وليد شقير
بدا “حزب الله” دفاعياً في خطاب أمينه العام حسن نصر الله ليل الجمعة 8 يناير (كانون الثاني)، الذي تناول فيه عدداً من الملفات الداخلية الساخنة، بعد تصاعد الحملات عليه في شأنها، مع أنه أخذ منحى هجومياً في الدفاع عن مؤسسة “القرض الحسن” المالية التابعة للحزب، إثر نشر بعض مستنداتها نتيجة لاختراق جزء من سجلاتها. وظهر محرجاً بسبب سحب بعض المتمولين الأموال التي أودعوها المؤسسة الموضوعة على لوائح الإرهاب، فقال “الذي يخاف فلينسحب”. ودعا من يحتفظون بمالهم في المنازل إلى إيداعها فيها.
بعد خروج قوى سياسية رئيسة عن تحفظها وعن سياسة “ربط النزاع” والتهدئة حيال دور “حزب الله” في شأن تأخير تأليف الحكومة، بوقوفه خلف حليفه رئيس الجمهورية ميشال عون في عرقلة ولادتها، وفي التسبب بتدهور الوضع الاقتصادي بجر البلد إلى المحور الإيراني، والتلميحات إلى مسؤولية ما على الحزب في التسبب بانفجار مرفأ بيروت الكارثي في 4 أغسطس (آب) الماضي، والتحقيقات الجارية في أسباب الزلزال الذي أصاب البلد جراءه، اعتمد نصر الله لهجة هادئة خلافاً للعادة في شأن العناوين الخلافية. لكنه هدد وسائل الإعلام التي تتناقل أخباراً تتهمه بالتورط في تهريب حبوب الكبتاغون المخدرة بتوجه متظاهرين إلى مقراتها للاحتجاج، معتبراً أنها تنقل تقارير مختلقة ومدفوعة.
تجنب الرد على جنبلاط وجعجع
تجنب نصر الله الرد على مواقف حادة ضد حزبه ساقها رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط في ثلاث مقابلات تلفزيونية وإذاعية خلال الأيام الماضية تقصد فيها الوضوح في اتهام الحزب وإيران بمصادرة القرار في البلد وبتحويل لبنان إلى “منصة صواريخ”. وذهب جنبلاط إلى حد المقارنة بين النفوذ الإيراني الحالي وبين مرحلة الوصاية السورية على لبنان أيام الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد بقوله، “صحيح كنا في دولة ملحقة، ووضع جماعته (حافظ الأسد) في المفاصل الأساسية الأمنية والجيش، لكنه كان يحترم دولة لبنان”. ونصح جنبلاط في موقف تصعيدي الرئيس سعد الحريري بالاعتذار عن تأليف الحكومة قائلاً، “خليهن هني يحكموا. أي “التيار الوطني الحر” بالواجهة ومن الخلف “حزب الله”، ما دام لديهم القدرة العسكرية والسياسية، لأنهم ألغوا كل شيء، ولم يعد هناك وجود لما يسمى بالحيثيات التي نعرفها، السيادة والاستقلال والحدود. لم يبق شيء، لا في البحر، ولا في الجو ولا على الحدود البرية. صرنا مقاطعة (إيرانية)… لا وجود للقرار المحلي”. وأضاف “مشروعه يتعارض مع ما تبقى من طموحاتنا للبنان متنوع، ولبنان الجامعات، والإرساليات، والمؤسسات”.
واتهم جنبلاط إيران (وبالتالي “حزب الله”) بأنها تقف وراء رفع سقف الموقف اللبناني في المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة ويتوسط فيها الأميركيون في شأن الحدود البحرية مع إسرائيل”، موحياً بأن الهدف تعليق الأمر إلى أن يستلم الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن مهماته.
وجاء رد نصر الله خجولاً على تصريحات لرئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع الذي رفض قول نصر الله في خطاب سابق في 3 يناير، أن العالم لم يسمع بلبنان إلا بسبب وجود المقاومة فيه. واعتبر جعجع أنه “تخطى كل الحدود والسقوف، وكأن اللبنانيين من دون ذاكرة ولا تاريخ ولا حضور ولا دور”. واكتفى نصر الله بالتعليق على انتقاد جعجع بالقول إنه يقصد بدور المقاومة منذ العام 2005 حين بدأ الأميركيون يهتمون بلبنان من أجل إنهاء هذا الدور.
وفضلاً عن تجنبه التعليق على سيل التصريحات التي رفضت دفاعه عن كلام قائد سلاح الجو في “الحرس الثوري” الإيراني أمير حاجي زادة عن أن صواريخ لبنان وغزة التي وجدت بفضل إيران في الخط الأمامي للمواجهة مع إسرائيل، تفادى “حزب الله” تطور السجال مع معارضيه، لا سيما أن موجات الاحتجاج تتصاعد ضده في الوسط المسيحي، مع تراكم مواقف البطريرك الماروني بشارة الراعي منذ أسابيع، برفض رهن قيام الحكومة اللبنانية بالتدخلات الخارجية، داعياً عون والحريري إلى رفضها.
المهادنة مؤشر لحلحلة حكومية أم تغطية للسلبية؟
وفي وقت تعتقد أوساط سياسية معارضة للهيمنة الإيرانية على لبنان أن “حزب الله” بات محرجاً بسبب تنامي النقمة على سياسته وإلحاقه البلد بخياراته الإقليمية، ولهذا السبب فضل سياسة المهادنة، التي يمكن أن تنعكس إيجاباً على إمكان معالجة العراقيل أمام تأليف الحكومة، فإن بعض المراقبين يميل إلى الاعتقاد بأنه يعتمد سياسة استيعابية من دون أن يتخلى عن تمسكه بمواقفه وثوابته بالالتحاق الكامل بطهران كأحد أذرعها الرئيسة في المنطقة. ويقول أصحاب هذا الرأي إن “التجربة علمتنا أن اللهجة الهادئة يمكن أن تكون غطاءً لسلبيات في المواقف المقبلة”.
نأى نصر الله بحزبه عن التراشق الإعلامي بين فريق الرئيس عون و”التيار الوطني الحر” من جهة، وبين فريق الرئيس المكلف تأليف الحكومة سعد الحريري ونواب تيار “المستقبل” من جهة أخرى، في شأن المسؤولية عن تأخير الحكومة، لكنه انطلق من اتهام حزبه بأنه “المعطل الحقيقي لتشكيل الحكومة في لبنان لأن حزب الله لا يريد أن تتشكل الحكومة الآن قبل ذهاب الرئيس دونالد ترمب، فيعمل على تعطيلها تارةً من خلال الرئيس المكلف، وتارةً من خلال حليفه رئيس الجمهورية و”التيار الحر”… لكن هذا غير صحيح، لأننا لم نقف لحظة عند زمن ترمب أو زمن بايدن، فالموضوع لا يختلف كثيراً، ولذلك نحن كنا نريد حكومة بالأمس قبل اليوم، والأكيد أن هذا الاتهام ليس له أساس ولا أي معنى”. وإزاء اتهام الحريري بأنه ينتظر تسلم بايدن مهماته قال نصر الله إن الحزب سأل الرئيس المكلف تأليف الحكومة فنفى ذلك. واعتبر نصر الله أن هذه التهمة “انتهت في كل الأحوال” لأن رحيل ترمب اقترب في 20 يناير “والوقت سيتكفل بحلها”.
لا مفاوضات أميركية إيرانية
لكن اللافت في كلام نصر الله تشديده ثلاث مرات على أنه “إذا البعض مقتنع بأن الحكومة في لبنان تنتظر مفاوضات أميركية- إيرانية، فنحن ليس لدينا شيء من هذا القبيل. ليس هناك من مفاوضات أميركية- إيرانية، لا على لبنان ولا على سوريا ولا على العراق أو اليمن أو البحرين وفلسطين والمنطقة ولا على الصواريخ، وحتى على النووي الإيراني”. وأسند كلامه بتصريح مرشد الجمهورية الإيرانية علي خامنئي، “لسنا مهتمين” بأن يعود الأميركيون إلى الاتفاق النووي، و”الذي يهمنا أن ترفع العقوبات” (عن إيران). وردد نصر الله كلاماً يقوله خصومه في معرض اتهامه والجانب الإيراني برهن تأليف الحكومة بالحوار الأميركي الإيراني، عن أن الأميركيين مع تسلم بايدن مهماته “لديهم مشاكل كثيرة ولن تكون أولويتهم تشكيل الحكومة اللبنانية”. ودعا إلى “تجاوز الاعتبارات الخارجية، وأن نُركز على الجانب الداخلي، فإذا تفاهمنا في الداخل وتضامنا، الآن الخارج ليس لديه الوقت لنا، فلتتشكل الحكومة وليرَ الخارج كيف سيتعاطى معها بطريقة أو بأخرى”.
لكن التشديد على أن لا تفاوض بين طهران وإدارة بايدن المقبلة، جاء بعد تأكد الأولى من أن الرئيس الأميركي الجديد، مع اختلاف مقاربته للاتفاق على النووي عن نهج ترمب، سيكون متشدداً حيال دورها الإقليمي وبرنامج الصواريخ الباليستية.
رد نصر الله التعقيدات الحكومية إلى أسباب داخلية، لكنه خلافاً لإعلام حزبه ونوابه الذين حملوا مسؤولية العرقلة إلى الحريري بطريقة أو بأخرى أكثر من مرة، إذ لمحوا إلى ضرورة أن يأخذ بمطالب عون في تأليف الحكومة، اعتبر أنه “لا يجوز تحميل المسؤولية لطرف واحد”. وحصر العائق أمام ولادة الحكومة بالخلاف على حقيبتي الداخلية والعدل (التي يصر عون على حقه بتسمية وزيرين لهما، فيما يتمسك الحريري باختياره اسمين من المستقلين لهاتين الوزارتين في اللائحة التي تقدم بها). وإذ أشار نصر الله إلى أن هناك أزمة ثقة، لأن الخلاف حول هاتين الوزارتين يعود إلى مخاوف أطراف من فتح ملفات قضائية تتعلق بالفساد وغيره.
ينفي العوامل الخارجية لكنها في حساباته
يرى سياسي بارز منخرط في تفاصيل الاتصالات للخروج من الفراغ الحكومي، أن “حزب الله” ينفي الأسباب الخارجية التي تدفعه إلى تعليق الحكومة، في وقت هي في صلب حساباته الفعلية، ويعيد المشكلة إلى الأسباب الداخلية، وهذا مبرر كاف لصعوبة إحداث خرق في جدار الانسداد الحكومي.
ي المقابل، طرح تأكيد نصر الله بالاستناد إلى خامنئي أن لا مفاوضات إيرانية- أميركية، تساؤلاً عما إذا كانت طهران اقتنعت بأن استعجالها التفاوض مع إدارة بايدن ليس ممكناً في المستقبل القريب، وأنها قد تلجأ إلى تعديل خطواتها في عدد من ميادين نفوذها في المنطقة، بالتالي لا جدوى من إمساكها بورقة الحكومة في لبنان، بحيث يتم الإفراج عن هذه الحكومة وتجنب مزيد من الإحراج والحملات على “حزب الله” بأنه يحول دون انتظام السلطة التنفيذية، في أوج الحاجة إلى تدابير تتخذها لمعالجة الأزمة الاقتصادية المالية الخانقة، ومخاطر انتشار جائحة كورونا.
إلا أن العارفين بموقف “حزب الله” يرون أنه على الرغم من لهجة المهادنة التي اعتمدها نصر الله، فإن إيحاءه بأنه سيجري اتصالات في الفترة الفاصلة عن 20 يناير، يخفي توجهاً لممارسة ضغوط على الحريري كي يقدم تنازلات لمصلحة عون. ومن غير المستبعد أن تشمل هذه الضغوط التلويح بفتح ملفات لوزراء سابقين من المقربين لتيار “المستقبل” عن طريق قضاة يدينون بالولاء لرئيس الجمهورية.
المصدر: اندبندنت عربية