خولة حفظي
دخل فيصل المقداد إلى وزارة الخارجية السورية، حاملًا معه توجيهات رئيس النظام السوري، بشار الأسد، التي تمحورت حول “الدور المهم الذي تؤديه وزارة الخارجية، سواء من خلال مجابهة الحرب السياسية والدبلوماسية، وتفنيد حملات التشويه والتضليل التي تتعرض لها سوريا، أو من خلال تعزيز العلاقات مع الدول الصديقة والحليفة، وفتح آفاق جديدة للتعاون معها في مختلف المجالات”.
تسلم المقداد حقيبة الخارجية، في 26 من تشرين الثاني 2020، مؤديًا اليمين الدستورية أمام الأسد، خلفًا لوليد المعلم، الذي وافته المنية بعد 15 عامًا وزيرًا للخارجية.
ولم يتأخر المقداد كثيرًا عن البدء بتنفيذ تلك التوجيهات، إذ افتتح مهامه، في 28 من تشرين الثاني 2020، بلقاء مع السفير الإيراني في سوريا، جواد ترك أبادي، كما أصدرت وزارة الخارجية بيانًا في اليوم ذاته، حول أحداث عنصرية تعرض لها لاجئون سوريون في مدينة بشرّي في لبنان.
وخلال فترة قصيرة، لم تتجاوز شهرًا ونصفًا، أصدرت وزارة الخارجية السورية عشرة بيانات حول مواضيع متفرقة، كما أجرى المقداد زيارتين خارجيتين إلى دولتين حليفتين للنظام (إيران وروسيا)، ما فتح الباب حول تحليل أداء وزارة الخارجية بعد تسلم المقداد، والدور الذي يسعى لإثباته.
ويرى الاستشاري والدبلوماسي السابق والزميل الباحث في مركز “عمران للدراسات” داني بعاج، أن المقداد يريد أن يعطي انطباعًا بأنه “موجود” على رأس الوزارة، وأن أداء وزارة الخارجية بدأ بـ”النشاط والتغير” مع تسلمه مهامه.
وأضاف بعاج لعنب بلدي، أنه في هذا السياق تأتي “رمزية” توقيع الاتفاقية الدولية مع روسيا حول تعهد بعدم تسليح الفضاء، وهو “موضوع ليس قليل الأهمية دوليًا”، بينما يقول المقداد إنه وقّع اتفاقية بأول زيارة له إلى روسيا لإيصال فكرة: “أنا نشيط وسأنشّط عمل وزارة الخارجية”.
وكان المقداد وقّع، في 18 من كانون الأول 2020، خلال زيارته إلى روسيا، بيانًا مشتركًا تعهدت فيه روسيا وسوريا بألا تكونا أول من ينشر أسلحة في الفضاء، بحسب وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا).
بيانات متواترة.. ما هدفها؟
أصدرت وزارة الخارجية السورية عشرة بيانات حول مواضيع متفرقة خلال الفترة بين 28 من تشرين الثاني 2020 و7 من كانون الثاني الحالي، بحسب ما رصدته عنب بلدي.
وتستخدم الدول عادة البيان الصحفي لنقل الرسائل حول قضايا معيّنة أو حدث ما، وهو إحدى أدوات نقل الموقف الرسمي، التي تشمل أيضًا تصريحات المسؤولين أو المؤتمرات الصحفية أو المقابلات، كما تعتبر بمثابة “تعميم” للمسؤولين حول موقف الدولة من قضية ما.
وفي الإطار العام، تكتسب البيانات الصحفية أهميتها كونها تعكس الموقف الرسمي للدولة، عندما تكون تلك الدولة “فاعلة في العلاقات الدولية”، ولكن سوريا “لم تعد فاعلة ولم يعد لها دور محوري”، بحسب الدبلوماسي السابق داني بعاج، الذي يرى أن البيانات التي تصدرها وزارة الخارجية السورية “لا تضيف شيئًا”.
وتخلو بيانات وزارة الخارجية السورية من الإعلان عن مواقف جديدة، إذ تكرر عبارات “الاستنكار والإدانة وغيرها”، ولذلك فهي لا تعدو كونها “إشارة إلى وجود ديناميكية وحركة بالوزارة”، وفقًا للدبلوماسي السابق.
ودوليًا (أي كمستقبلين دوليين)، لا تعكس بيانات وزارة الخارجية السورية المتواترة نشاطًا، ولكن الداخل قد “يرى فيها نشاطًا بوزارة الخارجية باعتبار طبيعة البيانات بسيطة وبحدها الأدنى”، وعليه يرى بعاج أن العمل في تلك البيانات موجه بالدرجة الأولى للداخل، لا سيما أن الدول إما حلفاء مباشرون كإيران وروسيا وإما تقاطع سوريا كليًا.
وأضاف الدبلوماسي أن البيانات المتواترة تشير إلى “دور شخصي” للمقداد يحاول من خلاله إثبات أن “أداء الوزارة اختلف، وأن هناك تغييرًا واضحًا”، بوجود “إدارة مختلفة للخارجية موجودة اليوم برئاسته”.
فريق “علاقات متعددة”
يترأس وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، فريقًا يعتبر “خبير علاقات متعددة” في الأروقة الدبلوماسية، بحسب الدبلوماسي السابق داني بعاج.
وسابقًا، كان وزير الخارجية السابق، وليد المعلم، يهتم بالعمل على العلاقات الثنائية (دولة لدولة)، بينما يشرف نائب الوزير، فيصل المقداد، على العلاقات المتعددة، وكان من “أهم أدواره الإشراف على عمل البعثات السورية في الأمم المتحدة وآلية عملها”.
وشغل المقداد رئيس الوفد الدائم في نيويورك، وعمل على دبلوماسية متعددة الأطراف مع المنظمات الدولية والإقليمية.
ومع التغيير، صار المقداد وزيرًا، وهو “خبير علاقات متعددة”، ونائبه بشار الجعفري، المندوب الدائم سابقًا للنظام السوري لدى الأمم المتحدة، وهو أيضًا “خبير علاقات متعددة”.
وكذلك السفير بسام صباغ، الذي نُقل من فيينا الى نيويورك كمندوب دائم للنظام في الأمم المتحدة، إضافة إلى معاون وزير الخارجية، أيمن سوسان، الذي كان سفيرًا في بروكسل، وأخيرًا السفير في جنيف، حسام الدين آلا، مندوب سوريا في مكتب الأمم المتحدة بجنيف، وكان سابقًا مدير مكتب المقداد، وجميعهم “خبراء علاقات متعددة”.
ويرى بعاج أن “خبرة وقوة هذا الفريق” تكمن بالعمل على العلاقات المتعددة، أي العمل داخل أروقة الأمم المتحدة تقنيًا، و”من المهم رصد التغيير في أداء وزارة الخارجية” من هذا الجانب، لرؤية “كيف سيتغير أداء الخارجية السورية وفاعليتها في أروقة الأمم المتحدة، وهذا ما سنراه قريبًا”.
وأبدى الدبلوماسي السابق “تخوفًا” من بدء النظام بالحصول على نقاط على حساب المعارضة السورية، “الضعيفة تقنيًا” بالعمل في أروقة الأمم المتحدة.
المصدر: عنب بلدي