محمود الوهب
تثير المقالة التي كتبها الأستاذ “حسين عبد العزيز” على موقع تلفزيون سوريا في اليوم الأول من العام 2021 حول كتاب “أزمة في سورية” لمؤلفه “كمال ديب” شهية الكتابة لا للرد على المقالة، بل للوقوف إلى جانبها، وتفنيد مزاعم مؤلف الكتاب، وإعادة بيان أسباب الثورة السورية عميقة الجذور متعددة الأسباب سياسياً واقتصادياً وأمنياً واجتماعياً بما في ذلك قضية المقاومة، واستهداف سوريا، وأما دواعي الكتابة فلأن الصراع لايزال قائماً، بل هو مستمر على أشده، ولا بد في النتيجة من تبيين الأسباب، فيما حدث كله، فالأمر لا يتعلق بنزاع أو صراع بين طرفين حول قضية يمكن أن تطوى وينتهي الأمر، إنها قضية وطن تدمّر، وتشرد أهله، وسكانه وعانوا ما عانوه، والسبب البين الواضح أن حاكماً ورث الحكم عن أب مستبد فعدَّه، كما فعل والده، ملكاً خاصاً أو أرضاً منحها له الرب، كما زعم بنو إسرائيل بمنحهم الرب أراضي ما بين النيل والفرات، ثم ليأتي الصهاينة المعاصرين مدعومين بالمستعمرين الجدد إلى فلسطين فيشردوا أهلها، وما زالوا يمدون سلطانهم على كامل الأرض الفلسطينية.
الحقيقة لم يتسلم عامة العلويين وظائف، بل تسلمت شخصيات من بينهم، اختارها حافظ الأسد بالذات، وضمن ثقتهم
إن الذي حدث في سوريا ليس أقل مما حدث في فلسطين حتى الساعة، وإذا كان الإنكليز قد تواطؤوا مع الصهاينة، وهيؤوا لهم فرصة إعلان الدولة برعاية أممية، إضافة إلى تواطؤ بعض العرب من تحت الطاولة، فإن حاكم سوريا استدعى الإيرانيين الطامعين المخادعين، ومن بعدهم الروس ملبياً رغباتهم كلها، لا في سبيل حمايته، وإبقائه على كرسيه، فحسب، بل لتقديم سوريا على طبق من ذهب للإسرائيليين الراغبين بتدميرها، لا نظاماً طبعاً، وإنما شعباً ومقدرات وهكذا كان! فلا يزال الحاكم موجوداً تحت حماية هؤلاء، وأسيرهم في الوقت نفسه.. وتجري المحاولات الميتة في مهدها لإعادة انتخابه هذا العام تأميناً لبقائهم خدمة لما حصلوا عليه من مصالح استراتيجية يأملون ألا تضيع أو تنتقص بتهديد ما..
لا شك في أنَّ ثورات الربيع العربي، قد ساءت بعض الأنظمة العربية، فعملوا بأساليب شتى لإفشال ذلك الربيع.. إن نزول ملايين الشباب في معظم البلاد العربية إلى شوارع المدن الكبرى وساحاتها، وقد اكتسبوا وعياً جديداً بفضل ثورتي المعلوماتية والاتصالات، وتحت تأثير القمع، والحاجة إلى رعاية مواهبهم وإبداعهم.. قد لامس، على نحو أو آخر، عروش هؤلاء الحكام بالشعارات التي رفعت داعية إلى الحرية والديمقراطية، وإنهاض بلدانهم المؤهلة، بما تملكه من إمكانيات هائلة لنموها وازدهارها بإبعاد من يعيق طريقها من الطغم الحاكمة بأنظمتهم المتهرئة القائمة على القمع والتخلف، بينما شعوبها تعاني ذلَّ هزائم الحكام المادية والمعنوية كما تعاني تنمُّر حكام الدول المجاورة لحكامهم وازدرائهم.
وفي عودة إلى كتاب كمال ديب الذي حوّل الثورة إلى أزمة ووضع أسباب كل ما حدث على التآمر الخارجي بدءاً من لبنان الذي احتلته القوات السورية منذ العام 1976 وعملت على تصفية الحركة الوطنية الواضحة التوجه ضد إسرائيل، بتحالفها مع منظمة التحرير الفلسطينية.. وأكثر ما أزعج إسرائيل في ذلك الزمن هو بواكير المقاومة الوطنية الحقة، وأعمالها البطولية، وقد عمل النظام السوري متعاوناً مع اليمين اللبناني وإيران، وبعض الأنظمة العربية على إخراج منظمة التحرير الفلسطينية من مجالها الحيوي، بضغط إسرائيلي طبعاً.. وإناطة ما يسمى بالمقاومة الإيرانية البديلة عبر حزب الله.. وقد أثبتت الأيام أنها مقاومة للثورات العربية لا لإسرائيل لإبقاء التخلف والسيطرة على المنطقة، وتجهيزها لإيران التي تزعم اليوم أنَّ لبنان خط الدفاع الأول عنها.. لكن لبنان الذي يعاني نتائج تلك الخيانات، يجدد شعبه اليوم تلك الروح الوطنية التي سادت تلك المرحلة ساعياً لتحرير لبنان من آفة الطائفية البغيضة التي محت مفهوم الوطن والوطنية..
وفي حديث مؤلف الكتاب عن تطورات الوضع الداخلي يشير إلى تخلُّصِ الطائفة العلوية من غبن قديم لحق بها لتتسلم وظائف عليا في الدولة.. الحقيقة لم يتسلم عامة العلويين وظائف، بل تسلمت شخصيات من بينهم، اختارها حافظ الأسد بالذات، وضمن ثقتهم، فأطلق يدهم في كل اتجاه، ومن جهتهم رفعوا رايته، فباعوا واشتروا، من خلالها، بالدولة والشعب، وجمعوا ثروات طائلة من الرشا والوساطات، على حساب عذابات الشعب السوري، فمعظم هؤلاء كانوا قد وضعوا في أماكن مفصلية من تركيبة الجيش والأجهزة الأمنية. ويعرِّف علم الاقتصاد هؤلاء بـ “البرجوازية البيروقراطية” أما البرجوازية السنِّية التي صعدت بديلاً عن البرجوازية السنِّية التقليدية (بحسب مؤلف الكتاب) فهي برجوازية تجارية (كومبرادور) تحالفت مع تلك البيروقراطية التي ساندتها في الدولة ليحلا معاً محل البرجوازية الوطنية التي عملت في الصناعة السورية الحديثة، ونهضت بالاقتصاد الوطني الذي شهد به رئيس ماليزيا السيد مهاتير محمد الذي زار سوريا في الخمسينيات، وساهمت تلك البرجوازية بتحديث المجتمع، عبر مؤسسات المجتمع المدني ومنتدياته وصحافته الحرة. إن جوهر هذه المسألة هو التنمية التي تقوم بها البرجوازية المنتجة ولا تتوافق مع الاستبداد العسكري لأنها تنهض في البلد وفق شروط نموها الطبيعي، ومناخها الديموقراطي الذي تنمو في ظلاله دولة المؤسسات التي تناقض الحكم الفردي، الأسري، الفئوي، الأقلوي..!
لا شك في أنَّ ثورات الربيع العربي، قد ساءت بعض الأنظمة العربية، فعملوا بأساليب شتى لإفشال ذلك الربيع
ثمة أمور كثيرة في المقالة أوضحت جوهر مقاصد الكاتب، وهي الدفاع عن النظام، ونفي صفة الثورة السورية ودوافعها الداخلية التي تمكِّن للشعب ليكون سداً في وجه أية مؤامرة خارجية أو إرهاب.. لكن طبيعة المستبد أن يعيش على قمع الآخر، وإفقاره، وتجهيله.. وهكذا جاء بشار الأسد تحت شعارات “الإصلاح والتطوير والتحديث ومحاربة الفساد.. إلخ” لكنه اكتشف، والبطانة من حوله طبعاً، بأن هذه الشعارات هي ما يريده الشعب والوطن، ولذلك لملم شعاراته، وأخذ في المناورة إلى أن هبَّ الشعب في آذار 2011 وللأمانة نقول بأنه جرت حوارات في البداية، وقال الذين عيّنهم النظام نفسه في لجنة الحوار العليا كلمتهم عن الفساد وإلغاء المادة الثامنة من الدستور وإلغاء حالة الطوارئ وأهمية وجود قانون الأحزاب للصحافة الحرة، وتطاول أجهزة الأمن مفتاح الفساد ورعاته.. فلم يعجبه الكلام، ولا لزبانيته الذين حضروا، ولعلهم لدى سماعهم ما قيل، قد تلمسوا رؤوسهم، وفكرهم الفاسد، فقلبوا الطاولة، واختاروا الرصاص طريقاً وحيداً لخلاصهم مؤمنين الدعم الخارجي.. وهكذا كان الدم، وكان الخراب..
تلك هي الحقيقة، وذلك هو الواقع الذي عاشه الشعب لا كما يزعم مؤلف الكتاب بالإشارة إلى ما عدَّه متغيرات في المجتمع السوري كانت السبب في تأجيل عملية الإصلاح، ريثما تأتي ظروف مناسبة، وحتى لا تتحول سوريا إلى “مسخ مشوه من لبنان.” هكذا بكل صفاقة، وكأنهم ليسوا من داس كرامة لبنان وشعب لبنان وقتلوا خيرة رجاله!
أما ما يثير الضحك حقاً بل الاشمئزاز.. فهو حبل المقاومة الواهي، وتعليق كل نواقص النظام عليه وعلى وجود إسرائيل المقلق للسياسة السورية. إن عكس ذلك هو الصحيح تماماً.. فما بقاء احتلال إسرائيل للجولان أصلاً، وإعلان ضمه لإسرائيل منذ العام 1980 وتوغلها على الشعب الفلسطيني إلا من خلال إبقاء النظام على قمع شعبه، ومصادرة صوته، وسياسته، وأحزابه، وثروات بلاده التي استفاد منها حتى الإسرائيليون أنفسهم، ومنهم رجل الأعمال الإسرائيلي “فريدي زينغر” المقيم حتى الآن في منطقة “رعنانا” داخل إسرائيل”(1)
إبراهيم الصالح (إمبراطورية آل مخلوف المالية.. أسرار علاقة خال بشار الأسد بإسرائيل /آب 2015/العربي الجديد).
المصدر: موقع تلفزيون سوريا