طوني بولس
لم تعد مواقف أمين عام “حزب الله”، حسن نصر الله، تمر مرور الكرام في لبنان، وهذا ما أبرزته سلسلة المواقف عالية السقف لكل من رئيس حزب “القوات اللبنانية”، سمير جعجع، ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، وليد جنبلاط، حيث برز التصعيد الكلامي وتوجيه الاتهام المباشر للحزب والسعي للسيطرة الكاملة على لبنان وتحويله إلى منصة صواريخ إيرانية تزج بلبنان في الصراعات الإقليمية، وتحوله إلى ساحة تصفية حسابات دولية.
ليس جديداً على جنبلاط وجعجع ورئيس حزب الكتائب، سامي الجميل، انتقاد سياسة “حزب الله”، ودوره الإقليمي، وإنما المستجد تصاعد الاتهام ليصل إلى اعتبار الحزب بشكل مباشر أداة تدار إيرانياً، وفي تصريحات عديدة له قال جنبلاط “أصبحنا مقاطعة إيرانية، ولم نعد دولة، ونحن غير قادرين على الحكم، وبالتالي فليحكموا (حزب الله وحلفاؤه)، وليتحملوا مسؤولية كل شيء، ولماذا سنكون شركاء معهم في الحكومة؟”. ويلاقي كلام جنبلاط حتماً مواقف كل من جعجع والجميل اللذين سبق أن أعلنا رفضهما المشاركة بأي حكومة إلى جانب “حزب الله”.
مصادر قريبة من حزبي “القوات اللبنانية” و”التقدمي الاشتراكي” تشير إلى أن مرحلة من اعتماد سياسة ربط النزاع مع الحزب قد سقطت بعد كلام قائد القوات الجوية في الحرس الثوري الإيراني، علي حاجي زادة، ومظاهر استقدام تماثيل قاسم سليماني، ونشر صوره في أنحاء العاصمة ومناطق أخرى، موضحة أن “الحزب كسر المحظورات لدرجة أن نصر الله في إطلالتين متتاليتين تحدث وكأنه إيراني، وليس لبنانياً لدرجة أن حديثه عن لبنان كان يأتي في السياق”، ما دفع جعجع لشن هجوم لاذع على نصر الله، محملاً المقاومة مسؤولية كل ما يتخبط فيه لبنان.
جبهة سيادية
في السياق ذاته، يؤكد رئيس جهاز الإعلام والتواصل في حزب “القوات اللبنانية”، شارل جبور “رفض المشاركة في أي حكومة أو إعطاءها أي شرعية في ظل وجود فريق الأكثرية القائم، الذي يترأسه (حزب الله)”، مشدداً على “ضرورة إجراء انتخابات نيابية مبكرة من أجل تغيير هذه الأكثرية”، لافتاً إلى ضرورة تكوين جبهة سياسية معارضة تضم كل الأحزاب والقوى التي تلتقي على ضرورة تحرير لبنان من الهيمنة الإيرانية، مضيفاً “القوات منفتحة اليوم على أي تصور لتكوين جبهة تحمل خلفية سيادية لرسم خريطة طريق للمواجهة”.
ويتابع “لبنان اليوم في خطر جراء الأزمة الاجتماعية والمعيشية التي تشكل تهديداً لكل لبناني”، معتبراً أن “تحالف حزب الله – التيار العوني، الممسك بالسلطة، في وضع صعب، لأن لبنان انهار بسبب سياساته الخارجية، ولم يعد قادراً على إخراج البلاد من هذه الأزمة، وبالتالي أصبح هذا الفريق بالنسبة للبنانيين هو المشكلة الأساسية في الوطن، والتي لن تكون الحل لخلاص لبنان”.
“طوق” اعتراضي
على الرغم من التطابق الواضح للخطاب الاستراتيجي بين “القوات” و”الاشتراكي” تجاه سياسة “حزب الله”، يؤكد عضو كتلة “اللقاء الديمقراطي” النائب بلال عبد الله، أنه ليس هناك بوادر لتشكيل جبهة معارضة وإعادة إحياء تحالفات 8 و14 آذار، معتبراً أن ذلك قد يشكل إعادة صياغ اقتتال داخلي، موضحاً أن “وضع طوق اعتراضي عالي اللهجة على إبقاء لبنان ساحة اقتتال لإيران في صراعها مع الغرب حالياً هو الخيار الأفضل”.
ويلفت عبد الله إلى وجود نقاط خلافية بين الأحزاب “المعترضة”، ما يصعب إمكانية إنشاء جبهة مشتركة حالياً، مشيراً إلى تباين بين “التقدمي” و”القوات” و”الكتائب” حول قانون الانتخابات وملفات داخلية أخرى في حين أن هناك تلاقياً كبيراً في ملفات تتعلق بالحياد والسيادة اللبنانية.
آلة القتل
في المقابل، ترى مصادر قيادية في الحزب التقدمي الاشتراكي أنه على الرغم من وجود تباينات تفصيلية بين القوى السياسية المعارضة، فإن هذا الأمر ليس السبب الرئيس في عدم إنشاء جبهة سياسية عريضة، ولا سيما بين “الاشتراكي” و”المستقبل” و”القوات” و”الكتائب”، كاشفة عن أن السبب الرئيس وغير المعلن هو المخاوف من الاغتيالات السياسية، لافتة إلى أنه “بعد تشكيل جبهة 14 آذار تحركت آلة القتل لتصفية قيادات هذا التحالف السيادي في وقت عجزت فيه الدولة والمجتمع الدولي عن حماية هذه الجبهة، ما تسبب بانهيارها لاحقاً”.
وأكدت المصادر أن إنشاء جبهة لبنانية سيادية لتحرير لبنان من الهيمنة الإيرانية تحتاج إلى رعاية دولية وإقليمية، وهو أمر غير متوفر حالياً، ولا سيما في ظل التخبط الحاصل في الإدارة الأميركية، لافتة إلى أن “المصالحة الخليجية ووحدة الصف العربي قد تكون لصالح لبنان، لكن الأمر يتطلب وقتاً لتتضح الرؤية الخليجية تجاه لبنان”.
في سياق متصل، تراهن أوساط في تيار المستقبل على زيادة الشرخ بين “حزب الله” والتيار الوطني الحر، مشيرة إلى أن قيام جبهة سيستجلب توحيداً لصف حلفاء “حزب الله”، وهو أمر يصب في مصلحة الحزب، لا سيما أن بعض القوى بات دورها فاتراً بالدفاع عن مغامراته، مثل تيار المردة، وبعض الشخصيات المستقلة.
استمرار المبادرة
من ناحيته، يستمر تيار المستقبل في المراهنة على نجاح المبادرة الفرنسية التي يعتبرها الرئيس المكلف سعد الحريري “تسوية سياسية” عادلة تجنب البلاد مزيداً من الاهتزازات الاقتصادية والأمنية.
ويقول النائب محمد الحجار، إنه “على الجميع أن يعلم أن هناك فرصة متاحة أمامنا اليوم، وهي المبادرة الفرنسية التي تنص على تشكيل حكومة اختصاصيين هدفها تحقيق الإصلاح”، مؤكداً أن الرئيس سعد الحريري لديه أمل بتشكيل الحكومة المطلوبة، على الرغم من العرقلة التي يمارسها بعض الأطراف.
وفي اعتراضه على طرح جنبلاط بترك ثنائي “التيار الوطني الحر و(حزب الله)” تشكيل الحكومة، يوضح أن “تجربة الفريق الحاكم ترجمت عن طريق حكومة حسان دياب، وشاهدنا (الجُرسة) التي أوصلنا إليها الأخير، وبالتالي الحريري لن يستجيب لهؤلاء المعرقلين، وسيكثف جهوده لإنجاح الورقة الفرنسية”.
الحريري لن يرضخ
وعن ضرورة تشكيل جبهة معارضة لمواجهة سيطرة “حزب الله” على البلاد، يرى “أن المقاربة جيدة، فإن الأولوية اليوم هي الدفع باتجاه تأليف حكومة لا بتشكيل جبهة، لأنه لا أمل بإنقاذ البلاد إلا عبر ذلك”، معتبراً أنه على حزب القوات اللبنانية والتقدمي الاشتراكي وحزب الكتائب، مساندة الحريري عبر تسهيل عمله لمنع “حزب الله” والتيار الوطني الحر، من إطاحة البلاد.
وعما إذا كان “حزب الله” يسعى لتشكيل حكومة سياسية يستطيع من خلالها مواجهة المصالحة الخليجية والتغيرات السريعة الحاصلة في المنطقة، قال مستشار الحريري مصطفى علوش، إنه يجهل تماماً ما يسعى إليه الحزب، لكنه على يقين أن الرئيس المكلف لن يخضع لطلبات الحزب، ولن يكون رأس الحربة بين لبنان ودول الخليج، مؤكداً أن الحزب نفسه غير قادر على إلغاء الحريري كرئيس وزراء مكلف، وحتى لو كانت رغبته تتجه نحو حكومة سياسية يفرض سيطرته عليها، فإن الحزب حسب رأيه لا يملك قدرة دستورية على الأقل في الحصول عليها.
“الحزب” شريك وطني
في المقابل، يعتبر عضو كتلة التنمية والتحرير، النائب قاسم هاشم، أن المرحلة التي يمر بها لبنان خطيرة ودقيقة، وتستوجب مشاركة جميع الأفرقاء السياسيين وتضافر الجهود وتحمل المسؤوليات الوطنية بعيداً عن الانقسامات وعن منطق “المعارضة والموالاة”، رافضاً اتهام حزب الله الاستئثار بالحكم في لبنان، أو ربط البلاد بالمشاريع الإيرانية.
وأضاف أن “لبنان لا يقوم سوى بالتفاهم والتوافق بين مكوناته السياسية والاجتماعية، وأن الحزب كغيره من القوى السياسية هو شريك أساسي في الحكم، ولكنه ليس صاحب القرار الأوحد في المسيرة السياسية”، مشدداً على ضرورة التعاطي مع الأمور من هذه الزاوية، وإلا نكون قد دخلنا في ممر خلط المفاهيم، وخصوصاً أن موضوع الاستئثار ليس وارداً، لا عند “حزب الله”، ولا عند غيره في هذه الظروف الاستثنائية والصعبة. وأشار هاشم إلى أن الحزب يشدد بشكل دائم على ضرورة انخراط الجميع في المسيرة الانتقادية.
المصدر: اندبندنت عربية