة أدت إلى خسارة “قسد” مساحات واسعة قرب الحدود السورية التركية.
خسائر للنظام
قتل ثلاثة من عناصر قوات النظام السوري وجرح آخرون، ليل أمس، جراء هجمات جديدة على قوات النظام في درعا والقنيطرة جنوبي البلاد، فيما اعتقلت قوات النظام 15 شاباً على حاجز لها بهدف التجنيد الإجباري في صفوفها.
وقال الناشط أبو محمد الحوراني، لـ”العربي الجديد”، إن مجهولين هاجموا عناصر لقوات النظام بالأسلحة النارية في قرية العجرف بريف القنيطرة، ما أدى إلى مقتل اثنين على الفور وإصابة ثالث بجروح خطيرة، مضيفاً أن العناصر يتبعون لفرعي الأمن العسكري وأمن الدولة، ويعملون لمليشيات “الدفاع الوطني” أيضاً.
وجاء ذلك الهجوم عقب ساعات قليلة من مقتل عنصر من قوات النظام جراء إطلاق النار عليه مباشرةً من قبل مجهولين في بلدة اليادودة بريف درعا الغربي، وكان العنصر قد أجرى تسوية مع النظام وانضم إلى الفرقة الرابعة سابقاً.
وأصيب عنصر آخر بجروح خطيرة أدت إلى بتر ساقه بعد انفجار عبوة ناسفة زرعها مجهولون في سيارته بمدينة الصنمين في ريف درعا أيضاً، وذكرت مصادر “العربي الجديد” أن الأخير متهم بممارسة انتهاكات لمصلحة الأفرع الأمنية.
وشهدت محافظتا القنيطرة ودرعا في الجنوب سابقاً العديد من الهجمات المشابهة، حيث تتعرض قوات النظام وقوات المعارضة “سابقاً” والتسوية حالياً، لهجمات بشكل شبه يومي توقع قتلى وجرحى دون وجود أي جهة واضحة تتبنى تلك الهجمات التي كبدت النظام خسائر بشرية فادحة.
وفي الجنوب السوري أيضاً، وتحديداً في ريف السويداء، قتل شخصان جراء هجوم من مجهولين عليهما، في وقت أفرج فيه خاطفون عن ضابط من قوات النظام بعد حصولهم على فدية مالية، وذلك يأتي في ظل الفلتان الأمني المستمر في المحافظة وريفها.
وقالت مصادر محلية، لـ”العربي الجديد”، إن مجهولين هاجموا بالأعيرة النارية الليلة الماضية شخصين شقيقين على طريق الدور في ريف السويداء الغربي، الأمر الذي أدى إلى مقتلهما على الفور، فيما هرب المهاجمون إلى جهة مجهولة.
وأوضحت المصادر أن الشخصين كانا يستقلان سيارة على الطريق عند إطلاق النار عليهما وعثر عليهما وقد فارقا الحياة بعد وصول أهل المنطقة إلى مكان إطلاق النار.
وأشارت المصادر إلى أن الشخصين هما “رأفت عادل ومازن فخر الدين الشعراني”، ويعملان مع رجال الدين في المحافظة ووقع الهجوم عليهما في أثناء عودتها إلى قرية الدور.
وأوضحت المصادر أن الهجوم ليس الأول من نوعه على هذا الطريق، بل بات مكرراً في تلك المنطقة ومن أشخاص مجهولين، في ظل عجز الفصائل المحلية وفروع الأمن التابعة للنظام عن ضبط الأمن ومعرفة المهاجمين.
إلى ذلك، قالت مصادر لـ”العربي الجديد”، إن خاطفين من السويداء أفرجوا، مساء أمس، عن ضابط من قوات النظام السوري كان قد اختطف في وقت سابق.
وذكرت المصادر أن الضابط يحمل رتبة عقيد من مرتبات مطار خلخلة العسكري التابع لقوات النظام، واختُطِف قبل أسبوع، وجاء إطلاقه بعد دفع ذويه فدية مالية للخاطفين بوساطة من فرع الأمن العسكري وأشخاص يعملون ضمن الفصائل المحلية التابعة للنظام.
وذكرت المصادر أيضاً أن الخاطفين أفرجوا عن شخص ينحدر من مدينة حلب أيضاً مقابل فدية مالية، وكان ذلك الشخص يعمل تاجراً، وخطفه مجهولون بعد عبوره من حواجز تابعة لفروع أمن النظام.
وبحسب المصادر، فإن عمليات الخطف تلك، لضباط فروع أمن النظام يد فيها، إذ إن المخطوفين، وخاصة ممن ينتمون إلى عائلات غنية، يُخطَفون بعد مرورهم من حواجز النظام ومعرفة الحواجز بهوية هؤلاء الأشخاص، ما يرجّح وجود اتصال بين ضباط فروع الأمن والخاطفين.
خرق الهدنة
كذلك، قتل وجرح عناصر من قوات النظام جراء مواجهات مع المعارضة المسلحة وقصف في ريفي حلب وإدلب شمال غربي البلاد، حيث تشهد المنطقة خرقاً متكرراً من قوات النظام لوقف إطلاق النار الموقع في مارس/ آذار الماضي بين روسيا وتركيا حول إدلب ومحيطها.
وقالت مصادر من “الجبهة الوطنية للتحرير” إن قوات النظام السوري خرقت مجدداً وقف إطلاق النار وقصفت مواقع في جبل الزاوية، كذلك حاولت التحرك إلى نقاط متقدمة في محور الفوج الـ46 بريف حلب الغربي.
وأضافت المصادر أن عناصر من فصائل الجبهة تصدوا لتحركات النظام بنيران القناصة وقتلوا اثنين من عناصره وأجبروهم على التراجع إلى مواقعهم، حيث تحاول قوات النظام بشكل متكرر التقدم في محور الفوج الـ46 وبناء متاريس ودشم جديدة للتمركز فيها بمنطقة متقدمة من خطوط التماس.
وقالت المصادر إن قوات المعارضة و”هيئة تحرير الشام” ردت بقصف مدفعي على مواقع لقوات النظام في محوري معرة النعمان وكفرنبل بجبل الزاوية، وذلك عقب قصف على قرى وبلدات الجبل من قوات النظام، وجاء ذلك بعد قرابة 24 ساعة من الهدوء شبه التام بسبب الأجواء الماطرة في المنطقة.
وكثف الطيران الروسي، اليوم، من طلعاته الاستطلاعية فوق منطقة جبل الزاوية وريف حلب الغربي، ولم تسجل أي غارة جوية في ظل سريان وقف إطلاق النار.
حواجز واعتقالات
في المقابل، نشرت قوات النظام السوري، مساء أمس، حواجز في العديد من المناطق على الطرق الرئيسية في محافظة درعا، واعتقلت مجموعة من الشبان بهدف السوق إلى التجنيد الإجباري في صفوفها.
وذكرت مصادر “العربي الجديد” أن فرع المخابرات الجوية التابع للنظام نصب حاجزاً متنقلاً عند نقطة المجبل على طريق خربة غزالة الواصل إلى مدينة درعا، واعتقل خمسة عشر شاباً بهدف التجنيد الإجباري.
ودقّق الحاجز في جميع المارة وفتّش حاجياتهم وطلب إظهار الهويات الشخصية للرجال والنساء، بحثاً عن مطلوبين للنظام ومطلوبين للتجنيد في صفوفه.
وكانت قوات النظام قد نشرت أيضاً حواجز، الاثنين الماضي، في العديد من المناطق بهدف اعتقال الشبان وزجهم في قواتها ضمن سياسة التجنيد الإجباري التي تتبعها في جميع المناطق الخاضعة لسيطرتها.
ويعتقل النظام السوري عناصر المعارضة الذين خضعوا للتسوية بعد سيطرة النظام بدعم روسي على كامل درعا، ويقوم باعتقالهم، على الرغم من حصولهم على التسوية، ما دفع الكثير من عناصر التسوية إلى الانخراط ضمن “الفيلق الخامس” أو التطوع في فروع الأمن.
المصدر: العربي الجديد