عدنان أحمد
مرة جديدة، استهدف طيران الاحتلال الإسرائيلي، عبر الأجواء اللبنانية، مركز البحوث العلمية في منطقة مصياف بريف حماة، والذي يعتبر من المراكز المهمة والأساسية التي يعتمد عليها النظام السوري في الصناعات العسكرية.
ووفق وسائل الإعلام الرسمية المقربة من النظام، فقد شنت طائرات حربية إسرائيلية من شمال مدينة طرابلس اللبنانية غارات، فجر أمس الجمعة، على أهداف في منطقة مصياف التابعة لمحافظة حماة وسط سورية. وذكرت أن “الدفاعات الجوية السورية تصدت لأهداف معادية حاولت استهداف موقع البحوث العلمية في منطقة مصياف بريف حماة”، نافية وقوع خسائر بشرية. وحسب تلك الوسائل، ومصادر أخرى، فإن القصف استهدفت نقاطاً عسكرية في محيط مصياف، منها مركز البحوث ومركز الطلائع ومنطقة الشيخ غضبان.
وأشار المرصد السوري لحقوق الإنسان، في بيان، إلى أن القصف دمر مستودعات ومراكز لتصنيع صواريخ قصيرة ومتوسطة المدى، تابعة للمليشيات الإيرانية في مركز البحوث العلمية ومعامل الدفاع ضمن منطقة الزاوية بريف مصياف. كما جرى استهداف مراكز ومواقع في معسكر الطلائع بمنطقة الشيخ غضبان بريف مصياف. وأكد مقتل 6 أشخاص جراء القصف من جنسيات غير سورية، “لا يعرف إذا كانوا من الحرس الثوري، أم من المليشيات الموالية لإيران، وسط معلومات عن قتلى من الجنسية السورية أيضاً”. وأعلن الجيش الإسرائيلي أنه لن يعلّق على التقارير الواردة في وسائل إعلام أجنبية.
وقال القيادي في المعارضة السورية العميد فاتح حسون، لـ”العربي الجديد”، إن مركز البحوث العلمية في مصياف “يحوي العديد من الأبنية، وورشات العمل، والمخازن، ومعظمها تحت الأرض. وبالتالي القصف الجوي لا يكون مؤثراً، إلا إن كان بطائرات ضخمة، وبجهد جوي مركز وكثيف ومتتالٍ، وهو ما لم يتحقق بالغارات الجوية التي نفذت ضد هذا الموقع سيئ الصيت والفعل”. وأضاف أن القصف يمكن أن “يكون فاعلاً بعدد قليل من الطائرات إذا كان يرتبط بمعلومات أمنية تتعلق بنشاط المركز، وهذا ما يبدو عليه الوضع حالياً”.
وأشار حسون إلى أن المركز يقوم “بتخزين المواد الكيميائية ويعمل على تطوير رؤوس الصواريخ، ويقدم الدراسات التي تساعد في ذلك. لا بل لدينا معلومات تشير إلى استخدامه مركزاً رئيسياً لتصميم الصواريخ الإيرانية وتطوير بعض طرازاتها، ثم تسليمها لحزب الله. وبالتالي هناك رصد أمني للإمداد اللوجستي لهذا المركز ومنتجاته. ويبدو أن القصف يتم عندما تتوفر أسباب موجبة لذلك، وسط تغاض روسي واضح، تنفيذاً لتفاهماته مع إسرائيل والتي تفيد الطرفين، إذ تضعف الإيرانيين، وتقلل من نفوذهم في سورية”. وأصاف “هذا كله يجعل الدولة السورية أضعف. فنحن في قوى الثورة والمعارضة السورية لسنا مع تدمير المنشآت والمصانع والورشات العلمية التي تستفيد منها الدولة، لكننا مع زجر نظام الأسد المجرم، ومنعه من الاستفادة من منتجات هذه المراكز وغيرها بما ينعكس سلباً على استقرار المنطقة ويتعارض مع القانون الدولي”.
والقصف الإسرائيلي، فجر أمس، على مركز البحوث، لم يكن الأول من نوعه الذي يستهدف هذا الموقع، والتي يعتقد أنه يضم مراكز لتصنيع الصواريخ، والأسلحة الكيميائية، ويهيمن عليه الخبراء الإيرانيون. وكان مركز البحوث العلمية في مصياف تعرض، في 4 مايو/أيار الماضي، لاستهداف مماثل، عبر طائرات حربية أطلقت صواريخ من فوق الأراضي اللبنانية، من دون أن يسفر الهجوم عن أضرار بشرية. وكان تلفزيون النظام السوري ذكر، في 13 إبريل/نيسان 2019، أن طائرات إسرائيلية استهدفت عدة مواقع عسكرية للنظام في حماة، مشيراً إلى أن الصواريخ استهدفت مدرسة المحاسبة، ومركز البحوث العلمية. واستهدفت ضربة جوية إسرائيلية مركز البحوث العلمية في 22 يوليو/تموز 2018، فيما نشرت وسائل إعلام إسرائيلية في 12 أغسطس/آب 2018 صوراً من الأقمار الاصطناعية أظهرت حجم الدمار الذي لحق بالمركز في مصياف جراء القصف. كما تم استهداف نفس الموقع بغارة إسرائيلية في سبتمبر/أيلول 2017، ما تسبب بإلحاق أضرار مادية كبيرة به، حيث اندلع حريق في مستودع يتم تخزين الصواريخ فيه، وفق المرصد السوري وقتها.
وفضلاً عن القصف المتكرر للمركز، ومواقع أخرى في محافظة حماة، فقد اغتالت إسرائيل في يوليو 2018 مدير مركز البحوث عزيز إسبر، الذي يعد من أبرز الشخصيات في البرنامج الصاروخي والكيميائي للنظام السوري. وذكرت صحيفة “معاريف” الإسرائيلية وقتها أن الجيش الإسرائيلي هو من اغتال إسبر. ونقلت عن الخبير العسكري ألون بن دافيد قوله إن إسبر قدم مساعدات كبيرة للإيرانيين لتطوير قدراتهم الصاروخية، وهو يعتبر الرجل الثالث في البنية العسكرية الصناعية السورية، والرجل الأكبر في الاستهداف من ناحية النظام، نظراً لدوره الكبير في تطوير المشاريع الصاروخية لجيش النظام.
ويعتبر مركز البحوث العلمية من المراكز المهمة والأساسية التي يعتمد عليها النظام السوري في الصناعات العسكرية، خصوصاً الصاروخية والكيميائية. وحسب وسائل إعلام إسرائيلية فإن المركز كان يستخدم لإنتاج النسخة السورية من صاروخ “فاتح 110” الإيراني الذي يقدر مداه بنحو 200 كيلومتر. كما أنه يسهم في تصنيع الأسلحة الكيميائية والصواريخ طويلة المدى وقذائف المدفعية. وأشارت إلى ثلاثة مواقع يصنع فيها الكيميائي في سورية، هي مصياف بمحافظة حماة، ومنطقتا برزة وجمرايا في محيط دمشق. وحسب وسائل إعلام غربية وإسرائيلية فإنه يتم في منشأتي مصياف وبرزة تصنيع الأسلحة الكيميائية والصواريخ طويلة المدى وقذائف المدفعية، خصوصاً في معمل الدفاع التابع للبحوث العملية قرب قرية دير ماما في ضواحي مصياف.
وكان المركز في مصياف سابقاً مصنع ألمنيوم يتبع لوزارة الدفاع، إضافة إلى عدد من المباني الإضافية وورش العمل تحت الأرض والأنفاق. ويحتل اليوم مساحة جغرافية واسعة، تشمل أجزاء من الوادي بين مركز مصياف ومدينة المحروسة، وكانت مهمته الأساسية إنتاج صواريخ أرض- أرض، بالتعاون مع كوريا الشمالية، ولاحقاً مع خبراء إيرانيين. كما قام بتصنيع وإنتاج صواريخ باليستية من طراز “شهاب 1″ و”شهاب 2″، و”فاتح”. كما اكتسب سمعة سيئة باعتباره أول من صنع البراميل المتفجرة لصالح النظام في 2012. وقبل نحو عامين، أشارت مصادر في المعارضة السورية إلى أن شركات إيرانية خاصة عملت على إعادة ترميم مبنى البحوث العلمية في منطقة مصياف عقب تعرضه لقصف إسرائيلي.
وذكرت مصادر في المعارضة السورية أن مراكز البحوث العلمية لدى النظام مقسمة إلى فروع، ترتبط بشكل مباشر مع القصر الجمهوري، وبينها “المعهد 1000” الواقع في دمشق، وهو المسؤول عن إنتاج الأنظمة الإلكترونية والحاسوبية وتطويرها. وهناك “المعهد 2000” وهو أيضاً في دمشق ومسؤول عن أمور تتعلق بالتطوير الميكانيكي، من إنتاج قاذفات ومحركات صواريخ قصيرة ومتوسطة المدى.
المصدر: العربي الجديد