عقيل حسين
حزمة جديدة من العقوبات أعلنت عنها واشنطن ضد 17 شخصاً وكياناً مرتبطين بالنظام السوري، وجاءت هذه الحزمة وفق قانون العقوبات الأميركي المعروف باسم “قيصر” بالتزامن مع مرور عام على إقرار القانون.
وطاولت العقوبات زوجة بشار الأسد، أسماء الأخرس، وأفراداً من أسرتها، بمن فيهم والديها فواز الأخرس وسحر عطري، وكذلك فراس وإياد الأخرس، بالإضافة إلى شخصيات أخرى وكيانات عدة، أبرزها البنك المركزي السوري.
وصدرت أول حزمة من عقوبات “قيصر” في 17 حزيران/يونيو 2020، بعد 6 أشهر من إقراره، لتتوالى بشكل شهري مستهدفة مسؤولين في النظام ورجال الأعمال التابعين له، والمؤسسات الاقتصادية المرتبطة به أو المتعاملة معه.
وحتى قبل إقراره، كان القانون محل جدل واسع في أوساط المعارضة السورية، حيث برزت مخاوف كبيرة من الآثار السلبية المحتملة للعقوبات الجديدة على حياة المواطن العادي في مناطق سيطرة النظام. لكن بعد مرور عام على إقرار القانون، تبدو المعارضة أكثر إجماعاً على نجاعة القانون، خاصة بعد الفشل الكبير الذي مُني به مؤتمر إعادة اللاجئين الذي نظمته دمشق في تشرين الثاني/نوفمبر بدفع ورعاية روسية.
وبإخفاق هذا المؤتمر، فإن قانون “قيصر” يكون قد حقق أولى ثمراته المهمة، حسب الخبير الاقتصادي السوري أسامة القاضي، الذي يؤكد في حديثه ل”المدن” أن “القانون بالأصل موجّه ضد الروس أكثر منه ضد النظام السوري، وهو رسالة مضمونها أنه لا يمكن البدء بإعادة الإعمار دون الرضوخ لشروط الحل السياسي”. ويرى أن “القانون يقطع الطريق على أي دولة في العالم أن تشارك موسكو في عملية إعادة الإعمار أو أن يقطفوا ثمار الانتصار العسكري الذي حققوه في سوريا اقتصادياً بدون الحل السياسي، وهذا هو جوهر قانون قيصر”.
ويضيف أنه “بعد 6 أشهر على البدء بتطبيق القانون، فالذي ثبت أن العقوبات التي شملت الأشخاص والكيانات الصغيرة لم تكن مهمة بالقدر الذي كان عليه استهداف البنك المركزي السوري، باعتباره شريان النظام الاقتصادي الذي يؤدي التضييق عليه إلى تضرر كل أجهزة النظام الأخرى”.
وأوضح أن ما سبق سيشكل “مخاوف للمصارف الخاصة الموجودة في سوريا والتي ستنسحب بالتدريج خشية إلحاق العقوبات بها، كما أن أي دولة لها علاقات مع النظام السوري أو تريد إعادة هذه العلاقات لن يكون بإمكانها أن ترسل إي حوالة مالية عبر بنكها المركزي إلى المركزي السوري، ما سيزيد من عجز اقتصاد النظام”.
وعلى عكس المرحلة الأولى من سريان قانون “قيصر”، تراجعت المخاوف من أن يتسبب تطبيقه بزيادة معاناة السوريين في مناطق سيطرة النظام، حيث كرر القائمون على تنفيذه أنه يتجنب التضييق على واردات سوريا من المواد الطبية والغذائية، بل حتى النفط وموارد الطاقة بقيت خارج نظام العقوبات الجديد.
بالمقابل بدا واضحاً مدى تألم النظام وحلفائه من الآثار القوية والسريعة لتطبيق قانون “قيصر”، الذي بات، بنظر المعارضة وحلفائها اليوم، السلاح الوحيد الذي يمنع النظام وحلفائه من التنصل الكامل من العملية السياسية والمضي حتى النهاية في خيار الحل العسكري. لذا عملت دمشق والدول الداعمة لها على مهاجمة القانون بشكل مستمر، والإدعاء بتسببه في زيادة معاناة السوريين، في تجاهل كبير، كما ترى المعارضة، للحرب التي يشنها النظام على الشعب منذ عشر سنوات، والدمار الكبير الذي تسببت به في البنية التحتية وقطاعات الانتاج، إضافة إلى الفساد المستشري في مؤسساته قبل عام 2011 والذي تفاقم بعد ذلك بشكل مخيف.
ويقول عبد المجيد بركات، منسق فريق عمل متابعة قانون “قيصر” في الإئتلاف الوطني ل”المدن”: “رغم أن القانون لم يصل إلى ذروة تطبيقه، لكنه على المستوى الاقتصادي أعاق بشكل فعال من حركة النظام داخلياً واقليمياً، وعددٌ كبير من واجهات النظام التي كانت تؤمن موارد اقتصادية له تم فرض العقوبات عليها وتقويض فعاليتها. وأيضاً على صعيد الأشخاص فقد حدّ القانون من خيارات النظام في تعويض القادة بعد أن بدأت العقوبات تطال المسؤولين لديه من درجات مختلفة”.
ويضيف “أما على المستوى السياسي، فالجميع يأمل أن يؤدي كل ما سبق إلى إجبار النظام على تغيير سلوكه بالفعل والقبول بالانخراط الجدي بالعملية السياسية. فنحن ندرك أن القانون لا يستهدف بحد ذاته إسقاط النظام، لكنه يهدف إلى إجباره على إطلاق سراح المعتقلين ووقف استهداف المدنيين والدخول بمفاوضات على أساس قرارات مجلس الأمن ومرجعية جنيف، وهي أمور لا يمكن أن يقبل بها النظام وحلفائه دون ضغوط حقيقية يمثلها قانون قيصر حالياً”.
عام على إقرار قانون قيصر يبدو مرضياً للمعارضة التي بدأت متخوفة من آثاره السلبية على المواطن العادي، ومتيقنة من عدم فعاليته في إجبار النظام على تقديم تنازلات جوهرية، لكنها اليوم باتت أكثر تفهماً لحقيقة أن أهداف القانون هي التضييق على النظام وليس إسقاطه، ومنعه هو وحلفائه من جني ثمار انتصاراتهم العسكرية إقتصادياً، أو إعادة تعويمه خارجياً.
المصدر: المدن